الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيام الإسمنتية

صفوت بلاصي

2008 / 8 / 5
حقوق الانسان


قالت لي وبكل بساطة بل وبكل وقاحة لأنك ابن مخيم ... استفزتني هذه الطريقة في الحديث, واستفزني أكثر ذلك البريق في عينيها وكأنها حققت ذلك الانتصار الخرافي.
عذراً ... يبدو إنني قد بدأت في الموضوع حتى بدون مقدمة, لكن هذه المشاعر التي أحس بها الآن كانت أقوى من قدرتي على صياغة الجمل وتركيب الكلمات .
لقد استهلكت الكثير من السنين على هذه الأرض , وعرفت الكثير من المخلوقات ومنها البشرية , وتعلمت دروس الدين والإلحاد , الحرب والسلام , الحياة والموت , قرأت لأحلام مستغانمي ولباولو كويلو ولجبران ومحمد الماغوط , لكني لم اعرف يوما ً تجربة كهذه في حياتي ولم اقرأ عن مثلها يوما ً .
لم اعش في حياتي مرارا ً ولا سوداوية كالذي أحس به الآن , ربما لأنها المرة الأولى التي يواجهني بها احدهم على هذا النحو , لم يقل لي احد قبل اليوم إنني أرفضك وارفض أن أتعامل معك لأنك ابن مخيم , يا لقسوة هذه الكلمات كانت أكثر إحراقا ً من جهنم وابرد من الجليد , كانت كلمات عارية لم تراعي لا الدين ولا الأخلاق وكانت بعيدة كل البعد عن معاني الإنسانية , كانت اكبر من كل معاني الطبقية وكانت أقوى من أن يتحدث عنها ماركس ولينين في نظرياتهم عن الطبقية والعنصرية , فهذه الكلمات كانت بحاجة لدين جديد لتغير من حدتها .

نعم , فقد سمعت هذه الكلمات , وكانت مزلزلة , كانت نكبة أخرى , نكبة بكل سخطها وعنفوانها , بكل المرارة والعذاب , فان يقال لك بأنك ابن مخيم وكأنها عار لحق بك , أو كأنك اقل شأنا ً من حيوان قد فر من حديقة للحيوان , أن يتم التعامل معك كونك إنسان وصلت من الدونية حد عدم الإنسانية .
في هذه الحالة عليك وبكل بساطة أن تبحث عن وطن أخر وشعب أخر , وطن أكون فيه إنسان بكامل كرامتي ,فانا سئمت من هذا الوطن الذي لا ينتمي لي , لا أريد أن يحترمني الناس لانتمائي السياسي , ولا لمكان سكني , ولا لشدة تديني أو عدمه , أريد أن أكون إنسان لي كامل الحقوق , الحق في الحياة وفي الموت والحق في الحب , والضحك , الحق في أن أكون أنا......

لا أريد أن أرى كل تلك المستحيلات , لأني احمل تلك البطاقة التي تثبت إني لأجيء , لا أريد أن احمل تلك الخيمة حتى إلى أحلامي , أريد أن انتمي إلى وطن لا أكون فيه مواطنا من الدرجة العاشرة .
فنحن في هذا الوطن بحاجة إلى تحرر اجتماعي, ضد الطبقية والاضطهاد والعنصرية, نريد ثورة للعدالة نريد أن ننتصر للمساواة, نريد وطن نكون فيه جميعا ً بشر.
فالمخيم ... رمز الثورة وعنوان القضية .... هكذا يقال عنا , هكذا يقال عن مكان سكني , لكن يبدو انه مجرد تنظير لا يتعدى كونه تسويق إعلامي , أو انه كلام يستخدم كإبرة للتخدير لهؤلاء البشر الذين يعيشون داخل هذه الخيام الإسمنتية , داخل تلك الأرض المنسية من التيه !!!

فنحن يا سادتي بلا خريطة ,وبلا حدود , وبلا وطن , لكن نحن أحياء ونتابع سنوات ضياع , ونعرف ان الحليب مفيد للصحة , ونقرا الجريدة , وأحيانا ً نرى سياراتكم الفاخرة , ونراقب قصوركم البعيدة ,ونتحدث مثلكم تماماً إلا من لهجة الدولار , وعندما نضحك تظهر أسناننا كما تظهر أسنانكم , ونتنفس كما انتم , لكن الفرق الوحيد بيننا وبينكم إننا نراكم بشراً مثلنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب العلوم السياسية بفرنسا يتظاهرون دعمًا لغزة


.. علي بركة: في الاتفاق الذي وافقنا عليه لا يوجد أي شرط أو قيود




.. خليل الحية: حققنا في هذا الاتفاق أهداف وقف إطلاق النار وعودة


.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو




.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع