الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران الدولة الأكثر قبولا للوجود الأمريكي في المنطقة

زيد حيدر

2008 / 8 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لطالما وقف الكثير حائرا أمام حالات الشد العنيف وبين الجذب الناعم وبين التصعيد باتجاه المجابهة وبين الالتقاء المستتر وبين المصالح المتبادلة وبين المصالح المتعارضة التي طبعت العلاقة بين إيران والولايات المتحدة طيلة السنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001 حتى بات التصور في سمته الغالبة أن طبيعة هذه العلاقات هي علاقة تصارعية في جوهرها وظاهرها، بينما راح ظن البعض، في ضوء هذا التباين، منصرفا إلى الاعتقاد بان هذا النوع من العلاقات بين الطرفين ربما لا يشكل سوى ملمحا ظاهريا قويا لعبت فيه وسائل الدعاية (propaganda) دورا كبيرا في ترسيخه لدى الرأي العام لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.
وبات الأمر وكأنه لغز أو مجموعة طلاسم التي يَصعُب فك رموزها مما يدفعنا إلى التساؤل عن حقيقة ما يجري بين إيران والولايات المتحدة والعلاقة بينهما، والى أين تتجه العلاقة فيما بينهما؟
وبالعودة إلى جذور العلاقات بين الطرفين منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 نجد أنها قد اتسمت بالعدائية المتبادلة، إذ أن هذه الثورة قد أطاحت بأحد كبار حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة فضلا عن أن الطبيعة الراديكالية لهذه الثورة ومبادئها في معاداة " الاستكبار العالمي" و "الشيطان الأكبر" و شعار "تصدير الثورة" كانت أساس التعبئة الداخلية في إيران لصالح رجال الدين الذين قاموا بالثورة. وعلى الرغم من أن هذا العداء ظل اقرب من كونه شعارا منه إلى الواقع فانه قد تصاعد بشكل لافت في السنوات الخمس الأخيرة ويوما بعد آخر ربما اخذ العالم يترقب مواجهة كبيرة بين الطرفين الذين باتا جارين لدودين بحكم الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق وهنا تكمن المفارقة الأولى في أوجه الالتقاء الأمريكي الإيراني على مستوى المصالح الإستراتيجية فكلا الطرفين كانا يطمحان في إزالة نظامي طالبان في أفغانستان و صدام حسين في العراق وبلا أدنى شك أن ما حصلت عليه إيران من مكاسب نتيجة لذلك ربما يفوق ما حققته الولايات المتحدة نفسها حيث تكبدت الأخيرة خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات بينما جنت إيران ذلك على طبق من ذهب، وهذا الالتقاء لم يكن مصادفة فالعديد من كبار المسئولين الإيرانيين لطالما تبجحوا بأنه لولا الدور الإيراني لما استطاعت الولايات المتحدة من احتلال هذين البلدين وهو ما يشير إلى أن تعاونا بينهما على أعلى المستويات ربما يكون قد تجاوز التنسيق والتعاون ألاستخباري واللوجستي قد سبق العمليات العسكرية الأمريكية على أفغانستان والعراق.
وكما في الحياة فان لكل شيء ثمنه ففي السياسة كذلك لكل موقف ثمن ومن هنا لابد أن يكون الإيرانيين قد حددوا مع الأمريكيين ثمن موقفهم من هاتين الحربين سلفا.
اما ما يتعلق بالاحتلال الأمريكي للعراق فان المراقب يجد ان الدولتين الأكثر استفادة من إزاحة نظام حسين هما إيران وإسرائيل فمن باب التذكير ليس إلا فان عاصمتي هاتين الدولتين كانت قد طالتها صواريخ ذلك النظام وأنهما كانتا تتحسبان من قدراته العسكرية التقليدية وفوق التقليدية، فكانت قرارات الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر بحل الجيش العراقي السابق و عديد من مؤسسات الدولة العراقية خاصة الأمنية أو المرتبطة بالصناعة العسكرية بهدف إنهائها وإضعافها هو هدف مشترك لإيران وإسرائيل أولا باعتباره قد أزال تهديدا وعدوا تاريخيا لهما وأمريكيا ثانيا لأسباب تتعلق بالأهداف غير المعلنة والتي تم احتلال العراق من اجلها.
فضلا عن ما تقدم فإن الاحتلال الأمريكي للعراق قد كشف بدوره عن وجه آخر من أوجه الالتقاء الإيراني الأمريكي على الساحة العراقية بعد الاحتلال برز من خلال تركيبة ووظيفة وخلفية الأشخاص الذين وصلوا إلى سدة الحكم بعد الإطاحة بالنظام السابق وهم على الأغلب ذو ارتباطات كبيرة وعميقة مع الطرفين وكثير منهم يحمل الجنسية الإيرانية أو الأمريكية خاصة أو غربية بصورة عامة أو جنسيتا كلتا الدولتين في أن واحد معا، أو أنهم من أصول إيرانية و أمريكية الهوى ونتيجة لذلك نرى أن الدولتين الأكثر دعما لما يسمى بـ " العملية السياسية" في العراق ولحكومة المالكي هما إيران والولايات المتحدة ولعل تصريح احد كبار المسئولين الايرنيين مؤخرا بالقول " أن حكومة المالكي هي أحسن حكومة في تاريخ العراق" يتماشى تماما مع الثقة التي تضعها الإدارة الأمريكية الحالية بحكومة المالكي وهي تضع اللمسات الأخيرة على ما يسمى بـ" الاتفاقية الأمنية طويلة الأمد" والتي تهدف بشكل واضح إلى شرعنة الاحتلال الأمريكي للعراق لمدى مستقبلي قد لا يلوح أفق نهائي له.
وإذا كان ذلك جزءا من نقاط التقارب والالتقاء في العلاقات الأمريكية الإيرانية فان المعيار الذي قامت عليه جولات المفاوضات بينهما بشأن العراق قد اشر أن ثمة اختلافا وافتراقا قد حصل بين مصالح الطرفين في العراق فشلت هذه الجولات من حل عقدها وهذا أمر طبيعي في العلاقات بين الدول ذلك لأنه إذا كان لا وجود في السياسة لصداقات دائمة أو عداوات دائمة فانه أيضا هناك فيما بينهما خيانات دائمة تبعا للمصالح المتبادلة أو المتقاطعة أو نتيجة الفرق بين التكتيك وبين الإستراتيجية، وليس أسهل على الأمريكان من التخلي حتى عن اقرب حلفائهم إذا ما أصبحوا خارج الصلاحية الزمنية للنفاذ وفي التاريخ شواهد كثيرة على ذلك وهو الحال نفسه ينطبق على الإيرانيين وليس تخليها عن أكراد العراق عام 1975 على وفق ترتيبات اتفاقية الجزائر ببعيد مثل، وربما هناك من يقول أن من وقع الاتفاقية تلك هو الشاه وليست الجمهورية الإسلامية فالرد أن ما تغير في إيران بعد الثورة الإسلامية ربما لم يطل كثيرا الأهداف في السياسة الخارجية الإيرانية فالهدف هو ذات الهدف وهو التوسع والهيمنة الإقليمية وان الذي اختلف فقط قد يؤشر لصالح سياسة الشاه نفسه إذ انه كان يعتمد على الغطرسة العسكرية والخيار العسكري فقط في تحقيق أهدافه التوسعية بينما أضافت الثورة الإسلامية عاملا آخر مضافا إلى الخيار العسكري وهو استخدامها للعاطفة الدينية المستندة ظاهريا على مذهب التشيع الديني وجوهريا على التشيع السياسي وهذا العامل الأخير كان واحدا من نقاط الاختلاف بين الولايات الأمريكية وإيران التي استنفرته ودعمته بكل الوسائل من اجل تحقيق أهدافا توسعية شملت مناطقا ربما لم تكن أحلام الشاه نفسه قد دنت منها حيث بدا ملموسا تأثير الدور الإيراني في سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة وبعض دول المغرب العربي فضلا عن العراق. فتصدير مبادئ الثورة الإيرانية من شانه أن يزعزع امن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وفي المقدمة منهم إسرائيل و دول الخليج العربي والتي بات يسميها البعض بـ" دول الخلايا النائمة" في إشارة إلى وجود تنظيمات مرتبطة بإيران ومدعومة من قبلها ولها أدوارا مرسومة مستعدة لتنفيذها متى صدر الأمر إليها بذلك من طهران.
أما نقطة الاختلاف الأخرى بين الطرفين تكمن في أن إيران قد جعلت من الساحة العراقية ساحة حرب غير مباشرة مع القوات الأمريكية المحتلة لهذا البلد من خلال دعمها لعديد من الجماعات المسلحة والميليشيات الطائفية لا سيما في مجال مدها بالأسلحة المتطورة التي بإمكانها إلحاق الأذى بالقوات الأمريكية ومعداتها و بالأموال والتدريب الأمر الذي أربك كثيرا هذه القوات التي وجدت نفسها في مستنقع تقف عاجزة أمام الخروج منه وفي المقابل وجد الإيرانيون أن بقاء الأمريكان في هذا المستنقع لأطول فترة ربما وضعت لها تخمينات زمنية محددة أو قريبة من التحديد هو غاية التكتيك الإيراني وأعلى درجات براعته ذلك لان انهماك القوات الأمريكية وغوصها في قاع المستنقع العراقي وانهماكه في البحث عن مخرج منه سيوفر الغطاء الزمني الذي تتطلبه أجهزة الطرد المركزي في ناتانز وأصفهان لإنتاج ما يلزم كما ودرجة تخصيب من مادة اليورانيوم 235 لصناعة سلاحها النووي الأول، فضلا عن انه ربما سيعرقل أي عمل عسكري تقوم به واشنطن ضد طهران.
من هنا أخذت شقة الاختلاف حول قضية "الملف النووي الإيراني" تتسع ذلك لان كل من الطرفين يسعى للامساك بما أستطيع تسميته بـ" اللحظة الحرجة" واقصد بها اللحظة التي تنتج فيها إيران سلاحها النووي الأول ولذلك فان الإستراتيجية التي تعتمدها إيران في إدارة أزمتها النووية هي التركيز على توظيف العامل الزمني لصالحها من خلال المماطلة والتسويف من جهة وممارسة " الوخز" في إستراتيجية الولايات المتحدة الإقليمية بهدف العرقلة والتأخير في تحقيق أهدافها، ومن هنا نجد أن الدور الإيراني اخذ ينشط يوما بعد أخر في افتعال الأزمات الطائفية ليس في العراق فحسب وإنما في لبنان حيث ثقل حزب الله داخل الدولة اللبنانية وفي اليمن حيث الدعم للحوثيين وفي فلسطين حيث الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني.
وهذه اللحظة " أي اللحظة الحرجة" تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل في الوقت نفسه للامساك بها من خلال دفع إيران، وهو ما تمارسه إيران فعلا، نحو التصعيد واعتماد سياسة حافة الهاوية بذات النهج الذي اتبعه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في صراعه مع الولايات المتحدة وهو ما توظفه دوائر التأثير الغربية والإسرائيلية في الرأي العام العالمي من جهة ودفع إيران للوصول إلى مراحل متقدمة في برنامجها النووي من جهة أخرى بالرغم من عامل المجازفة الذي يرافق ذلك قبل أن يتم تدميره على وفق النوايا نفسها التي تم على أساسها تدمير مفاعل تموز العراقي عام 1981 وان اختلف أسلوب و حجم التدمير كما ونوعا تبعا لطبيعة البرنامج النووي الإيراني وحجمه.
بيد أن أكثر العوائق تأثيرا في نجاح الغرب بالإمساك باللحظة الحرجة هو ضعف الجانب ألمعلوماتي ألاستخباري والتقييم الموضوعي والتباين الواضح في التخمينات الزمنية الغربية التي تحاول أن تقترب من موعد امتلاك إيران لسلاحها النووي الأول وهذا ما يرجح كفة الإيرانيين في الوصول إليها قبل غيرهم. ومتى ما أمسكت إيران بها ستتغير معظم قواعد اللعبة في المنطقة وعند ذاك فقط سوف لا تطلب إيران من الولايات المتحدة أن ترحل بقواتها من المنطقة بل ستكون الشريك والحليف الأساس الذي دخل ساحة اللعب مع الكبار عنوة في رسم وتوجيه أي ترتيبات أمنية وسياسية في المنطقة بينما سيستمر العرب في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي خصوصا في نومهم وسباتهم راقدون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام في حرم جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة للمطالبة بإن


.. القوات الإسرائيلية تقتحم معبر رفح البري وتوقف حركة المسافرين




.. جرافة لجيش الاحتلال تجري عمليات تجريف قرب مخيم طولكرم في الض


.. مشاهد متداولة تظهر اقتحام دبابة للجيش الإسرائيلي معبر رفح من




.. مشاهد جوية ترصد حجم الدمار الذي خلفته الفيضانات جنوب البرازي