الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من حكم المركز.. إلى المركزيات.. نظرة إلى الفدرالية في العراق!!

سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)

2008 / 8 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا أريد أن أحكم على التجربة العراقية متسرعا بأنها "فشلت" كديمقراطية و كمحاولة لخلق عراق جديد، و لا ننسى أن نؤشر على نقطة مفادها أننا نحن العراقيين خرجنا من دكتاتورية المركز إلى صراع الدكتاتوريات الجانبية التي تحاول الآن ابتلاع ما تستطيع ابتلاعه مدعومة بعمائم من شتى الألوان و الانتماءات و التي ستؤدي في المستقبل إلى نشوء دكتاتورية جديدة في بغداد كرد فعل على "تمرد" و "عصيان" الفدراليات المستقلة ـ التي ينقصها إعلان هذا الاستقلال ـ و هو عودة طبعا إلى عصر ما قبل 9 نيسان 2003.
و المؤسف أن السيد رايان كروكر سفير الولايات المتحدة التي لا ينكر تضحيات أبناءها و مساهمتها الأساسية في تغيير المعادلة العراقية لصالح الشعب العراقي، هذا السفير و بعد أن كان يتفضل يوميا بتصريحات توضح موقف الولايات المتحدة من كل مستجد على الساحة العراقية، أصبح صامتا لا يتكلم و مثيرا بهذا الصمت زوبعة من الإشاعات التي يستغلها هذا الطرف و ذاك، و هو ما قد يؤدي ـ في حال حصل انهيار للعراق بسبب صراعات النفوذ القومي ـ إلى ضياع و هدر لدماء طاهرة قدمها عراقيون و أمريكيون في سبيل إنقاذ الإنسان على هذه الأرض، و بالتالي فإن هذه الدماء الطاهرة ليست ملكا لإدارة الحكومتين العراقية أو الأمريكية المتغيرتين لأن الشعبين العراقي و الأمريكي هما من يقدم التضحيات لإقامة وطن الإنسان و الإنسان وحده.
من المؤسف حقا أن ما سعينا لأجله ـ و هو عراق يتوازن بين فدرالياته و مركزه ـ أصبح مهددا الآن بأن ينهار لصالح الأطراف أو الفدراليات و هذا الانهيار و إن كان على المدى القصير لصالح الفدراليات إلا أنه في النهاية سيضر بها لأن مركز العراق "بغداد" غالبا، و هو ما نملك له شواهد تاريخية امتدادا من العصور العباسية و حتى قيام العراق كدولة، ما يعود ليهيمن و لو بالقوة و الحرب على أراضيه شمالا و جنوبا، إن الفدرالية كنظام ديمقراطي لا يمكن أن يكون هو هذا المسخ الذي نشهده الآن، لأن أي فدرالية لا بد أن تقوم على أساس جغرافي لا يدخل فيه أي وصف قومي أو طائفي.
كمثال على كلامنا فإن إقليم الجنوب لو وجد طريقه إلى الوجود فسيكون الخطوة الأولى لفرض دكتاتورية "معممة" طائفية لا تختلف عن الدكتاتورية القومية، لأن تسعة محافظات جنوبية لو امتلكت كل منها إدارتها الذاتية هو ما سيمثل الفدرالية الحقيقية، أما لو دمجنا الجنوب المترامي الأطراف في "إقـــــــليم" واحد أحد موحد، فهو لن يختلف عن "المركزية" البائدة على عهد البعث المقبور، لأن هذا الإقليم الجنوبي سيكون مرتبطا مرة أخرى بعاصمة "إقليمية" تحتكر الثروة و القرار و التعيينات و التوظيف و خطط البناء و ما إلى ذلك، و لن يكون لهذه المحافظات الغنية جدا كالبصرة و العمارة أي فرصة لإبداء اعتراض أو تململ.
الأكيد أن الإدارة تكون أسهل كلما كانت منطقة الإدارة أصغر و أكثر تركيزا على نفسها بحيث أن البصرة كإقليم مستقل سيكون أسهل في التوجيه و البناء مما لو ربطناه بمسخ نطلق عليه كلمة "إقليم" أو "فدرالية، فعلى أهالي كل مدينة أن يبدأوا بالاهتمام بمدينتهم "لن أقول بالغيرة على مدينتهم كون الغيرة كلمة ماتت مع العصر القبلي و لأن مردودها سيء في الذهن العراقي" و بأن لا يتركوا مجالا مجالا للمدن الأخرى أن تتدخل في شؤونهم بغير قانون ينظم هذه العملية.
إن الفدرالية الجغرافية ـ التي تتيح لكل مدينة و أقضيتها أن تحكم نفسها بنفسها ـ هي نعمة لو تم تطبيقها بعيدا عن أهواء الزعماء و مافيا النفط و الفساد الإداري، و كلما ضاقت الفدرالية كلما كان الإعلام و النزاهة و كشف المفسدين أسهل خصوصا حينما يكون هناك أيضا مركز قوي ذو نفوذ قوي "واضح عبر صلاحياته القانونية"، و إذا كنا نريد إقامة نظام إداري مثالي فهو و إن كان مستحيلا إلا أن لنا الحق في أن نحلم بنظام إداري قانوني ممتاز يكون هو أفضل الموجود، مثل الديمقراطية تماما، فالديمقراطية رغم كل عيوبها هي أفضل من الدكتاتورية.
العراق الآن و هو على أعتاب الانتقال من النظام المركزي إلى مركزية أخرى "مقنعة" أو لنقل "مركزيات" ستكون أشبه بأنظمة أسبارطية "نسبة إلى أسبارطة اليونانية التي عُرفت بنظامها العسكري الصارم" تركز الثروة و السلطة في يدها و تكون مرة أخرى مرحلة طويلة من الأزمات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية، و لربما تكون مواجهة مجموعة الدكتاتوريات هذه أصعب من مواجهة دكتاتور واحد شمولي كان يحكم العراق و كان باستطاعة المرء أن يخدع هذا النظام عبر معرفته لأساليبه الخبيثة، لكن دكتاتوريات متعددة مختلفة الطرق و الحيل "الشرعية و القانونية" سيكون كارثة الكوارث على العراق.
النقطة المهمة أو لنقل أنها الأهمّ من كلّ ما ذكرناه، هو أن لا تقوم هذه الفدراليات على أي هوية جانبية كون أي هوية (غير الانتماء العراقي) سيعرض البلد إلى تهديد مستمر بالتدخلات الإقليمية و الدولية و تسيير العراق حسب رغبة هذه الدولة أو تلك و تعرض مصالحه الجيوسياسية لخطر دائم و سيبقى العراق كجسم عديم المناعة سهل الاختراق و بالتالي تختلط مصالحه مع مصالح الجوار الإقليمي سلبيا و يكون العراق هو الطفل الذي سيدعي كل "عمّ ٍ" أنه الأحق بالوصاية عليه، و حينها سنكتشف أن كل حديثنا عن السيدة و الاستقلال هو محض لغوٍ و هراء و عبث، لن أدفع باتجاه التشائم و لكن ينبغي للعراقيين أن لا ينخدعوا بعد الآن بشعارات بعض المعمّمين الذين يرددون شعارات آل البيت (ع) بينما هم يتوارثون الرئاسة على طريقة بني أمية، هم و من يتعاطف و يتعاون معهم.
Website: http://www.sohel-writer.i8.com
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل