الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس الديمقراطية وعزلتها في الوطن العربي، على ضوء الانقلاب العسكري في موريتانيا

مصطفى لمودن

2008 / 8 / 9
السياسة والعلاقات الدولية


يعتبر العالم العربي ومناطق من إفريقيا القلاع الحصينة ضد رياح الديمقراطية التي اجتاحت وتجتاح العالم، فإذا كانت أغلب دول أوربا وشمال القارة الأمريكية ودول أخرى من آسيا قد حسمت الأمر منذ عشرات السنين، وأصبحت صناديق الاقتراع والتنافس الانتخابي هو ما يقود إلى سدة الحكم، ولأجل محدد لا يتعدى أربع أو خمس سنوات في الغالب، قابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة للرئاسة(*)، والتحقت بنادي الديمقراطيات العريقة دول أخرى، كانت قد جربت حكم الحزب الواحد، كدولة روسيا مثلا، أو دول أمريكا اللاتينية التي تعرضت لحكم العساكر، وديكتاتوريات محلية توزعت بين النزعة الوطنية والفاشستية، كما كان عليه الحال بالنسبة للشيلي والأرجنتين مثلا... لكن هذه الدول بدورها هبت عليها نسائم الحرية والاحتكام لاختيارات الشعب، دون أن ننسى تجارب لها مكانتها ضمن ديمقراطيات العالم، مثل اليابان التي تحسب على الغرب، رغم طابعها الشرقي وأعرافها الأصيلة التي لا تتعارض مع ديمقراطية عالمية، وتجربة الهند وباكستان رغم ما يعتريها من سلبيات كالاصطفافات القبلية والتعصب الطائفي والديني. وقد انضافت إلى القائمة جنوب إفريقيا بعد إبادة نظام الأبرتهايد، ويمكن التنويه كذلك بحالة فريدة وسط محيطها، بالنسبة لدولة مستقرة وقريبة من المغرب وهي السينغال، التي تعتمد الديمقراطية لاختيار الرئيس، منذ عهد الشاعر الرئيس ليوبولد سيدا سنغور.
الاستثناء الذي يبقى خارج رياح العصر الديمقراطي هو العالم العربي، أحيانا تظهر بعض «بؤر» الضوء في الظلام الحالك، فيحسبها البعض شمعة من شموع الأمل الديمقراطي التي قد يكتب لها النجاح وتتحول إلى مصابيح ديمقراطية تنير الطريق الطويل، وتصبح نموذجا يحتدا به، فقد أثيرت التجربة الفلسطينية بكثير من الأمل عقب انتخاب الراحل ياسر عرفات كأول رئيس عربي في المنطقة ينتخب بشكل مباشر من قبل مواطنيه، رغم حضور كاريزميته وتاريخه النضالي الطويل، ثم زيد على ذلك اللجوء إلى استعمال آليات الديمقراطية في أبهى نصاعتها عند انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني، لكن الخلافات الداخلية القاتلة التي طرأت إثر فوز حماس بالرتبة الأولى في الانتخابات واعتلاءها سدة الحكم، وفرض سيطرتها المطلقة بالقوة على مختلف مناحي الحياة في غزة حيث تمتلك قاعدة انتخابية وشعبية مهمة، وتبريرها ذلك بمحاربة الفساد والمفسدين، مما دفع الرئيس محمود عباس إلى إقالتها، وبذلك دخل الفصيلين الفلسطينيين الأساسيين حماس وفتح في اقتتال دموي، جعل كل المكاسب الديمقراطية تتحول إلى نكسة خيبت الآمال، وحولت العرس الفلسطيني إلى مأتم، وقُسم الوطن الواحد في الضفة والقطاع بشكل عمودي وأفقي على رأسه حكومتين اثنتين. ويتم الحديث كذلك عن تجربة الحكم في لبنان، فهي تقوم بدورها على مبدأ الانتخابات، لكن على أسس طائفية وليست ديمقراطية يتساوى فيها كل أفراد الشعب الواحد، وتأكد من خلال تجربة الفراغ الرئاسي الذي عرفته لبنان، قبول نخبتها السياسية التدخل الخارجي، سواء من طرف فرنسا أو أمريكا أو بعض دول الخليج، لحل مشاكل لبنان الداخلية، مما يضعف القيمة المعنوية ل«ديمقراطية» لبنان
وآخر نموذج اعتبره البعض «واحة» الديمقراطية الناهضة والناشئة، هي حالة موريتانيا، التي عرفت انتخابات رئاسية على دورتين، إلى أن وصل سيدي ولد الشيخ عبد الله الرئاسة في مارس 2007، لأول مرة منذ استقلال البلاد في 1960، وجرت انتخابات تشريعية وبلدية ذُكر أنها نموذجية بكل المقاييس، سواء من حيث تعدد الأحزاب المشاركة والمرشحين مختلفي المشارب، مع ضمان حرية الترشح والتصويت للجميع، لكن ما كاد نخيل «واحة» الديمقراطية الناهضة هذه يركز جذوره في الأرض وينتج أول ثماره، حتى أتى عليه انقلاب العساكر يوم الثلاثاء 5 يوليوز 2008 بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي سبق أن أقاله الرئيس الموريتاني رفقة جنرالات آخرين، وقد استغل العسكر الاضطرابات السياسية التي وقعت مؤخرا في موريتانيا إذ توترت الأجواء بين المجلس التشريعي والرئاسة منذ رفض الحكومة لطلب من البرلمان لعقد دورة استثنائية، ونشوب خلافات بين الرئيس الموريتاني و 48 نائبا برلمانيا من حزب الحاكم « العهد الوطني للديمقراطية والتنمية» الذي ينتمي إليه الرئيس بدوره.
بقية الجمهوريات العربية لم يعد لها من تلك الصفة غير الاسم، فيها توريث للحكم كما وقع في سوريا حيث حل الابن بشار بدل الأب حافظ الأسد، وهناك سعي حثيث من طرف البعض للذهاب على نفس الخطى، رغم الاعتراضات القوية كمثل حالة مصر، حيث يثار باستمرار اسم جمال مبارك لخلافة والده حسني مبارك، وقد أريد للابن أن يلعب دورا « طلائعيا» في آخر مؤتمر وطني للحزب الحاكم في مصر، مما اعتبر تمهيدا لذلك، لكن قوة المعارضة ألجمت كل المحاولات ولو بشكل مؤقت، خاصة من طرف «حركة كفاية» باعتبارها ائتلافا موسعا يضم عدة فصائل معارضة.
وتسير على نفس الخطى ليبيا حيث قد يصبح أحد أبناء القذافي زعيما بعد وفاة الوالد، رغم أن بعض مسؤولي «اللجان الشعبية» يستبعدون ذلك، ويعتبرون الأمر سابقا لأوانه، ول «اللجان الشعبية» الكلمة الفصل في ذلك حسب هؤلاء المسؤولين طبعا ...
هناك من الرؤساء العرب من سعى إلى تغيير بنود الدستور الممنوح، حيث يضمن لنفسه الترشح لأكثر من مرتين، وهناك من يخطط الآن لذلك، مادام الوصول إلى الرئاسة مضمونا، يمر عبر قمع المعارضة والزج بالمناضلين والمنافسين في السجن أو تصفيتهم بكل بساطة، قصد التأبيد في الحكم والسلطة إلى انقلاب جديد أو النهاية المحتومة بموت مفاجئ أو منتظر.
أما بقية الحالات الأخرى في الوطن العربي، إما يتم فيها اللجوء إلى «ديمقراطية ممسوخة» شكلية، لا فعالية فيها للمؤسسات المنتخبة، أو الغياب المطلق لأي شكل من أشكال الديمقراطية ولو في إرهاصاتها الأولية، من منع للأحزاب باعتبارها أرقى تعبير عن التعددية والديمقراطية، أو الإمتناع عي أي حديث حول أي شكل حقيقي من أشكال الانتخابات والاستشارات الشعبية(ولو الحديث)، في دول يتم فيها توارث الشعب والبلد والخيرات، أو يقسم ذلك بين عائلات حاكمة ومستبدة، بدون أي تعاقد أو تحديد أفق معين يسير وفقه وحسبه الجميع.
تلبي دائما الشعوب العربية كل دعوة توجه إليها من أجل ممارسة حقها الطبيعي في الممارسة الديمقراطية وانتخاب ممثليها أو من يحكمها، والحالات كثيرة ومتنوعة، من ذلك ما وقع في الجزائر ولبنان وموريتانيا... لكن كل تراجع عن ذلك لا يأتي من طرف الشعوب، بل من قبل غير المستفيدين من الديمقراطية، أو إن صح التعبير من أعدائها، قد يكونون العساكر، أو أقلية حاكمة في توافق مع ضباط الجيش، أو بتدخل ومساعدة أجانب، تهمهم مصالحهم أولا، ويفضلون التعامل مع طغمة انتهازية حاكمة، تمهد لهم الطريق من أجل استغلال ثروات الشعوب ونهبها، وبذلك تعاقب الشعوب الطواقة إلى الديمقراطية والانعتاق من الاستبداد والظلم، والهادفة إلى التنمية الحقيقية، والحفاظ على مقدراتها وثرواتها واستغلالها فيما يعود بالنفع على الشعوب.
يتحالف المتسلطون على الحكم ضد شعوبهم مع كل القوى العالمية المناصرة لبقائهم في السلطة، من أجل حمايتهم وتأبيد الحكم لهم ولأبنائهم ومقربيهم من بعدهم، مقابل إطلاق يد الشركات الأجنبية في اقتصاد البلاد، ودفع هذه الدول إلى اقتناء سلع الدول الحامية لها، خاصة الأسلحة بالملايير على حساب تنمية حقيقية للشعوب والأوطان، وهذه الأسلحة تتحول إلى خردة غير صالحة في أقل من عقد من الزمن، وهي أصلا لا تستعمل في أي حروب الشرف، بل لترهيب شعوبها.
لن يدود عن الديمقراطية المغتصبة غير الشعوب المقهورة نفسها، ولن تأتي منافحة الديمقراطية من قبل حكام مستبدين أو من حاشية فاسدة، أو من «غرب» أو«شرق» لا يهمه سوى «استقرار ظاهري ومغشوش»، قصد الحفاظ على مصالحه الحيوية، ولا يهتم في ذلك بمن يحكم أو كيف يصل إلى الحكم، ويمكن اعتبار فرنسا في عهد ساركوزي والصين والولايات المتحدة الأمريكية أهم مثل على ذلك، فهذه الدول وغيرها تتصارع الآن على خيرات إفريقيا دون أن تكترث لحال وواقع الشعوب... لهذا يتواطأ الطرفان ـ الفئة الحاكمة المستغِلة والدول المستفيدة من خيرات هذه البلدان ـ حتى لا تقوم للديمقراطية الحقيقة قائمة، لأنه بذلك قد تضيع بعض هذه الدول في امتيازاتها الاقتصادية كما وقع مع بعض دول أمريكا اللاتينية التي طالبت بحق سيادتها على اقتصادها وخيراتها.
من أدوات ذلك الهجوم على التعليم وإفراغه من كل محتوى نقدي وتثقيفي وتوعوي، بل يتعرض تدريس التاريخ المشرق مثلا لهذه الشعوب إلى طمس وتشويه، فتحذف منه كل إشارة إلى إباء الشعوب وحركاتها التمردية والانعتاقية عبر التاريخ، وتشجع الخرافات، وتُلهى الشعوب وتعوّد على الاتكالية والارتزاق والإرشاء، والتعلق بالأفراد الحاكمين، والتشبث بحماة قبليين أو «فيوداليين»، أو زعماء عساكر، ضدا على التشبث بمفهوم الدولة الراعية للجميع، والضامنة للحق والقانون، في دولة المواطنين والمواطنة، حيث المواطنون سواسية أمام العدالة العادلة، وفق دستور ديمقراطي متوافق حوله من طرف كافة فئات الشعب الواحد.
لكن حركة التاريخ لا ترحم المستبدين، فغالبا ما يقذفون في مزبلة النسيان، فتنهض الشعوب بمسؤولياتها، وتحمي نفسها، ولنا في دول أمريكا اللاتينية أنصع مثل، إذ أصبح المرجع هو الاحتكام إلى صناديق الانتخابات، فالناخبون أنفسهم من صوت وأختار هيكو تشافيز ليكون رئيسا على فنزويلا، ونفس الناخبين صوتوا ضد مقترحه لتعديل الدستور كي يخلق من نفسه حاكما مستبدا، وذلك رغم تقديمه لكل المبررات التي لم تقنع الناخبين طبعا.
فإلى متى ستظل الشعوب العربية تحت حجر المستبدين؟ ووصاية دول قوية تأكدت انتهازيتها باستمرار؟ هل الديمقراطية ستبقى نبتة غريبة عن هذه المجتمعات العربية وحدها؟ هل يرجع ذلك إلى طبيعة هذا المجتمع غير المتفتح وغير المتشبع بأسس ومبادئ الديمقراطية؟ هل مرد غياب الديمقراطية والدفاع عنها داخل المجتمعات العربية يرجع لتواجد نخب انتهازية ووصولية ونفعية لا تقبل التضحية لصالح الشعب برمته؟ مع حضور مثبطات ذاتية تبقى باستمرار ضد توسع فكرة الديمقراطية والتعددية، غير أن اتساع وسائط التواصل والانتشار السريع للمعلومات والأفكار، وانتعاش حركات المجتمع المدني من محفزات نشوء ديمقراطية حقيقة بين الشعوب العربية على غرار بقية شعوب العالم.
----------------
(*)مما اضطر بوريس يالتسين الرجل القوي في روسيا أن يصبح الوزير الأول بعد قضائه لدورتين رئاسيتين، بينما لو كان في دولة عربية كان يكفيه تغيير الدستور كما وقع في بعض الحالات
ـ يرجى زيارة مدونة يشرف عليها الكاتب قصد الاطلاع على مواضيع أخرى، وذلك باستعمال الرابط التالي:
http://zide.maktoobblog.com/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت