الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب المجموعات الغنائية العصرية السوسية..فكر،تاريخ وفن- تقديم الكتاب

أحمد الخنبوبي

2008 / 8 / 6
الادب والفن


عندما انتهيت من مراجعة هذا المؤلف طلب مني المؤلف أن أضع له تقديما ، فارتأيت وضع تقديم عام وشمولي يتناول الظاهرة الفنية و الموسيقية بالخصوص في جانبها النظري و الفكري .و ذلك لتسليط بعض الضوء على هذه الظاهرة الغامضة و المعقدة، و ثانيا لإغناء الكتاب في هذا الجانب . فالفن Art كما يعرفه ألالاند Alalande في معجمه الفلسفي كل إنتاج للجمال ينجزه كائن واع أو متصف بالشعور ، ومن خلال هذا التعريف نحتفظ بالإنسان و نسقط غيره ، فهو خاصية إنسانية بامتياز ، يتأثر بما يتأثر به هذا الأخير ، فهو (الفن) مرآة تعكس ما يختلج في النفس الإنسانية من أحاسيس و مشاعر عاطفية و من رغبات و حاجات نفسية ، وكذا من أفكار و تصورات عقلية .من هنا تظهر لنا أهميته و قوته ، لذا فهو يستحق الكثير من عناء التفكير و التأمل و البحث و الدراسة من أجل سبر أغواره واستكشاف كنوزه ، مما سيسمح لنا فهم الكائن الإنساني و حاجياته بشكل أفضل و أدق كيفما كانت وأينما كان لتحقيق مزيدا من الرقي و الإستقرار سواء على المستوى الفردي أو الجماعي .

وسأقوم بالتركيز في هذا التقديم على خمسة محاور أساسية لها علاقة وطيدة بالموسيقى Musique و الفن عموما ، كما يتجلى ذلك خصوصا في هذا الكتاب ، وهي كالتالي : - الموسيقى كإرادة للحياة ، والموسيقى بين التقليد والإبداع ، الموسيقى بين المحلية و العالمية ، الموسيقى كلسان للطبيعة و أخيرا الموسيقى و الظاهرة الدينية.

الموسيقى كإرادة للحياة :

أتاني فجأة هذا العنوان عندما طرحت السؤال التالي : هل يمكننا تصور حياة حقيقية بدون فن ؟ و أثناء البحث و التفكير في هذا السؤال توصلت إلى النتيجة التالية :وهي أن الفن و الإنسان كانا توأمان لا ينفصلان أو يفترقان منذ الأزل إلى اليوم ، فقد كان ( الفن) رفيقا للإنسان منذ تجربته الأولى في هذا الوجود ولم يزل، وذلك لتلبيته لعدة وظائف أساسية في حياته ، فهو ( الفن) وسيلة لدى الإنسان البدائي لمواجهة مختلف التحديات و الصعوبات التي تضعها الطبيعة أمامه ، فهو سلاح فعال أو أداة سحرية في صراعه ( الإنسان) من أجل البقاء و الصمود و الاستمرار في هذا الوجود ، و لهذا يمكننا القول مع أ- فيشر A.Fisher بان " الوظيفة الأساسية للفن منح الإنسان القوة لموجهة الواقع أو الطبيعة او العدو أو لدعم الجماعة الإنسانية...".

أما في العصر الحديث فيعتبر الفن و الموسيقى خصوصا – في رأي – ألطف و أنجع سلاح للاحتجاج و التمرد و مواجهة مختلف التحديات و العراقيل التي تواجه الإنسان المعاصر ، وتقف حاجزا أمام حريته و تقدمه نحو السلم والرقي ..فما من فنان حقيقي يرضيه ما يسود عالم اليوم من حيف و استبداد و استغلال و انهيار للقيم الإنسانية ...فلهذا دائما معه في صراع لا تنتهي فصوله ، فليس هناك فنان يتحمل الواقع كما قال ف. نيتشه F.Nietzshe ، فهو يسعى إلى الظفر بالحياة الحقيقية و إعادة الاعتبار للإنسان كما هو . و بالتالي فالحياة و الفن وجهان لعملة واحدة ، فالفن هو الحياة و الحياة هي الفن ، أو كما جيو Guyau الفن هو الحياة مركزة Concentré ، والفنان يقوم بإعادة صنع العالم أ.كامو A. camus ، كما يحلم به ويرده ، فالفن أذن محرك الوجود وروحه ، و لا يمكننا تصور حياة بدونه ، وخير تعبير عن ذلك قولة نيتشه Nietzshe الشهيرة " الحياة بدون موسيقى خطأ".

الموسيقى بين التقليد و الإبداع :

قضت سنة التقدم و التطور و نواميسه أن يعتمد دائما اللاحق على إرث السابق في جميع الإبداعات و الإبتكارات الإنسانية سواء المادية منها أو المعنوية . و الفن بإعتباره تجربة إنسانية رائدة و متميزة لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نستثنيه من هذه القاعدة ، لأن من لا يقلد قلما يبتكر كما يقال ، فالتقليد ليس عيبا أو نقصا كما يظن البعض ، فليس هناك شيء يأتي من لا شيء أو لا شيء يصير شيء ، فالإبداع الحقيقي هو شيء تمت إعادة صياغته و تحويره بطريقة جديدة و خلاقة و مميزة . فنجد دائما الشخصية ( الفنية أو غيرها ) المبدعة تستلهم من إبداعات السابقين أو المعاصرين - كانوا محليين أو من أجناس و ثقافات أخرى - فنضيف أو ننقص بما لا يلائم طبيعتها النفسية و توجهاتها الفكرية و بيئتها الإجتماعية ، فتكون بذلك رصيدا فنيا و فكريا يستلهم منه الأجيال اللاحقة و ذاكرة ثقافية و معرفية غنية و متميزة عن الفنان و مجتمعه و عصره .

الموسيقى بين المحلية و العالمية :

سبق و أن أشرنا أن الإنتاجات و الإبداعات الإنسانية المختلفة تتبادلان التأثير و التأثر و كذا التفاعل و الإنسجام فيما بينها ، رغم ما يوجد من تباين و اختلاف في الشخصية و البيئة المنتجة لها ، فهناك دائما وحدة وراء التعدد و الاختلاف ، لأنها تنبعث من أصل واحد وهو الإنسان . و الفن بما هو كذلك ، يعتبر من أكثر الأسلحة فتكا بالحواجز و الفوارق بين الأفراد و الشعوب ، وهذا ما يؤكده الروائي الروسي الكبير ليو تولستوي L.Tolstoi عندما قال " أن ميزة الفن محو كل الفواصل و الحواجز بين الناس "، فهو دائما يعمل على توحيدهم و صهرهم في بوتقته العجيبة . حتى و لو كان أثر البيئة يطبع العمل أو الإنتاج بطابع خاص وواضح – لأن الإنسان ابن بيئته كما يقال ، و الفنان كذلك إنسان - إلا أن هذه المحلية أو الأصالة لا تعني التوحش و العزلة و الانغلاق بل تعني تقديم نموذج أو صياغة مثال أو انتزاع الإعجاب ....فالبيئة هي التي تأتي بالفن أو تذهب به إلى حد تعبير هـ. تين H . Taine ، ورغم ذلك فالفن يبقى عموما في صميمه ظاهرة إنسانية نبعت من أمل فردي لتتوجه إلى الجميع ، أو كما يقول ريبو Ribot " الفن يبدأ من الفرد ليعود إلى الفرد " أيا كان و أين كان هذا الفرد . فالفن (الموسيقى ) يبقى لغة الإنسانية جمعاء .

الموسيقى كلسان للطبيعة :

يعرف بعض المفكرين و الباحثين ( أريسطو ، ستروس ، ابن منظور) الطبيعةla nature بأنها مجموعة من الصفات و الغرائز الوراثية في الإنسان ، و يعرفها أ . كانط E.Kante بأنها وجود أشياء من حيث هو وجود يتحدد بقوانين كونية وابدية ، أي كل الواقع المادي المحيط بنا و الخارج عن إبداعنا ، إذن هناك معنيين مختلفين للطبيعة الأولى تكمن داخل الإنسان و الثانية تحيط به ، لكن رغم هذا الاختلاف الواضح نجد انسجام و تفاعل بينهما ، و يتجلى ذلك خصوصا في الميدان الفني ، فقد اعتبر كل من أرسطو Aristote ومن بعده الفارابي الفن كمحاكاة للطبيعة ، ويرى ف.هيجل F.Hegel أن أعظم فضل للفن هو الإقتراب في إبداعاته من الجمال الطبيعي .
ففي أوروبا القرن الثامن عشر ، وصلت النزعة الطبيعية أوجها لدى الرومانسيين Romantiques كرد فعل على النزعات المادية و العقلية الجارفة التي سادت المجتمع ، لرد الاعتبار لنزعة الروح و الوجدان ، فقد دعا ج.ج.روسو J.J.Rosseau للعودة إلى حالة الطبيعة لتحقيق السعادة و السلم الاجتماعيين ، كما دعا أيضا روسكن Rouskin مريده إلى عبادة الطبيعة وتقديسها ، فالفنان يرى في الطبيعة ملهمته وينبوع إنتاجه ، فيشاهد فيها كل ما هو جميل وأصيل ، فعيناه (الحاذقتان) تقرآن في كتابها ( المملوء بالرموز و الطلاسم ) ما يكمن وراءها من حقيقة باطنة أ. رودان A.Rodin،ومن ينصت إلى صوت الطبيعة يسمع مختلف الألحان و الأنغام ، فأذن الفنان ( الموسيقي خاصة ) وحدها تستطيع أن تلتقط هذه الألحان و الأنغام ووضعها في ترتيب مفصل متناسق و جميل يجعل هذه البلبلة الطبيعية سمفونية موسيقية رائعة يرضى عنها العقل و الروح .

الموسيقى و الظاهرة الدينية :

عندما كنت أبحث و أفكر في الظاهرة الفنية و جدت نفسي فجأة أمام الظاهرة الدينية ، فلاحظت أن هناك خيطا رفيعا يربط بين هاتين الظاهرتين المتميزتين بعلاقة حميمة و قوية لا تقبل الانفصام أو التفرقة ، فطرحت السؤال التالي : ما الذي يربط بين هاتين الظاهرتين ؟ و متى و كيف و لماذا ؟.يؤكد بعض المؤرخين أن الفن ظهر تاريخيا مع ظهور و نشوء الأديان ، ويستدلون على ذلك بتلك الرقصات و الأناشيد التي ترافق الطقوس الدينية ، وكذا الزخارف و الرسوم و التماثيل التي تزين بها المعابد.أما عند اليونان القديم فنجد الموسيقى كواحدة من أهم الكنوز إرتباطا بالتصوف كتجربة دينية مميزة ، ففيتاغوراس كأحد المؤسسين للدراسات الموسيقية يؤسس في نفس الوقت فرقة دينية وفلسفية ، ويرى الفيتاغوريين المتأخرين ، الموسيقى كصوت ينبعث فعلا من السماء و بصفة عامة فالموسيقى تحضى بمكانة عظيمة لدى اليونان لإعتقادهم الراسخ بأنها تمتلك قدرة كبيرة على تقريب الإنسان من الحقيقة النهائية .

أما في الفقه و الفكر الإسلامي ، فليس هناك نص شرعي واضح يمنع الموسيقى أو الفن عموما ويدعو له ، لهذا نجد اختلاف و تذبذب في المواقف و الآراء بين الفقهاء و المتكلمين ، فهناك فريق يعتبره حلالا مباحا و آخر يراه فسقا و فجورا يجب محاربته ، و فريق ثالث يقف في المنزلة بين المنزلتين، ويرى المستشار محمد سعيد العشماوي أنه لا ينبغي لنا النظر إلى الفن بمعيار الحلال و الحرام ، و التاريخ الحديث يحدثنا عن بعض مشايخ الأزهر الذين تعلموا الموسيقى و تحولوا إلى ملحنين و فنانين كالشيخ درويش الحريري و الشيخ زكريا أحمد ...

وفي التجربة الصوفية خير دليل على ارتباط الموسيقى بالدين ، فنجد المتصوفة ينشدون و يرقصون و كما قال شيخهم الأكبر جلال الدين الرومي " أرقص ترقص لك الأشياء " وقد يستعينون ببعض الآلات الموسيقية .أما في التجربة الصوفية الغربية الحديثة فنجد أ.شو بنهور A.Shopenhauer يؤكد أن الفن هو أداة معرفة و عرفان ، ويرى أن السمفونية السديدة قد تشكل نسخة ميتافيزيقية للوجود . وعند هـ . برجسون H. Bergson الذي وصل معه مفهوم الفن قمة الصوفية ، فينظر إليه على أنه عينا الميتافيزيقية ، فالفن عنده حدس يستولى على الذات العارفة .

فالفن كما الدين يحقق وظيفتين أساسيتين – في رأي – لدى الإنسان تمكناه من الصمود و الاستمرار في هذا الوجود ، الأولى نفسية و سيكولوجيا و الثانية اجتماعية سوسيولوجيا ، فحسب س. فرويد S.Freudفإن الفن هو مجال لتصريف الرغبات المكبوتة ، فيحدث أن" يصل إنسان تحرقه الرغبات إلى شيء يشبه الإشباع و قد تولد هذه اللعبة بفضل الوهم الفني تأثيرا يبدو كما لو كان حقيقيا " الطوطم والتابو .
أما إيران Irain فيرى" أن جمال الرقص بحركاته و إيقاعاته العنيفة من الأصوات المدوية للكلمات و الأغاني ...يخلق إحساسا بالقوة الخارقة والقدرة عل تحقيق المعجزات .." وبذلك يحقق الإنسان نوع من التوافق و التوازن و تخف عنده حدة الصراع و التوتر مع العالم و نفسه .

أما الوظيفة الثانية كما أشرنا فيما سبق ، فحسب أ .فيشر A.Fisher ف " الوظيفة الأساسية للفن هي منح القوة ..أو دعم الجماعة الإنسانية ..." فله قدرة كبير على التأثير في الجماعة و توحيدها و توجهها والتحكم فيها أكثر من شيء آخر ، وهذا ما يتبثه الواقع الفعلي ، فمن خلال( الفن) و به نحس بأعمق ضروب الحياة الفردية و الجماعية .
هذا بإختصار بعض الخطوط العريضة التي حاولنا ملامستها في هذا المجال ، فالموضوع شاسع ومعقد يستعصي على الإحاطة و الشمول ، ولذا سيبقى دائما لغزا محيرا و كنزا مطلسما يستحوذ على عقل ووجدان الإنسان في كل الأزمنة و الأمكنة .
فرغم ما نسمعه اليوم عن موت الفن / الفنان و موت الثقافة / المثقفين ، وهيمنة ثقافة السلعة و نزعة التشيؤ Chosification وقيم العولمة Mondialisation ، فإن على الفنان كما المثقف اليوم أكثر من أي وقت مضى أن لا يتنازل عن دوره و أن يواجه بحزم خطر التهميش و الإقصاء و أن يرفض كل أساليب المهادنة و التسوية أو المصالحة مع عالم يقتل و يستأصل كل ما هو إنساني في الإنسان .
حسن معتصم
ئيفران في 10/02/2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بسبب دهس سيدتين


.. كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال




.. هنا صدم الفنان عباس ا?بو الحسن سيدتين بسيارته في الشيخ زايد


.. إيران تجري تحقيقا في تحطم المروحية.. وتركيا تتحدث عن رواية ج




.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ