الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنطولوجيا القصة المغربية

مصطفى لغتيري

2008 / 8 / 7
الادب والفن




أتاحت أنطولوجيا القصة القصيرة المغربية التي أصدرتها وزارة الثقافة المغربية سنة 2004 للباحثين و عشاق القصة القصيرة، الاطلاع على مسار هذا الفن الجميل منذ بواكره الأولى إلى اليوم، الذي تم إنجازها فيه. . و لا ريب أن هذه الأنطولوجيا تعاني - مثل جميع الأنطولوجيات في العالم - من بعض القصور ، يتمثل أساسا في عدم ضمها لأسماء عدد من القصاصين و خاصة الجدد منهم ، وقد كان المشرفان على هذا العمل ، وهما محمد برادة و أحمد بوزفور، على وعي بذلك ، إذ جاء في المقدمة التي دبجاها لتتصدر الكتاب ما يوحي بذلك " أبحنا لأنفسنا حجب بعض النصوص لأسماء لا تزال في أول الطريق" ، ورغم اختلافنا مع هذا النهج الذي اختاره المشرفان في انتقاء الأسماء الممثلة في الأنطولوجيا، إذ لا يعدم صاحب تجربة لم" تنضج" بعد نصا ذا قيمة ،يمكن ضمه إلى الكتاب ، فإن الأنطولوجيا- مع ذلك- جاءت أكثر تمثيلية للقصاصين المغاربة، على الأقل في بعدها الزمني الكرونولوجي.

و قد حاولت المقدمة التي وسمها صاحباها ب" نقط ضوء متحركة" أن توطئ للأنطولوجيا بنظرة عامة حول القصة القصيرة في المغرب ، ومما جاء فيها" ومنذ الأربعينات ، أطلت قصص تزاوج بين هموم الوطنية و اللقطات الاجتماعية الساخرة " عبد المجيد بن جلون ، عبدالرحمن الفاسي، أحمد بناني ..." قبل أن يصدح الصوت الجمعي الجهير ، مع إهلال الاستقلال ، مستشرفا آفاق التغيير منتقدا رواسب الماضي المتجمد.

وفي السبعينيات ، ظهرت قصص تتلمس الطريق إلى الصوت الذاتي " المتفرد" المغيب بفعل الانشداد إلى المعضلات الاجتماعية و السياسية . بذلك ، لم يعد النص القصصي منجذبا إلى الواقعية وحدها ، بل ارتاد مجالات التجريب و المغامرة حيث تأخذ الكتابة حجمها الملائم...

قد يسجل القارئ المتابع فترة انحسار نسبي للقصة المغربية خلال الثمانينيات و التسعينيات من القرن الماضي ، لكن هذا الجنس الحيوي يعرف دوما كيف يجدد نفسه من خلال استيحاء ما يحبل به المجتمع و مخيلة القارئ، ومن خلال التصادي مع ما تبتدعه الأقلام في المشرق العربي و في الآداب العالمية . وجميع الدورات التي مرت منها القصة المغربية – في عمرها القصير- تتلامس أو تتقاطع ، مستأنفة أو معلنة القطيعة ، بحثا عن مكانة تلائم قدرات القصة على الاستكشاف و التنبؤ و الإمتاع و السخرية و الفنطاستيك".

و تضم هذه الأنطولوجيا التي تقع في 348 ثمان و أربعين و ثلاث مائة صفحة من الحجم الكبير نصوصا قصصية ل108 ثمانية ومائة قاص و قاصة ، تبدأ بقصة

" حتى الطيور في حيرة " لأحمد بناني و تنتهي بقصة "السيد ريباخا جزيرة عائمة" لأنيس الرافعي.

و إذا كانت هذه الأنطولوجيا قد وفرت للقارئ نماذج من القصص المختلفة في تيماتها و تكنيك كتابتها ،قد تسمح للمتبع رصد تطور تعاطي القصاصين مع هذا الفن الجميل عبر عصور القص المغربي ، فإنها تتيح كذلك بعض المعلومات الجانبية ، التي قد تفيد في تصحيح بعض الأحكام الشائعة ، ومنها أن القارئ سيفاجأ – لا محالة- بالتمثيلية الكبيرة لقصاصي الدار البيضاء، حتى أنهم يحتلون ما يقرب من خمس الأنطولوجيا بثمانية عشر قاصا و قاصة ، ليكونوا بذلك في صدارة الترتيب حسب المدن ، متقدمين على قصاصي مدينة فاس، التي مثلها عشرة قصاصين و قاصات ، متبوعة بإقليم القنيطرة بسبعة قصاصين.

ويمكننا أن نقارن توزيع القصاصين على التراب المغربي بمناخ هذا البلد ، فمخايل الإبداع القصصي كمخايل المطر، تتكاثر غربا على امتداد الساحل الأطلسي شمال مدينة آسفي و انطلاقا منها ،إذ أن مدنا كالدارالبيضاء و القنيطرة و الرباط و سلا و الجديدة و آسفي ممثلة بعدد كبير من القصاصين، و كلما اتجهنا شرقا تناقص العدد ، فمدينة وجدة مثلا التي تقع في أقصى شرق المغرب ممثلة بقاص واحد و هو جمال بو طيب ، وكذلك هو الشأن إذا تدرجنا من الشمال نحو الجنوب، فمدن كتطوان و الناظور و الحسيمة وطنجة ممثلة بعدد لا بأس به من القصاصين ، ويتناقص العدد كلما توغلنا نحو الجنوب ، فزاكورة مثلا ممثلة بقاص واحد و هو عبد العزيز الراشدي و تارودانت بقاص واحد كذلك وهو أحمد الويزي و أقليم الراشيدية بقاصين وهما مليكة نجيب و محمد الزلماطي ، فيما تنعدم تمثيلية مدن الصحراء كالعيون والسمارة وطانطان..

و إذا كان النقاد يتحدثون بكثرة عن جيل السبعينيات، الذي لا ينكر أحد مساهماته في مجال القصة ، فإن الإحصاء يفيدنا أن الجيل التسعيني هو الأكثر تمثيلية في الأنطولوجيا بما يقارب الأربعين قاصا و قاصة ..

كما أن القصاصين من مواليد الستينيات أكثر حضورا من غيرهم ،و هم سعيد الفاضلي و عبد الله المتقي ، وحسن إغلان و أحمد الويزي و شكيب عبدالحميد و عبدالسلام الطويل و محمد الشايب و محمد عيا و إدريس اليزمي و محمد أمنصور و محمد الفشتالي و محمد المزديوي و أحمد العبدلاوي و مصطفى جباري و لطيفة باقا و مصطفى لغتيري و خالد أقلعي و سعيد بوكرامي و عبد المجيد شكير و رجاء الطالبي و عبد العالي بركات و محمد الزلماطي و عائشة موقيظ و جمال بوطيب و حسن رياض و سعيد منتسب و مليكة مستظرف ... مع ملاحظة أن أكثر القاصات لم تذكر أعمارهن.

ويسجل كذلك أن تمثيلية النساء بالأنطولوجيا ضعيفة جدا ، إذ لم تتجاوز14 أربع عشرة قاصة ، وهن خناثة بنونة ، و زهرة زيراوي و زينب فهمي "رفيقة الطبيعة" و ليلى أبو زيد و مليكة نجيب و ربيعة ريحان و لطيفة باقا و لطيفة لبصير و رجاء الطالبي و عائشة موقيظ و مليكة مستظرف و سعاد الرغاي و حنان الدرقاوي و فاطمة بو زيان.

و إذا كان السلك الدبلوماسي قد استقطب القصاصين الأولين من أمثال أحمد بناني و عبدالرحمن الفاسي و عبدالمجيد بن جلون و أحمد عبدالسلام البقالي، فإن وظيفة التدريس تعد المهنة المهيمنة على مهن القصاصين على امتداد أجيالهم ، فيما تحتل الصحافة المكانة الثانية و من أبرز ممثليها عبدالجبار السحيمي و عبد العالي بركات و ياسين عدنان ومحمد صوف و محمد الاحسايني والمهدي الودغيري و سعيد منتسب و إدريس الخوري و محمد الأجديري .. مع وجود محتشم لمهن أخرى كالتوزير عبدالكريم غلاب و محمد الأشعري والحلاقة علي أفيلال و المحاسبة مبارك الدريبي.

و تبقى- في الأخير- أنطولوجيا القصة القصيرة المغربية كتابا هاما ، ومنجما زاخرا بالمعطيات الخام ،التي تنتظر من ينكب عليها بالدرس و التحليل من أجل بناء صورة شبه متكاملة و واضحة عن القصة القصيرة المغربية ، من حيث مضامينها و تيماتها و أجيالها و هلم جرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -


.. المخرج حسام سليمان: انتهينا من العمل على «عصابة الماكس» قبل




.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال