الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازمة الديمقراطية في بلاد الغرب

نبيل يعقوب

2008 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بدأت العطلة البرلمانية في المانيا والتي تسميها الصحافة ثقب او حفرة الصيف والتي تشبه عطلة للسياسة تكاد تغيب فيها عن شاشة التليفزيون المبارزات السياسية بين الحكومة والمعارضة، وبين كل حزب وحزب آخر.
قادة الحكم سافروا للاجازة تاركين خلفهم كوما من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تثير احتجاجات واسعة من الطبقات الشعبية والطبقة المتوسطة، ومنها مشاكل الاسعار، خاصة اسعار مواد الطاقة والمواد الغذائية، ومشكلة الاعداد الكبيرة من صغار المستثمرين الذين فقدوا جزءا من مدخراتهم بسبب ان البنوك الالمانية التي ائتمنوها على اموالهم ضاربت بها في بيوت الائتمان العقاري الامريكية التي انهارت. وتمثل السياسات الاقتصادية الاجتماعية قضايا الخلاف الهامة التي تكاد تجمد عمل الحكومة الائتلافية المشكلة من احزاب المحافظين وحزب الديمقراطية الاجتماعية، والاحزاب الكبيرة المتنافسة رغم تشكيلها لحكومة ائتلافية اعتادت في سنة الحكم الاخيرة من ولايتها ان تؤجل التوصل لحلول للمشاكل هي بطبيعتها مساومات، حتى تحتفظ بالخلافات السياسية الفارقة كذخيرة تطلقها في المعارك الانتخابية القادمة واهمها انتخابات البرلمان الاتحادي (البوندستاج) في خريف سنة 2009.

هل ولى عهد نموذج الديمقراطية ؟

في هذه العطلة جائت صحيفة دي فيلت المحافظة بمفاجأة اذ نشرت مقالا مثيرا بمحتواه وبعنوانه "الديمقراطية نموذج ولى عهده"، مقال يعترف ليس بوجود هذه المشكلة او تلك بل بان النظام السياسي في ازمة. ويفتتح المقال بالقول ان "عدد الالمان المقتنعين بالديمقراطية يتناقص باستمرار. من أو ما الذي يستطيع انقاذها؟"
بداية .. الذي يقلق الكاتب ليس السخط والاحتجاج المتواصل لفئات شعبية واسعة ضد الممارسات السياسية التي تفصح كل يوم عن البون الشاسع بين الكلام والافعال، بل ما دفعه لان يدق ناقوس الخطر هو أن السخط والاحتجاج وصل للفئات الوسطى في المجتمع والتي يعتبرها الفكر السياسي السائد الدعامة الاساسية للسلم الاجتماعي وللحفاظ على النظام السياسي. ويقول: "منذ ان وصل التناغم بين آثار العولمة، وزيادة اسعار الطاقة، وغياب القدرة السياسة الخلاقة على الفعل، لان يجعل الفئات الوسطى تشعر بالانجراف الي الهاوية بدأت تنتشر ايضا في مركز المجتمع الشكوك في قدرة النظام على العمل"
هذه الرؤية التي نجدها عند العديد من المفكرين السياسيين تستند الي ظواهر ترسخت في الحياة السياسية الالمانية وفي غيرها من بلدان اوروبا.
من هذه الظواهر انصراف نسبة تقترب من 40 الي 50 بالمائة ممن يملكون حق الانتخاب عن الادلاء باصواتهم. وهو واقع يطرح التساؤل حول مدى اهلية البرلمانات لتمثيل الشعب كله.
ثمة ايضا ظاهرة الناخب المتجول. انتهى زمن الناخب الذي يدعم حزبا بعينه بناء على اقتناعه ببرنامجه وسياسته. وكما تشهد كل الانتخابات التي جرت في العقد المنصرم يفاجئ الديمقراطيون الاجتماعيون او المحافظون على سبيل المثال بانهم يخسرون في دوائرهم التقليدية. ولم تعد اغلبية العمال تصوت لا للديمقراطيين الاجتماعيين ولا لحزب يساري فيمكن ان تذهب اصواتها للمحافظين. ونفس المصير قد يلقاه المحافظون حين يكتشفوا انهم خسروا اصوات ذهبت لليسار. وظاهرة الناخب المتجول نتاج مباشر للمارسة السياسية للاحزاب التي اعتادت الفوز بالحكم، فقد توقفت هذه الاحزاب الكبيرة عن ان تكون حاملا لنموذج متميز للمجتمع وفي العادة تنتهي صلاحية برامج الاحزاب ووعودها الانتخابية بمجرد اعلان نتيجة الانتخابات. المثال الصارخ كان انقلاب الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحليفه حزب الخضر على ما اعلناه من مبادئ وبرامج لحكمهم بمجرد وصولهم للحكم في اكتوبر 1998. وكانت صدمة لملايين الناخبين ان تتخلى الديمقراطية الاجتماعية عن تقاليدها وتجرؤ على اكبر تحويل نيوليبرالي للمجتمع، الامر الذي لم يجرء عليه المحافظون في عهود آخرها عهد المستشار هيلموت كول. والخضر نشأوا كحزب للدفاع عن السلام والبيئة وكانت اول انجازاتهم بعد المشاركة في الحكم 1998 ان القوا بمبادئهم عرض الحائط وشاركوا في قرار الحرب ضد يوغسلافيا.
كما تحولت الاحزاب الكبيرة من قنوات تمكن جماهير اعضاءها والمتعاطفين معها من المشاركة السياسية في شئون المجتمع لتصبح ماكينات انتخابية تكاد لا تتصل بالجماهير الا خلال التحضير للانتخابت. وتمكن منها الفهم البرجوازي للديمقراطية والذي ينحصر الى حد بعيد في مبدأ "اكسب الانتخابات ثم افعل ما شئت!"

مقال دي فيلت لا يلبث ان يناقض نفسه حيث نفهم من المقال ذاته ان انتقاد اغلبية الالمان ليس للديمقراطية كنظام يضع القرار في يد الشعب بل للممارسة التي تحد من المشاركة الشعبية. الذي ولى عهده حقا هو التطبيق الناقص للديمقراطية والذي يحول دون مشاركة الشعب الفعلية في القرارات ذات الاهمية الاستراتيجية ورقابته على ماكينة الحكم.

لماذا تنصرف الجماهير عن المشاركة في الانتخابات

نعم، لماذا تنصرف الجماهير عن المشاركة في الانتخابات العامة والمحلية في بلد يضمن حرية التعبير ويقيم انتخابات لا يشوب اجراءها تزوير وبذا يحقق شروطا اساسية للديمقراطية؟ الاجابة تقدمها حياة الملايين من الناس الذين يعملون بنشاط وانتاجية عالية ثم يجدون ان اجورهم الحقيقية (القوة الشرائية) تنخفض بسبب العبئ الضريبي والتضخم، ثم يتهددهم الفقر في سن الشيخوخة بسبب تآكل الحقوق الاجتماعية. هذا في الوقت الذي تقدم فيه هدايا ضريبية للاثرياء تقدر بعشرات مليارات اليورو. ولكن ليست كل اسباب السخط مادية، فالعناصر السياسية والمعنوية للسخط تؤدي ربما بشكل اسرع للاحتجاج بالاعتكاف السياسي.
مثال واحد: صعود نفوذ اتحادات اصحاب الاعمال مقابل تضاؤل نفوذ النقابات يعبر عن المدى البعيد لتقلص المشاركة الشعبية في المجتمع. استاذ العلوم السياسية والفيلسوف السويسري اورس مارتي مؤلف كتاب "الديمقراطية- الوعد الذي لم يتحقق" يتحدث عن ظاهرة نقل سلطة القرار من الهيئات التشريعية الي السلطة التنفيذية، ويقول نستطيع ان نتحدث عن الديمقراطية عندما يتمكن كل الناس والذين تخاطبهم هذه القوانين من ان يشاركوا، من خلال آليات مناسبة في صياغة هذه القوانين. مقال دي فيلت يصل للقول "ان مستقبل الديمقراطية الغربية، ان كان لها مستقبل، يكمن في زيادة المشاركة المجتمعية والاشتراك في صياغة القرارات".

صحيح وهام.. ولكنه غير كاف

تتسم الكثير من الكتابات الناقدة للنظام السياسي بعجزها عن مد الرؤية لما يتجاوز المجتمع البرجوازي. فلا الراسمالية ولا ما انتجته من نظام سياسي ولا اي تصور عن الديمقراطية يمكن ان يكونوا نهاية للتاريخ. ولا يمكن ان تلبي الديمقراطية ما ينتظره المجتمع منها كاداة لتفجير طاقات الانسان وازاحة ما يعوق تحقق سيادة الشعب ان انحصرت فقط في حدود الحريات على اهميتها البالغة.
الجدار الحاجب للرؤية في تشخيص امراض النظام السياسي هو تحريم الكشف عن علاقات الملكية واثرها الحاسم على صياغة النظام السياسي. والمقصود هنا بالتحديد ان الديمقراطية في المانيا وكل البلدان تتقلص بانحسار قاعدتها المادية التي تتمثل في ان تملك الهيئات المنتخبة الممثلة للشعب القرار في شأن قطاع هام تمثلة ملكية الدولة والولايات والمحليات. وهذا لا يعني اقامة الاشتراكية.
هجوم النيوليبرالية على ملكية الدولة والمقاطعات والولايات والذي يؤدي كما نرى الي خصخصة المساكن المملوكة للحكم المحلي في المدن، والتي كانت تضمن ايجارات مستقرة لنسبة كبيرة من سكان المدن لشركات امريكية، وبيع منشئات تكرير المياه، وانتاج الطاقة وشبكات توزيعها، وبقية منشئات القاعدة الارتكازية، يفقد الديمقراطية البرلمانية، وبالتالي المشاركة الشعبية، القدرة على الصياغة المباشرة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والرقابة عليها. سياسة الخصخصة تنتهي لان تجعل الديمقراطية شعارا ووعدا لا يمكن تحقيقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر