الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات اولية بشأن الفيدرالية في العراق!

نزار عبدلله

2004 / 2 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


المركزية واللامركزية في العراق
حكم العراق نظام سياسي مركزي توتاليتاري لعقود من الزمن ولاشك بان تغيره الآن يعد ضرورة سياسية من ضرورات بناء المجتمع العراقي الجديد. ان تبني النظام المركزي الشمولي في النصف الثاني من القرن المنصرم في العراق كان استجابة لضرورات بناء النظام الرأسمالي في العراق وترسيخ علاقات انتاجه في عموم البلد. لقد تطلب هذا الامر تدخلا مركزيا واحيانا شبه مطلق لازاحة العراقيل التي كانت تقف بوجه تطور قوى الانتاج الراسمالي وعلاقاتها بدءا من القضاء على العلاقات الاقطاعية والبدوية والعشائرية القديمة وصولا الى خلق بنية تحتية مناسبة للاستثمار الرأسمالي. ان بناء المدن الكبيرة وبناء السدود والجسور و والتبليط وتأسيس محطات الكهرباء وتوظيف رؤوس الاموال في بناء المصانع والمعامل الاساسية وخلق سوق داخلية مرتبطة بشكل او باخر مع السوق العالمي وتقديم الخدمات الاساسية الاجتماعية التي كانت تتطلبها الحياة المدنية العصرية والحضرية كما ان القضاء على التوترات السياسية التي كانت تولدها تناقضات تلك العملية، ان كل ذلك وغيرها من العوامل كان وراء تدخل الدولة الصارم في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتبني النظام المركزي الشمولي. فقد استطاعت البرجوازية العراقية اسوة بغيرها من برجوازيات الشرق الاوسط، عبر هذا النظام ان تقف على قدميها وتزيل جميع العراقيل التي كانت تتصدى لسلطتها الاقتصادية والسياسية.
وما ان انتهت هذه العملية كان من الضروري، من وجهة نظر مصالح الطبقة المالكة الناشئة أي البرجوازية، الحد من النزعة المركزية والتوسع في تبني اللامركزية في عموم البلد، واحداث آليات سياسية وادارية جديدة لحفز نمو وتراكم الرأسمال وتقوية بنيته على الاصعدة المختلفة. الا ان النزعة المركزية قد اتجهت مع بداية العقد السبعيني في القرن المنصرم وسيطرة حزب البعث بالكامل على السلطة الى التشدد الى درجة وصلت الى بناء نظام حكم مركزي مطلق في نهاية المطاف. ولابسعني ان اتطرق الى هذا الموضوع واشخص اسبابه ودوافعه بهذه العجالة.
عقب انهيار النظام السياسي-الاداري القديم : مالبديل ؟
بما ان المجتمع العراقي منقسم الى طبقات اجتماعية مختلفة تتعارض وتتضارب مصالحها فان الحديث عن بديل الشعب العراقي عموما دون ذكر بديل هذا الطبقة او تلك هي محض هراء وغايته التضليل ليس الا.
فان كان تغير النظام المركزي القديم ضرورة من وجهة نظر البرجوازية كطبقة مالكة في العراق عليه فهي تحاول بشتى الوسائل ان تستجيب له وتخلق نظاما جديدا يلائم مصالحها ويؤمن مشاركتها في السلطة السياسية ويصون هيمنتها الاقتصادية. لاشك بان الامبريالية الامريكية في الوقت الذي تدعي بانها تحاول مساعدة الطبقة البرجوازية العراقية في الوصول الى مبتغاها والقضاء على النظام المركزي التوتاليتاري القديم والعفن وبناء نظام ديمقراطي برجوازي الا انها تفعل ذلك وفقا لمصالحها الخاصة التي تتعارض بوضوح واحيانا بجلاء مع مصلحة البرجوازية العراقية الانية والمقبلة. فامريكا لاتريد طبقة مالكة في العراق تنافس مصالحها ومطامحها او تسعى الى نوع من الاستقلالية السياسية والاقتصادية في قراراتها وهيمنتها بل تريد ان تسيطر على ارادتها وآلية تحركها وتشدها بعجلة تحركها في العراق والمنطقة.
ورغم الاختلاف في المواقف بين هذه القوى فجل مايسعون اليه الرأسماليين والبرجوازيين في العراق والاحزاب البرجوازية الدينية والقومية المالكة التي اضحت فطورا نمت على انقاض النظام البعثي البائد وتعتاش من بقاياه هو قيام نظام سياسي اداري جديد يؤمن لهم مصالحهم ويكرس هيمنتهم الحالية والمقبلة على رقاب الشعب العراقي الكادح، وما على الشعب العراقي في افضل الاحوال الا ان يدخل الساحة السياسية الانتخابية كل اربع سنوات ليدلى بصوته لهذا الحزب او ذاك ويزين ويبرقش ديمقراطيتهم البرجوازية المزيفة.
الا ان الطبقة العاملة وعموم الكادحين والمستغَلين ايضا لايريدون النظام المركزي القديم الذي كان يقوم على تغييب كامل لارادتهم ومشاركتهم في ترسيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد. فقد كانت الدولة المركزية والوزارات والدوائر الدواوينية والبيروقرطية للمحافظات تدير كل شيء من القمة الى القاعدة دون الرجوع الى صوت ورأي الشعب العراقي في ذلك، فالشعب العراقي كان عليه البيعة فقط للرئيس الدكتاتوري وعليه ان يدلي بصوته في انتخابات شكلية ومزيفة للمجلس الوطني، المجلس الذي كان القاصي والداني على دراية تامة بمدى زيفه وبطلانه وبكارتونيته.
ولكن الطبقة العاملة بعكس البرجوازية التي تريد بناء نظام بيروقراطي يرتكز على المؤسسات القمعية والبوليسية والقمعية ويعلو فوق ارادة الشعب تطمح الى بناء نظام سياسي واداري جديد يستند على ارادة الشعب العراقي عموما وعلى صوته ومشاركته وانتخابه، يريد قلب النظام البائد القديم وبناء نظام جديد مبني من القاعدة الى القمة. فعندما قامت الطبقة العاملة بريادة احزابها الشيوعية والاشتراكية في باريس وروسيا والمانيا وغيرها من البلدان  بالثورات سعت الى بناء نظام سياسي يستند على الانتخابات المباشرة للعمال والكادحين والجنود وعموم المستغَلين ويؤمن مشاركتهم السياسية التامة في ادارة البلد، فقد اثبتت تلك التجارب بان مجالس المدن التي شكلوها العمال والكادحين ومؤتمر تلك المجالس المركزي هي البديل الوحيد والاساسي لبناء نظام يستند على الديموقراطية المباشرة.
فرغم ان الطبقة العاملة والكادحة لم تكن لها دورفي اسقاط النظام البعثي البائد فان هذا لايعني بانها تقف مكتوفة الايدي حيال مايجري على الساحة السياسية لترسيم ملامح نظام جديد. ان عليها ان تسعى الى خلق نظام يستند على الديمقراطية المباشرة  ويتأسس من المجالس العمالية والشعبية في المدن كافة. وعليها طرح هذا البديل والعمل على خلق ارضية مناسبة ليقبل الشعب العراقي به.
الفيدرالية كنظام سياسي مقبل في العراق
طرحت الادارة الامريكية الفيدرالية ليحل محل النظام السياسي-الاداري القديم. الا ان الخلافات تحتد في مجلس الخكم الانتقالي بصدد شكل ومضمون الفيدرالية ولم تتفق الاطراف السياسية الداخلة في المجلس عليها نظرا لتعارض مصالحها وتباين ولائاتها وتنوع انحداراتها.
من الناحية الادارية فان الفيدرالية ليست بالشيطان الذي يصوره البعض، فهذا النظام يستند على المركزية واللامركزية في آن واحد، فالمسائل المركزية تبقى بيد الدولة المركزية ولايحق للمدن او الولايات الفيدرالية ان تنتهكها، كما لايحق للسلطة المركزية التدخل في امور تدخل في اختصاصات السلطات الفيدرالية. الا ان جوهر الامر هو تثبيت الحقوق الاساسية للشعب في القانون الاساسي أي الدستور بحيث تلتزم السلطات الفيدرالية والمركزية بروحه وتعمل بموجبه، وكذلك تشخيص مااذا كان توسيع الصلاحيات المركزية على حساب صلاحيات السلطات الفيدرالية انسب للبلد ام بخلافه.
ان المشكلة الاساسية لهذا الطرح لاتكمن في جانبها الاداري بل تكمن في جانبها السياسي والاجتماعي. فامريكا بمعونة الاحزاب المتعاونة معها في مجلس الحكم الانتقالي تسعى الى فرض بدائلها على الشعب العراقي دون اخذ رايه او حتى استشارته. فترسيم الملامح الاساسية للنظام المقبل من الناحية السياسية والادارية حق للشعب العراقي وحده لاغيره. الا ان الامر يجري بخلاف ذلك تماما حيث ان امريكا تمارس دورا قذرا بمعونة المتحالفين معها وبنفس الاساليب التي انتهجه النظام البعثي البائد لتغييب دور الشعب العراقي والقضاء على دوره وسلب ارادته. ولعل مسألة الفيدرالية خير دليل على ذلك. فهم يقومون باتفاقات، وصفقات ومقايضات معينة حول الطاولات المستديرة بصورة علنية او في الخفاء ليقرروا الفيدرالية للعراق، والشعب العراقي المغلوب على امره عليه ان ينتظر ويرى النتائج فقط او يقبل بالطبخة التي اعدت له من دوائر واشنطن ومجلس الحكم الانتقالي.
لاشك بان امريكا بحجة مناهضة النظام المركزي القديم تريد نظاما سياسيا واداريا ينخره الصراعات القومية والطائفية والمذهبية ويضيف بعدا جديدا عليها عبر اليات سياسية ودستورية خاصة، نظام هش ومنقسم وخاضع لايستطيع ان تم تكريسه ان يخرج من بيت الطاعة الامريكية او يسعى للحصول على استقلالية نسبية في اتخاذ قراراته والذود عن مصالحه ان تضارب مع المصالح الامريكية الستراتيجية.
وحيال هذا فان الشعب العراقي والطبقة العاملة والطبقات المسحوقة عليهم ان يرفضوا تماما تقسيم العراق على اساس طائفي وعرقي ويطالبوا بحقوق المواطنة المتساوية للجميع بغض النظر عن العرق والجنس والطائفة كما ويطالبوا بتثبيت هذا الحق في الدستور الجديد للحيلولة دون التطاول عليه.
وبما ان النظام المركزي القديم قد ولى فان اللامركزية مطالب بها ولعل خير وسيلة لتبنيها في الظرف الراهن هو عبر اللجوء الى المجالس البلدية والانتخابات البلدية واعطاء سلطات واسعة لتلك المجالس، فبواسطتها نحد من السلطة المركزية القديمة ونخطو تدريجيا لتوسع اللامركزية بحيث نلغي تماما قانون المحافظات القديم البيروقراطي ونحل محله السلطات البلدية المنتخبة. ان نظاما كهذا من شانه ابعاد شبح الطائفية في العراق والابتعاد عن الهواجس التي تثيرها مسالة الفيدرالية على اساس قومي او مذهبـي.
المسألة القومية الكردية والفيدرالية
اولا وقبل كل شي علينا الاعتراف بان الاضطهاد القومي البغيض على الشعب الكردي الذي مارسه النظام البعثي بافظع اشكاله، بحاجة الى حل سياسي وديمقراطي جذري، ان علينا القضاء على هذا الشكل من الاستغلال والاضطهاد ان اردنا ان نقضي بصورة تامة على كل اشكال الاضطهاد والظلم في العراق المقبل الجديد. ان السلطة المركزية القديمة فرضت على الشعب اللكردي بالقهر والقمع ارادتها وسلبت منه حقه في تقرير مصيره بنفسه وبررت كل ذلك بمررات قومية واهية وحجج مثل الحفاظ على وحدة التراب العراقي وغيره من المقولات التي ارادت من اطلاقها وترسيخها في الاذهان تجاهل حق الشعب الكردي في انهاء الظلم والاضطهاد القومي. 
وكما نؤكد كل مرة بان الشعب العراقي يجب ان يحدد مصيره بنفسه وليس من حق امريكا ان تقرر شكل ومحتوى الحكومة المقبلة بدلا عنه، كذلك علينا ايضا ان نقر بان الشعب الكردي ايضا له الحق التام في تقرير مصيره بنفسه بما فيها حق الانفصال وتشكيل دولة خاصة مستقلة. ولايحق لاي حزب الادعاء بان قرار الشعب الكردي بيده وهو يقرر بدلا عنه هذا الامر. والطريقة المثلى لاقرار الشعب المظلوم لحقه في تقرير مصيره كانت وماتزال هي اللجوء الى تنظيم استفتاء شعبي باشراف دولي نزيه بغية تقرير انهاء الظلم القومي.
لاشك بان الوقت قد حان لطرح حل جذري لهذه المسالة. وعقب سقوط النظام البعثي البائد فان هناك فرصة كبيرة ليحل التعايش السلمي محل الصراعات القومية والمذهبية، وليكون العراق خاليا من الاستغلال والتمييز والاضطهاد. لاشك بان تثبيت حق المواطنة المتساوية في الدستور يعد خطوة كبيرة بهذا الاتجاه وبعكسه فان العراق المقبل سيعاني كثيرا من جراء الانقسامات الطائفية والعرقية.
وحين يثبت في الدستور هذا الحق حينئذ بامكاننا ان نسأل وبكل شفافية الشعب الكردي في استفتاء شعبي: هل يقبل بان يعيش في عراق ديمقراطي كل المواطنون فيه سواسية امام القانون بغض النظر عن العرق والقوم والطائفة ام يختار طريق الانفصال وتشكيل دولته المستقلة؟ لاشك بان الجميع في هذه الحالة يدلون بارائهم بهذا الخصوص والاشتراكيين والشيوعيين لايخفون بانهم مع الاتحاد والتعايش السلمي وهم ضد الانفصال لما فيه ضرر لمصلحة الطبقة العاملة العراقية ككل، وايا كانت نتيجة الاستفتاء فانهم يحترمونه ويتعاملون بروح ديمقراطي مع ما آل اليه.
هذه هي الطريقة الصحيحة لطرح المسالة القومية الكردية وسبل حلها واي طرح آخر لها هي اما للتضليل اوالاتجار او اللعب بهذه القضية العادلة.
ان المشكلة الاساسية في التعامل مع هذه القضية تكمن في: اولاً/ ان الاحزاب القومية الكردية وعلى مر عدة عقود اغتصبت حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وبدلا ان تساعده على الاستنهاض بدوره وارادته وتفعيل دوره قامت بتاطير كل نضالاته حسب مصالحها وبرامجها المتمثلة في تحقيق مكاسب البرجوازية الكردية ومشاركتها في الحكم السياسي ونيلها امتيازات سياسية واقتصادية معينة. فها هي من جديد وبغية حصولها على مكاسب سياسية واقتصادية من امريكا ومن الدول المجاورة تنكر حق الشعب الكردي في تقرير مصيره بما فيه حق الانفصال وتشكيل دولة مستقلة وتطرح الفيدرالية التي لاتعبر عن طموحات هذا الشعب في انهاء الظلم القومي بصورة جذرية، وانها تلجا الى تعميق حالة الانقسام هذه بدلا من اتخاذ خطوات جادة لتجاوزه.
ثانياً/ ان صيغة الفيدرالية تعني في جانب اساسي من الموضوع التهرب من الاقرار بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه وتجاهله. فامريكافي الوقت الذي غير قادرة على انكار هذا الحق نظرا للنضال الطويل للشعب الكردي، الا انها تريد الالتفاف عليه وتتذرع بوحدة التراب العراقي ووحدة الاراضي العراقية في مسعى منها لتجاهل طرح المسالة بشكلها الصحيح نظرا لعدم قناعتها كقوة امبريالية بان يقرر الشعب العراقي والشعب الكردي او بقية الشعوب مصيرهم بانفسهم كما انها تريد من خلال طرح الفيدرالية وتبنيه تجنب الخوض في حل المسالة الكردية حلا جذريا بغية اللعب بالورقة الكردية لتحقيق غايتها في الاتيان بعراق طائفي عرقي هش عاجز عن التصدي لهيمنة امريكا في العراق، او بقصد اللعب بها في خضم الاوضاع السياسية الراهنة لتهديد الدول المجاورة.
وفي الوقت الذي يقولون بان الشعب الكردي يطالب بالفيدرالية القومية لانرى احدا من هذه الاطراف البرجوازية اخذت على نفسه العناء مسألة هذا الشعب، الذي عانى طويلا من الاضطهاد والقمع بسبب سياسات وممارسات النظام البعثي القديم، هل هو راض عما يجري وماهو في رايه سبل القضاء التام على الاضطهاد القومي البغيض وهل يرى بان الفيدرالية من شانها القضاء على الظلم والاضطهاد الذي رزح تحته؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس