الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


451 فهرنهايت

كريم الهزاع

2008 / 8 / 7
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر


إذا كان السبب في انتقال المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي يعود إلى اكتشاف الآلة، فإن السبب في انتقال المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعلوماتية يعود إلى اكتشاف الكمبيوتر وما رافق ذلك من ثورة اتصالات. ولهذا يعزى الفضل في اندماج أركان المعمورة في قرية كونية، حسب التعبير الأثير لمارشال ماكلوهان.

في هذه القرية، يتواصل الناس جميعاً من خلال أجهزة الكمبيوتر الشخصية المتصل بعضها ببعض عبر شبكات عملاقة. وتعتبر شبكة الإنترنت هي أكبر هذه الشبكات وأهمها، ونحاول من خلال مقالة هذا العدد تقريب القارئ من آليات عمل هذه الشبكة ومجالات استخدامها.

لا يخفى على القارئ أن هدفنا من طرق هذا الموضوع المهم، هو لفت الأنظار إلى خطورة هذه القضية، والهوة التي باتت تفصلنا عن عصر المعلومات، وهو عالم السيطرة فيه لمن يملك المعلومة.. عالم يتسابق على الصدارة فيه عملاقان، أميركا واليابان، بينما يحاول«نصف عملاق» ثالث هو أوروبا اللحاق بهما.

أما العالم النامي، بما في ذلك عالمنا العربي بالطبع، فهو يعاني من الأمية المعلوماتية، ويجلس في صفوف المتفرجين «السلبيين» غير الفاعلين.

في رواية راي برادبوري «451 فهرنهايت» التي كتبت في مطلع الخمسينيات، بعد ظهور التلفزيون والكمبيوتر مباشرة، يتعلق الناس بشدة بالشاشات الإلكترونية ويكرهون القراءة، ويتهللون فرحاً عندما يحرق رجال الإطفاء الكتب. يفسر قائد قوات الإطفاء في الرواية ذلك بقوله: «إن الناس معبؤون ببيانات غير قابلة للاحتراق، وممتلئون إلى حد التخمة بالحقائق، الأمر الذي يشعرهم بأنهم عباقرة بما يملكون من معلومات. وبالتالي سيشعرون بأنهم يفكرون، وسينتابهم الإحساس بالحركة دون أن يتحركوا خطوة واحدة».

لم تعد رواية برادبوري تبدو وكأنها تدور في المستقبل البعيد. فبفضل النمو في قدرات الكمبيوتر، أخذ التلفزيون والكمبيوتر يندمجان في التيارات الرقمية للأصوات والصور والنصوص، الأمر الذي مكنه من أن يصبح عبقرياً فعلاً بفضل المعلومات.

من المستحيل معرفة إلى أين تأخذنا تكنولوجيا المعلومات. فقانون العواقب غير المتعمدة هو الذي يحكم كل الثورات التكنولوجية. ففي العام 1438، أراد يوهان جوتنبرج التوصل إلى طريقة أرخص لإنتاج نسخ من الإنجيل، غير أن اختراعه لحروف الطباعة المتحركة أدى إلى انتشار معرفة القراءة والكتابة، وتقدم المعرفة العلمية، وظهور الثورة الصناعية.

وعلى الرغم من أن أحداً لا يمكنه التنبؤ بمجمل تأثير ثورة المعلومات الراهنة، إلا أنه يمكننا أن نلمس التغييرات في حياتنا اليومية. وعندما ننظر إلى أي فصل في مدرسة، سنجد أن بعض مدرسي اليوم يدركون أنه يتعين عليهم أن يجعلوا الدروس أسرع إيقاعا وأكثر تسلية لأطفال نشؤوا على التلفزيون وألعاب الكمبيوتر.

يحاول ريك روميلي، وهو مدرس في مدرسة متوسطة في فيرفاكس كاونتي في ولاية فرجينيا الأميركية وحاصل على جائزة خاصة تقديراً لإنجازاته، أن يشد اهتمام تلاميذه، مرة بارتداء شورت أصفر وقبعة وثوب أحمر ضيق، ويسمي نفسه « السيد حال»، ومرة أخرى يبدأ يومه الدراسي بالظهور أمام طلابه مرتدياً معدات الغطس ومبللاً بالماء، وهو يقول: «إنني أحاول أن أكون مفعماً بالحيوية على قدر استطاعتي، محاولاً التوفيق بين طريقة التدريس وموضوع الدرس».

في كثير من الأحيان تكون التغييرات المصاحبة للتكنولوجيات المعلوماتية الجديدة دقيقة للغاية، حتى أننا بالكاد نلحظها. فقبل ظهور الكلمة المكتوبة، كان الناس يعرفون متعة كتابة الخطابات واستلامها، والفرح لدى العثور على مظروف في صندوق البريد مكتوب بخط يد صديق أو قريب. وقبل التلفزيون والكمبيوتر، كان لدى الناس إحساسا أقوى بالجماعة، ومودة أكثر تجاه جيرانهم وعائلاتهم. لقد جعلنا التلفزيون نلتصق ببيوتنا، وعزلنا عن باقي البشر. فنجد أن ربع الأميركيين فقط هم الذين يعرفون جيرانهم في المنزل المجاور. وتصبح مجتمعاتنا أقل حميمة وأكثر عزلة عندما نحصل على درجاتنا الجامعية، ونبدأ بقصص الحب، والنميمة على الإنترنت، تلك الشبكة العالمية التي تسمح لأجهزة الكمبيوتر بالتواصل مع بعضها البعض!.

سيوفر عصر الكمبيوتر المزيد من الألعاب، التعامل مع البنوك من المنزل، التسوق الإلكتروني، المضاربات التجارية وتداول الأسهم عبر البورصات العالمية، أفلام الفيديو حسب الطلب، وغيرها من الخدمات الأخرى التي تعمل جميعها على الحد من الاتصال المباشر بين البشر.

إن تراجع العلاقات المباشرة بين البشر يبدو جلياً في معظم أجزاء العالم. ففي سائر أنحاء الشرق الأوسط، تختفي تدريجياً حياة المقاهي، حيث اعتاد الناس على تبادل الأخبار حول قدح من الشاي. وفي باريس تستمر عملية إغلاق البارات، فكثير منها أخذ يغلق أبوابه في النهار. وهكذا فإن أونري ميكيل، وهو صاحب بار «LEDUFREENOY»، أصبح يغلق أبوابه في الساعة الثامنة مساء، بدلاً من منتصف الليل. فأين يذهب الرواد؟ يقول ميكيل: «إنهم يهرولون لمشاهدة التلفزيون».

هل اللقاء و جهاً لوجه أقل قيمة من التراسل إلكترونياً؟ الواقع أن بعض الجيران ما زال يتوافد على البيت إذا حلت به أزمة ما، لكن أكثرهم يعبرون عن مواساتهم عبر البريد الإلكتروني، أو بوساطة الرسائل المكتوبة نقلا من خلال أجهزة الكمبيوتر. وبغض النظر عما نفضله نحن، يبدو أن العنصر الإلكتروني هو الذي يمثل المستقبل. فالتلفزيون يعلم الكثيرين منا أن يفضلوا ما هو صورة على ما هو حقيقي. وشبكة الإنترنت تدفع الحياة إلى ما وراء الحواجز الطبيعية القديمة للزمان والمكان. فهنا يمكنك التجوال حول العالم دون مغادرة منزلك. ويمكنك أن تصنع صداقات جديدة، أو أن تتصل برواد الفضاء وهم يدورون حول الأرض، أو تتبادل نتائج اختبارات معملية مع زميل لك على الناحية الأخرى من المحيط، أو تقرأ أسعار البورصة، أو تشتري ملابس، أو تنجز بحثاً دراسياً.

ويمكنك وأنت خارج من المكتب أن تقوم بإدارة أعمالك من خلال الكمبيوتر الذي سيصبح مكتبك الفعلي، ومجتمعك الفعلي، وسفرك الفعلي، وحبك الفعلي..

إنه واقع جديد.. كل يوم يحقق قفزة أو صرعة جديدة تتحول مع الزمن إلى هوية جديدة، مثلاً أن يكتب في بطاقة أحدهم هوية «مدوّن» ويشار له في الهامش التعريفي «عضو في «.... فيس بوك» مثلاً».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا.. تقرير التنمية البشرية يكشف تقدما طفيفا في الصحة والت


.. المغرب: لماذا خرج آباء وأمهات طلبة الطب والصيدلة إلى الشارع؟




.. حملة لإعادة تأهيل الغابات والبحور باستخدام التكنولوجيا


.. ما هي التكنولوجيات التي استخدمت للبحث والعثور على مروحية الر




.. ظاهرة فلكية تحول ليل مدينة برتغالية إلى نهار