الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول صورة العربي في فضائية العالم

جهاد الرنتيسي

2008 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تستطيع فضائية العالم الايرانية حرمان مذيعيها من ربطات العنق ، واجبار مذيعاتها على ارتداء الحجاب عملا بوصايا الولي الفقيه، وايجاد صيغة لخطاب ديماغوجي، تحريضي مغلق على الرغبات والاوهام وكيل الاتهامات للخصوم.

لكن حفلات "زار" من هذا النوع لا تكفي لفتح قنوات حوار مع مثقف بافق يكفي لاستيعاب تحولات المشهد الراهن، او مد جسور مع متلقين يحتفظون ببقايا ذاكرة، او تقديم قراءة متماسكة لاحداث متلاحقة في عالم بالغ التعقيد.

فالحوارات الجادة، وجسور الثقة لاتبنى على حواف خطاب سياسي متأرجح، بعيد عن الواقع، وحجج مكشوفة تبعث على الريبة.

واقصى ما يمكن ان يقود اليه مثل هذا الخطاب اثارة الرغبة في تفكيكه بحثا عن ركائزه.

احدى ركائز هذا الخطاب اعتقاد ملالي ايران ـ الذين تروج الفضائية لسياساتهم ـ بقدرتهم على تفجير الثورات في المنطقة، واثارة القلاقل في بعض دولها، وربما الاطاحة بانظمتها السياسية.

وتمتد جذور هذه الركيزة الى صلب السياسة التي يتبعها الملالي في التعاطي مع الاوضاع الداخلية لدول المنطقة.

فقد ارتبط شعار "تصدير الثورة" بالتجربة الخمينية منذ بداياتها ليشيع اجواء الحذر والتوتر بين ايران وجيرانها.

واستطاع حكام ايران، منذ الخميني وحتى نجاد توفير قوى سياسية واجنحة عسكرية يمكن المراهنة عليها في تكريس الازمات السياسية والامنية في دول المنطقة، بدءا من ممارسات حزب الله في لبنان، وقوى الاسلام السياسي الشيعي في العراق، ومرورا بحركة حماس في الاراضي الفلسطينية.

خلفيات هذه الركيزة تكفي لتفسير احد مكونات الخطاب الذي تروجه فضائية العالم ولكنها لا تمنحه قوة الاقناع.

فالقوى السياسية العربية الموالية لايران تتغذى على حالة الاحباط التي تعيشها المنطقة، ولا تقدم الحلول العملية و البدائل المقنعة لواقع تديره الانظمة العربية المتهمة دوما بالتقصير.

كما تواجه هذه القوى شكوكا في انتماءاتها، واولويات اجنداتها، والشعبية التي تحظى بها ذات طابع آني، تنكمش مع تراجع قدراتها على "تهييج" مشاعر العامة.

وباستمرار تراجع القدرة على التهييج ينحسر دور هذه القوى ليقتصر على إرهاب النظام السياسي العربي، مما يعني زيادة انكشافها امام شارعها، المخدوع بالشعارات.

الخطاب السياسي لفضائية العالم يُصًِر على تجاهل هذه الحقائق على امل اظهار التعاطف الذي تلقاه نزعة المقاومة في طرح حماس وحزب الله وبعض قوى الاسلام الشيعي في العراق وكأنه تعاطفا مع ايران.

وهنا ترتكب الفضائية التي تخاطب المشاهد العربي خطيئة معرفية اخرى، فالذهنية العربية التي تستحضر الحرب العراقية ـ الايرانية بين الحين والاخر، ولم تغب عنها الممارسات الايرانية التي رافقت التهديد بتصدير الثورة، والدور الايراني الراهن في العراق غير مهيأ لقبول ملالي ايران، وان تعاطفت مع شعارات العداء لاميركا واسرائيل، دون اكتراث برافعيها.

الوقوع في هذه الخطيئة المعرفية يدفع فضائية العالم الى خطايا لا اول لها ولا اخر من بينها محاولة اظهار ملالي ايران وكانهم بؤرة مواجهة مع الولايات المتحدة مستفيدة من حالة الشد والرخي المصاحبة لأزمة مشروعها النووي.

ومن الطبيعي ان لا تكون امكانية التسليم بالخطايا الفرعية افضل حالا من احتمالات القبول بالخطيئة الاصلية.

فهناك فوارق كبيرة بين المرشد الاعلى الذي يطمح لتقاسم وظيفي مع الولايات المتحدة يتيح له الهيمنة على المنطقة، وسيمون بوليفار الذي قاد حركة تحرير اميركا اللاتينية، او محمد مصدق الذي خاض حرب الايرانيين لتاميم النفط، او مسعود رجوي الساعي لاخراج شعبه من دائرة الحكم الثيوقراطي.

كما يحفل تاريخ شعوب المنطقة الذي سبق وصول ملالي ايران للسلطة بالثورات والانتفاضات والانقلابات العسكرية ضد الاستعمار الكولونيالي والانظمة الاستبدادية.

وتدلل الشواهد على ان معظم النماذج التي كان ينشدها ثوار المنطقة منذ الثورة العربية الكبرى على الدولة العثمانية، وصولا الى ناشطي المجتمع المدني في مختلف العواصم العربية يفوق نموذج الحكم الايراني الراهن من حيث التسامح، وقبول التعددية السياسية.

فلم تغب اسئلة الديمقراطية عن المنطقة العربية منذ ستينيات القرن الماضي، وما زال البحث عن اجابات لهذه الاسئلة بوصلة للحياة السياسية المتعثرة، لعدة اسباب، من بينها قوى الشد العكسي التي يتلقى معظمها دعماً ايرانياً سواء تم ذلك بشكل علني او من تحت الطاولة.

قد يكون لقاء ملالي ايران مع هذه القوى تحت سقف الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني، ورغبة ايران في التصعيد ضد الغرب اسبابا للدعم الذي تمنحه طهران للجماعات المسلحة في اكثر من بقعة، الا انها ليست جميع الاسباب على اية حال.

فالقيادة الايرانية ترى في هذه القوى المرآة التي تعكس صورة الارتداد على ديمقراطية ما قبل ثورة الملالي، واستلهام أليات تفكير الدولة الصفوية، علاوة على انها الغطاء السياسي لمشروعها، وفرصتها لتعميم نموذجها.

ومحاولة الدفاع عن تجربة الملالي باعتبارها "حالة ديمقراطية" تنكفئ بمجرد الوقوف عند خضوع هذه التجربة لولاية الفقيه، وسلطة الولي الفقيه على المجالس المنتخبة، والالتفات الى لجان التفتيش التي تتولى فحص ديانة المرشحين للانتخابات.

طريقة اختيار ايران لحلفائها تدلل ايضا على ان مسالة الديمقراطية ليست على راس اجندة نظام الملالي، فالانظمة الحليفة للنظام الايراني شمولية بطبيعتها، وتواجه قوى المعارضة فيها اقسى اشكال القمع.

الا ان هذه الحقيقة ـ كغيرها من الحقائق المؤلمة لنظام الملالي ـ لا تجد موطئ قدم على سطح الخطاب السياسي الذي تستخدمه الفضائية، لا سيما وان قراءة المشهد من هذه الزاوية يسقط بعض ركائز الطرح، الذي لا يخلو من ايحاءات بصلاحية نموذج الحكم الايراني للتعميم، ويفسح المجال امام تسليط الاضواء على مطالب الشعوب الايرانية التي ضاقت ذرعا بمواصفات الحكم الراهن.

وفي سياق اندفاعها للتحريض على النظام الرسمي العربي تسعى فضائية العالم الى "شيطنة" الاتصال والحوار مع الولايات المتحدة باعتباره كبيرة من الكبائر.

لكن مثل هذا التحريض يبقى مكشوفا في ظل السلوك السياسي الايراني، وتربع الولايات المتحدة على السدة الكونية، وتأثيرها في احداث ومستقبل المنطقة.

فالشعارات المدوية في اللغة السياسية الايرانية تبقى عاجزة عن اخفاء الحدود القصوى لحلم ملالي طهران، التي لا تتجاوز في افضل الاحوال ايجاد صيغة تقاسم وظيفي مع الولايات المتحدة، تتيح لايران تأبيد نفوذها السياسي والامني وبسط هيمنتها على شعوب المنطقة.

كما يبيح التفكير السياسي الايراني فتح قنوات الحوار وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، الامر الذي يوصل الى قناعة بتحريم طهران الحوار مع واشنطن اذا كان العرب طرف الحوار الاخر، وتحليله حين تكون طرفا فيه.

وبناء على المعايير المزدوجة التي تستخدمها فضائية العالم يصبح اجراء جولات حوار مع واشنطن في العراق مع الاميركيين، ومشاركة الجانب الاميركي في محادثات جنيف المتعلقة بالملف النووي الايراني امرا طبيعيا، ولقاء وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس مع نظرائها العرب انحرافا وتواطؤا مع الشيطان الاكبر.

فالخيارات المتاحة لدول الخليج العربي الست ومصر والاردن لا تتجاوز اتخاذ مواقف في مواجهة الولايات المتحدة حتى ولو كانت واشنطن حليفا تاريخيا لها، وتحرر النظام السياسي العربي من العلاقة مع واشنطن لا يكتمل دون ان يأخذ منحى الدخول تحت المظلة الايرانية، واذا لم تستجب الانظمة العربية لهذا الارتهان لن تجد سوى الحملات الاعلامية الشعواء، ودفع فاتورة تمردها من استقرارها.

دعوة فضائية العالم الى ارتهان تيار الاعتدال العربي لايران تأتي تحت يافطة امتلاك شعوب المنطقة لقرارها, وكأن ايران تمثل الارادة الحرة، والطرف المخول بالوصاية على شعوب المنطقة.

هذه المقدمات التي يستطيع المتابع ان يتلمسها دون عناء كبير في حال متابعته للفضائية الايرانية الناطقة بالعربية من بيروت تقود الى نتيجة واحدة وهي ان طهران لا تمتلك اي تصور للعلاقة مع العرب سوى اخضاعهم وفرض ارادتها عليهم، فهم حالة مستباحة تستكثر عليهم امتلاك اجندة سياسية توازي بقية الاجندات الاقليمية في المنطقة.

ومثل هذه الصورة تستحق من النخب العربية وقفة بحث عن البدائل، فمن غير الممكن استمرار انحسار الخيارات لتقتصر على الدوران حول محوري امبريالية متوحشة وثيوقراطية تحركها نزعات قومية، والاكتفاء بمتابعة الاحداث دون وضع اليات التعاطي مع افرازات السيناريوهات المطروحة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية