الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة تركيب المشهد الفلسطيني

فاطمه قاسم

2008 / 8 / 6
القضية الفلسطينية


ها هو المأزق الداخلي الفلسطيني المتمثل بالانقسام السياسي , وتداعياته الإدارية والقانونية , والاجتماعية والنفسية , يعيد إنتاج نفسه في دورات متتابعة من التأزم , والتباعد , والضعف , وتقديم أثمان فاضحة بدون أي نوع من الانجاز , لدرجة أن هذا المأزق الداخلي الفلسطيني يتحول إلى معضلة وجرح نازف لا يتوقف , حيث أن الجرح كلما استمر مفتوحا كلما توازى معه النزف المستمر , بل العكس فان بقاءه مفتوحا يجعله عرضة للتعفن , والتسمم , وان درجة الخطر تزداد , وتهدد الجسد كله بالموت.
وعودة إلى تفجيرات شاطئ مدينة غزة التي حدثت منذ عشرة أيام
, والتي لقيت إدانة واسعة , وتم التعامل معها بردات فعل سريعة , لماذا وقعت تلك التفجيرات ؟ ومن الجهات التي نفذتها ؟ وهل الحدث كله وقع تحت البند الجنائي أم السياسي ؟وهل هو فردي عارض من نوع الأعمال الانتقامية, أم عمل منظم يشير إلى مرحلة جديدة ؟
كل هذه الأسئلة لا يوجد أجوبة لها حتى الآن , وكل مانراه ونسمعه ليس إلا مجرد تداعيات , وردود أفعال , وتوتر من داخل وبسبب المأزق نفسه , وهذا مما دفعني إلى وصف المأزق الداخلي بأنه تحول من العجز على القدرة لإنهائه إلى جرح نازف تزداد خطورته وقوته يوما بعد يوم .
وان هذا المأزق يتحول بالفعل إلى تهديد ليس فقط لمشروعنا الوطني , بل لكل المنطقة الحساسة المحيطة بنا , وخاصة في مصر والأردن وإسرائيل , وان هذه الأطراف رغم اختلاف تقييمها لهذا المأزق انطلاقا من مصالحها , فإنها ستحاول أن تمنع سلبيات هذا المأزق الداخلي الفلسطيني من إنتاج نفسه عند هذه الأطراف بأي شكل من الأشكال .
المأزق الداخلي الفلسطيني " الانقسام " الذي حدث منذ صيف العام الماضي , يودي تدريجيا إلى تخفيض سقف الطموح الفلسطيني , من دولة مستقلة قابلة للحياة في حدود الرابع من حزيران عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها , إلى مجرد الاستمرار في الحياة بحدها الأدنى , مثل الارتضاء بفتح معابر البضائع في قطاع غزة وبعض الأنفاق التي سرعان ما تنكشف أو تنهار على من فيها , ومعبر رفح في حدود الحالات الإنسانية , وتهدئة بسقف امني محدود بهدف منع الاجتياح الإسرائيلي ليس أكثر , أما في الضفة الغربية فسقف الطموحات يصبح مجرد استمرار السلطة الوطنية قادرة على تامين رواتب الموظفين " برغم تعالي أصوات بالتوقف حتى عن ذلك بحجة تحميل المسئولية لإسرائيل " وإدارة خدمات محدودة لان الاحتلال يعترض الطريق .
ولكن هذا السقف المنخفض للطموحات الفلسطينية بسبب الانقسام وتداعياته واستغلاله ببشاعة وقسوة من قبل إسرائيل , قد يؤدي إلى صعود الاحتمال الأقوى والأخطر وهو حدوث انفجارات غير مسيطر عليها , سواء في قطاع غزة المضغوط بالمشاكل المتفاقمة , أو في الضفة الغربية التي تفقد الأفق والأمل بسبب اتساع هجمة الاستيطان وتهويد القدس , وتصعيب الحياة اليومية إلى درجة الاختناق , والضربات القوية التي تتعرض لها الخطط التنموية والأمنية على يد الاحتلال الإسرائيلي .
الانفجارات غير المسيطر عليها وارد حدوثها بقوة نتيجة تضافر عوامل متعددة , ابتداء من حالة العجز وعدم القدرة من مغادرة الانقسام , وفقدان الأطروحات السياسية السائدة لمصداقيتها , وصولا إلى الحصار والإحباط والفقر والاحتياج , وهناك سوابق في تاريخ التجربة الفلسطينية , حين انفجرت الانتفاضة الأولى في نهاية عام 1987 ثم انتفاضة النفق في عام 1996ثم انتفاضة الأقصى في العام 2000 ثم مسلسل الاختراقات الأمنية التي قادت إلى الوضع الراهن , وأحب أن اذكر أن الأوضاع عند انفجار تلك الانتفاضات والتطورات لم تكن أسوا مما هي عليه ألان , بل على العكس هناك تراكمات أكثر سلبية صنعناها بأنفسنا مثل إضعاف حصانة الشرعية الوطنية واستطالة هذا الخلاف الذي فشلنا حتى الآن في السيطرة عليه أو إدارته بطريقة اقل نتائج تدميرية .
ويجب أن نتذكر أن الروادع كانت قوية جدا ممثلة بقوة وبطش الاحتلال ولكنها لم تحول دون وقوع تلك الانفجارات الشاملة , بل إن الانفجارات غير المسيطر عليها المحتملة قد تكون الأكثر عنفا , وقد تفتح من جديد ملفات كنا نتمنى أن تندثر من أجندتنا الوطنية , مثل ملفات الثار الفردي والجماعي , وربما تدخل أطرافا على اللعبة, في أجواء قابله لذلك مثل الأجواء التي نعيش بها لم تكن موجودة سابقا , وبطبيعة الحال :
فانه لا يكفي أن نتوقع الاحتمالات بل لا بد من جهود جادة ومتفوقة لتلافيها أو التخفيف من خسائرها , ومطلوب بإلحاح الآن إعادة تركيب المشهد الفلسطيني , لان المشهد بوضعه الحالي يبدوا شاذا وغير عاديا , وعنصر الشذوذ في المشهد أننا نقوم بإفراغ شحنات الإحباط السالبة ضد بعضنا , حتى ليبدوا كما لو أن العدو , الاحتلال الإسرائيلي قد سقط سهوا من حساباتنا , وان مصطلحات مثل الاستقلال , والدولة , والمقاومة , والوحدة , والحوار , والائتلاف الوطني , قد سقطت بشكل نهائي من قاموسنا السياسي اليومي , وأننا نتوعد أنفسنا بالمزيد من تدمير الذات , ونبحث عن فرص للانقضاض على انجازاتنا لتحطيمها , هذا المشهد لا يمكن التعامل معه بقبول وجدية من أي طرف وربما الأطراف الخارجية تحاذر , وتتخوف , وتدس أيديها , وتستغل , وتخرب , وتعبث , ولكن هذا المشهد الفلسطيني الراهن لا يفرض على الآخرين الجدية في التعاطي مع حقوقنا , ومشروعنا الوطني , وأهدافنا العادلة , ولذلك فانه يتوجب علينا أن نعيد تركيب المشهد , وصياغة أولوياته , بحيث نعود في نظر الآخرين أصدقاء وأعداء على حد سواء , شعبا له قضية وحقوق وأهداف , وليس استمرار السجال والتناحر على المصالح , والحضور في لحظة عارضة بلا أفق , إننا نرى اشد الأعداء حولنا يتحاورون , لذا لماذا هذا الهروب من الحوار ؟
ولماذا هذا الخوف الذي يصل إلى حد الشعور بالرعب من الحوار.
إعادة تركيب المشهد معناه إعادة الاعتبار لشرعياتنا الوطنية , ولأجندتنا الوطنية , ومعناه الاتفاق على ما يجب أن نفعله حتى في الوقت الضائع والذي قد يطول , ومعناه أننا شعب ولدينا حقوق نريد الحصول عليها من مغتصبها وهو الاحتلال الإسرائيلي وليست المكاسب الوهمية والمتوهمة من بعضنا , التي نواصل بسببها شن الغارات الداخلية والتي تدمر كل شيء ,
فهل يمكن أن نستعيد الوعي ونعيد تركيب المشهد على هذا النحو .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز