الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطنٌ يُضيره العِتابُ ، لا الموت !

يحيى علوان

2008 / 8 / 7
حقوق الانسان


تَمهَّل ! يا وطن النعّام يهربُ من خَطوِنا ... فلديَّ كثيرٌ مما لم أَقُله بعد .. !
..بفضلكَ ، يا وطن ،أُصبتُ بلفظةِ "لاجيء"، هي لفظةٌ تسري في الشارعِ الألماني بسرعة
مثل عدوى !! فَتَروحُ تحتمي بمرجِعيّةِ الوطن.. هناكَ ، مقابل هنا ! كأَن تقولَ ، دون
وَعيٍ ،..كانَ لنا بيتٌ ، له شبابيكَ ، تُطِلُّ على حديقةٍ صغيرةٍ ... ما كنتَ تُتقِنُ الفرَحَ به،
مثلما تفعلُ بذكراه الآن... وإذا ما قُيِّضَ لك العودة ، لن تجده ..، قد تستردُّ شبهاً به ! هناكَ ، حيثُ أرخيتَ ظلَّكَ ، وكَسَّرتَ الخرافةَ... حتى رحَلتَ من نفسِكَ إلى ما ليسَ فيها....

ــ أَجبني ، قُل لي مُبرّراً للفرحِ بذكراك....!
أَتَذكُرُ عندما كُنتُ أَقطعُ المسافةَ من الكاظميةِ حتى الباب الشرقي مشياً ، لأن في جيبي عشرة فُلوس ، وبطاقةُ الباص كانت 15 فلساً ؟!!
ــ لماذا يَتَعَيَّنُ علَيَّ أن أَفرَحَ بذكراكَ ، يومَ كُنتُ أَلصِقُ وجهي على زجاجِ المحلاّت ،
تَعرِضُ أَحلى الملابِسَ ،وعليَّ أَن أَكتفي بما تتَقَيّأه " بالات اللنكات"!!
ــ أَتُريدني أن أفرَحَ لذكرى أَبي ، يُصابُ بكآبةٍ دوريةٍ ، نهايةَ كلِّ شهر ، مخافةَ أن يَطرُقَ
صاحبُ الدار مُطالباً بالإيجار ، لأننا لا نملكُ الدنانيرَ الأربع ...؟؟
ــ يا لكَ من ساديٍّ ! كيف لي أن أَفرَحَ ، عندما كان يتوَجَّبُ عليَّ أَن أشتَغِلَ خلالَ العُطلةِ
الصيفيّة بحفرِ المجاري بالمسحاة ، لأُوفِّرَ مصاريفَ دراستي الجامعيِّةِ ، أو حارساً لموادِّ البناء ليلاً ، في وقتٍ يحلو فيه السهر....كُنتُ أُوقِظُ الفَجرَ وأَسوقه أمامي ، في
ساحةِ الأمين ..! أَمشي كأني واحِدٌ غيري ... وأَعود إلى غرفةٍ السطوح بفندُقِ الأعيان
أَقلُّ حُزناً ..,؟!

* * *

يا رَديفَ سِدرَةِ جَدّي ، الآنَ أَقولُ لكَ أَنَّ من حُسنِ حظِّي إِخترتُ " السرابَ " لأحسِبَ خُطايَ ، ومن سوءِ حظِّي أَني إِختَرتُ بُستانَ الحرفِ ، القريبِ من الله ، حيثُ يَكتُبُ
السيفُ سيرةَ الأَشياء ...

لكنني سأخرجُ من "أَنا"ي إلى سوايَ ، وأَبحَثُ عن نفسي خارِجَ الأشياءِ ، بين سعادةٍ
تنوح ، وكآبةٍ تُكركِر..! علَّني أَتطامَنُ معَ نفسي بعيداً عن باعَةِ الذكرى ، مِمَّن لا يَمَلّون
من تقديمِ إعتذارٍ يوميٍّ رخيصٍ ، عن وعيهم وذاكرتهم... بل ، راحوا يُعَيَّروننا ، كي ننكتم ، بأَنَّ لدينا الآن ديمقراطيةً ، على عكسِ عهدٍ ولَّى!!

أيَّةُ مُقايسةٍ شوهاء ، هذي ، التي تريدُ لنا ، نحنُ المُغَيَّبين أن نعترِفَ بالحاضِرِ ... وأَن
نُقِرَّ بأننا لم نَحضَر إلاّ لكي نُغَيَّبَ ، ونمتَحِنَ قُدرَتَنا على الاعترافِ برفاهيَّةِ التخَلّي
بكَرَمٍ عن وجودِنا .....!

* * *

قِف ! رُحماكَ من هذا اللهاثِ ، يا وطن !
أَتَدري أَن ليسَ أمامكَ غيرَ حقولُ ريحٍ مُصفِرَة في الهاوية ؟! لماذا يُذعِرُكَ كلامي ؟ هو مجرّدُ كلامٍ ، ليسَ إلاّ !! أَيُضيرُكَ العتابُ ، ولا يُضيرُكَ الموت ؟!
كم أَنتَ نَرجسيٌّ إذاً !!

يا سيدي الوطن ! يَقهَرني المألوف ، حتى أَنَّ صديقي فولفغانغ إِعتادَ الأخبار... في البدايةِ ، كانَ وجهه يتَجَعَّدُ أَلَماً لِتَسابُقِ أرقام الضحايا ..... يقهرُني " المألوف " دونَ
أَن آلَفَهُ... فهل يَصبحً بمقدورِ الدمِ العراقيِّ دَحرَجَةَ صخورِ الثأرِ البَدَوِيَّ والعنصري ، ومُطارَدَة قِطعانِ الضميرِ الهاربة ... التي ما عادت تَصلُحُ إلاّ وجبةً للكلابِ السائبة ! وأضحى اللا عاديُّ عادياً ، ... وصارَ الحاضِرُ قادِراً على إنجابِ الماضي كُلَّ حين ...؟؟!!

آمَلُ ألاّ تُثيرُكَ الكنايةُ والمجاز ، سيدي !

ظِلالٌ مقطوعَةٌ عن شخوصها ، ظلالٌ هاربَةٌ في أَشباح ، تَتَزَيَّا بزيَّ الحُكام ، وأُخرى تُصدِرُ
فَتاوى ، وغيرها فَتَاوى مُضادّة ، ذئابٌ في قِنِّ الدجاج ، وأشباحٌ تشحذُ سيوفَها برقابَ الناس .. أَشباح . ظلالُ أشباح . أشباحٌ بلا ظلال. ظلالٌ بلا أشباح... لهمُ "الحمدُ والمجدُ !!"
مَن "بَشَّرونا !" بأنَّ أوّلَ صاروخٍ أمريكيٍّ على بغدادَ ، سيكونُ " البيان رقم 1 " ! لسقوطِ
الصنم !!

نعم ، سقَط ، غيرَ مأسوفٍ عليه ..!! وماذا بعد.. ؟! فهل هذا هو البديل ..؟؟!!

* * *

أَتَدري ، سيدي ، أَنَّ لبرميلِ النفط سعراً يعلو ، ويعلو .... وما من أحدٍ يحكي عن سعرِ
برميلِ الدم ..!! لا في السوق السوداء ، ولا في البيضاء ، ناهيكَ عن " الخضراء" !! بَل لا
يَنتبهُ أَحَدٌ إلى أَنَّ النفطَ ، أَحياناً ، على سطح الدمِ يطفو ! لكن ، لا هَمهَمَةَ في الفضاء ،
من المحيطِ ، الذي كانَ هادراً ، إلى الخليجِ الذي كانَ ثائراً ..كما إدعى نشيدٌ عروبيٌّ
مرَّةً ...!! فقد أَخذوا ، من دمنا ، كفايةً لما يؤمِّنُ النفط ، دونَ أَن يُعطونا من النفطِ ، ما يُؤَّمِّنُ دَمَنا ...!!
قِسمَةٌ ضيزى !!
فلا شيء يتطَلَّبُ العَجَلَةَ ..مَن ماتَ ، مات .. ومَن أُصيبَ سيموت ..ومَن لم يمُت سيموتُ على مهلٍ ، أو فُجأَةً ..دونَ أنينٍ مسموعٍ ، ودون معرفة القاتِل.... !!
كأنَّ هؤلاء البشرِ ليسوا بَشراً !!
لأنهم ، في نظرِ المحتَلِّ والتكفيري والميليشياوي والمُرتَزَقِ ، حفنةٌ زائدةٌ من شعبٍ
يتكاثَرُ دون مُوجبٍ ، إلاّ من فائض شَبقٍ مَرَضِيٍّ ... !!
وهم في نظرِ " الأصدقاء !" بطولةٌ ، ليسَ لها هَدَفٌ سِوى إِعادةِ إنتاج بطولتها ...
وهُم في نظرِ "الأشقاء" الأعداء ، منحرفون بسببِ ولائهم "الجنوني" لذاتهم ولترابهم
...مجَرّدُ لاعبين صغارٍ في لعبةٍ سياسيةٍ ، لا حَقَّ لأصحابها المشاركة فيها ...
خلالَ ذلك ، تَتَواصلُ عمليةُ خلط الثقافيِّ بالسياسيِّ ...إذ يُطَبّلونَ لحريةِ الرأي ، شريطةَ
أَن يكونَ رأيهم ، هُم..! وينتقدون الإرهابَ الفكريَّ ليُمارسونه ضِدَّ الآخرين ... يريدونكَ
أن تكونَ منهم أو من السلطة ليُصَفِّقوا لانحدارهم وسقوطهم فيكَ أنت ..!! فلا تَتَوَقّع
مِمَّن نسوا الربعَ بالأمس ، إرضاءً لتحالفٍ بائسٍ ، أنّهم سيُطالِبون بدمِ طفلٍ ، أو إمرأةٍ
أو شيخٍ ، سيسقُطُ في الدقائقِ الأخيرة قبلَ رحيلِ المحتل..!

* * *

تَسألُني يا سيِّدَ الماء والرمالِ والنخيل " ماذا لو أَنَّ نَرجِساً مَسَّ القمرَ ، فنَزَلَ من عليائه
يُقَبِّلُ صورته على وجه الماء ؟!"

سأقولُ لَكَ ، لستُ أدري.. ! حائرٌ أنا ، مثل محطّةِ قطار ، لا تَدري أَتُوَدِّعُ ، أم تستقبِلُ المسافرين ...! ... لكنني متأكِّدٌ من أَمرٍ واحد ، هو أَنني سأكتَفي بعلمٍ أَبيضَ ، عارياً
من كُلِّ لونٍ ورمزٍ يُجَعِّده .......!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | وكالة -إرنا- نقلاً عن مصادر ميدانية: فرق الإغاث


.. ناجون من الهولوكوست يتظاهرون في بريطانيا رفضا للعدوان الإسرا




.. رغم بدء تشغيل الرصيف العائم.. الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى


.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي




.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري