الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخيلة المجردة للجسد .. قراءة في الطريق إلى روما ل شريفة السيد

محمد سمير عبد السلام

2008 / 8 / 9
الادب والفن


في نصها الروائي " الطريق إلى روما " – الصادر عن نادي القصة بمصر 2008 - تبحث شريفة السيد عن حرية الأداء الجسدي الأنثوي في لحظات متقطعة يجتمع فيها التاريخي و المجازي ، أو النصي بعيدا عن المظاهر الثقافية ، و الاجتماعية لاستغلال هذا الجسد في مسار أحادي تقليدي لا يعترف برغباته ، و أخيلته الذاتية ؛ تلك الأخيلة التي سيتولد منها الآخر ، و تتطور من خلالها الكتابة النسائية باتجاه التحقق الذاتي للجسد ، و تستعاد قوته المجردة من الإشارات الثقافية لحضارة روما ، بعيدا عن تاريخ الاغتصاب ، و الرغبة في إسكات صوت الجسد التي تحولت في البطلة مي إلى كراهية ، و خوف من جسدها .
و تستدعي رغبة الجسد في الانطلاق قداسة للأنوثة ، و علامات الأمومة ؛ و لهذا تعيد البطلة كتابة هويتها داخل ذلك السياق ، أو التاريخ الممزوج بعلامات الكتابة الذي يتحول فيه الآخر / الرجل إلى صوت مجرد لفنان يذكر البطلة دائما بهويتها الأولى ، و يردها إلى أخيلة الالتحام بقوة الجسد الحضارية ، و كأنه قد نبع من لاوعيها ، ليقضي على الانفصال بين الجسد ، و علامات الأنوثة المضخمة في التراث الإنساني منذ النقوش الجدارية ، حتى فن الفوتوغرافيا .
إن الكتابة النسائية هنا تؤكد تفرد الرجل / الآخر في سياق كتابة المرأة لذاتها ، و جسدها في جمالياته المجردة التي تسهم بطريقة دائرية في إعادة إنتاج الآخر كعلامة مجازية يكتمل من خلالها التحقق الذاتي الأنثوي بعيدا عن المنظومة التي تستغله في اتجاه التابع / الواحد .
إن شريفة السيد تبدع الصوت / طيف الرجل كرمز للتجدد ، و الخصوبة ؛ لأنها تقاوم الموت بعنف في واقع البطلة مي ، و تدين الضرب و الاغتصاب ، و القتل ، و لهذا كان الصوت تجريدا لأخيلة تجدد مظاهر الحياة و المادة ، و حركية الطاقة الأسطورية ، و البيولوجية في الجسد .
و تظل مي طوال النص متوترة بين العلامات الأنثوية المشوهة ، أو المغتصبة ، و محاولة كتابتها كقوة جمالية مجردة ترفض الموت ، و الاستغلال من خلال تقريب المسافة بين جسدها ، و مجازات الكتابة التي تنشئ الجسد في سياقه الحضاري الأول .
هل كانت الكتابة محوا لتاريخ مي القريب ؟
أم أنها رغبة لاواعية في التحقق الخيالي بوصفه تعريفا للأنوثة المتفردة المضادة للنموذج ؟
لا يمكن فهم مسألة تحقق الأنثى دون الرجوع لقضايا النقد النسائي التي أكدت النزعة التخيلية الإبداعية في تكوين المرأة ، و جسدها ، و بهذا الصدد ترى هيلين سيكسو Helen Cixous في كتابها ضحكة الميدوزاThe laugh of the Medusa أن الكتابة النسائية الجديدة ينبغي أن تقضي على الانفصال بين المرأة و جسدها ، و كذلك تبرز الاختلاف المبدع للأخيلة الأنثوية ، فالمرأة تشبه اللاوعي ، و التصوير الفني في نسخها الخيالية اللانهائية التي تقاوم التصنيف .
هكذا حاولت مي الالتحام بصورتها المبدعة من خلال الكتابة ، مدفوعة بقوة مضادة للموت ، و الاغتصاب ، أو بقدرة على التحويل المبدع لآثارهما في اتجاه التحقق الذاتي عند ملامسة هذه الآثار الميتة للقوة الطيفية للأمومة .
و قد ارتكزت أخيلة البطلة ، و صوت الفنان على منطقة الصدر ، و هي تعبر عن دائرية الإحساس الأنثوي ، و إدراكه الذاتي المجرد للعالم ، فضلا عن أخيلة الأمومة ، و الخصوبة التي تبعث فكرة التجدد انطلاقا من تضخم الصدر ، و قداسته في الوعي ، و تجرده من عوامل العبث ، و التشويه . تلك الأخيلة تقاوم منطق القوة ، و الرغبة في محو الجسد ، و تجعل منه علامة ارتكاز للإدراك ، و الإنتاج المتجدد للقوة الأنثوية التي تتخذ أشكالا فريدة لانهائية دون تحديد .
إن الرمز ليمتص المرأة المقهورة في الرواية ، و يعيد تكوينها ذاتيا ليكشف عبث القتل أمام ضخامة الثدي كرمز حضاري ، و نصي يعاد تشكيله هو أيضا في الكتابة لتقهر البطلة من خلاله نموذجها الواقعي .
ثمة انقسام بداخل البطلة مي بين نزوع تطهيري من الالتحام المباشر بجسد الآخر ، و الرغبة الوحشية في تجريد قوة الجسد ، و التوحد بالنموذج المتخيل للأنثى في لقائها بالذكر الذي يظل طيفا يعد بالإشباع و التحقق الكامل للبهجة الأنثوية الخفية دون أن يحسم ذلك الانقسام ، فأشباح الموت ، و الاستغلال تظل موازية للرغبة في استبدال النموذج المحدود للجسد بتجريد رموزه ، و امتدادها التخيلي المتجاوز لأحادية الهوية التاريخية للأنثى .
بنيت رواية الطريق إلى روما على شخصية مي ، و ما بداخلها من مشاعر منقسمة ، و متعارضة إزاء الجسد ؛ هذه المشاعر ولدها تأملها لشخصيات ، و أحداث متنوعة تسهم بدرجة كبيرة في إدانة تصنيف جسد المرأة ، و استغلاله ؛ مثل عنف ليلة الزفاف ، و رغبتها في حرق أشعارها ، و إلحاح رغبة زوجها الأحادية في ممارسة الحب مثل الوحش ، و ذكرى حسابات المدرس الدقيقة لجسد فريدة صديقتها ، و كأن هذا الجسد لعنة تطاردهما ، و خوفها المتكرر على رشا ابنتها من المدرس الألماني قبل ارتباطها به ؛ و خاصة حينما كان يشبهها بالغزال ، و قلقها المتكرر من حوادث الاغتصاب التي حولت الرجل إلى أسطورة دراكولا التي طاردتها في الأحلام ، و بخيتة التي قتلها مدرب التخسيس عقب امتناعها عن ممارسة الحب معه ، و كانت تقوم بهذا لترضي زوجها ، و بسيمة التي قتلها زوجها البواب بعد أن اتهمته في رجولته ، ثم إحساسها المتكرر بالسقوط من الأماكن العالية .
لقد استطاعت شريفة السيد تحويل هذه الخبرات ، و الأحداث ، و الشخصيات النسائية ، إلى رموز جمالية للجسد الأنثوي الرافض للموت ، و لم يكن هناك وسيط أمام البطلة لتتحقق من خلاله سوى الكتابة ، و التوحد بصوت الفنان ليصير تجريد القوة الجسدية مضادا للمعنى الأحادي للموت ، أو السقوط .
يقول طيف الفنان لمي :
" أريد أن أقرأكِ قراءة متأنِّية. أقرأ سطورك وحروفك وملامحك الحقيقية بدون ماكياج، تلك التي تخفينها متعمدة ولا تبدينها للناس.. ثم إن المشكلة ليست في متى وحدها وإنما المشكلة في متى وأين .. أدفع عمري كله لأنام على العشب الأخضر في حدائق روما، وليحس خدي بوخز عُشب روما، ولأدُقّ بعنفٍ على آخر قلعة في روما، عمومًا.. أنا طويل البال.. وسيأتي اليوم الذي أكسِّر فيه ضلوع روما.. " .
لقد استعاد الصوت الهوية الغائبة الهامشية التي سعت دوما لاستبدال المركز الذي يكره الجسد ، و هي القوة المتخيلة لعلامات الأنوثة التي نرى كثيرا منها في الحضارات القديمة ، و بخاصة الحضارة الرومانية التي كان الالتحام الجسدي فيها - جزءا أساسيا من طقوس الحياة ، و الموت ، و اللعب ، و قد ذكر ول ديورانت عددا من هذه الممارسات مثل تكرار إخصاب ديانا ، التي تتم بواسطة عبد قوي يذبح الملك ، و يحصل على الغصن الذهبي ، و كذلك أعياد فلورا المملوءة بالسكر ، و المرح ، و تسرب عبادة ديونسيوس التي تجمع بين النشوة و العنف و غيرها ( راجع – ول ديورانت – قصة الحضارة م 5 ع 9 ترجمة محمد بدران – هيئة الكتاب ص 128 و ما بعدها ) .
هكذا تتحول إدانة الجسد ، إلى احتفالية أسطورية بأخيلته المستعادة في وعي نسائي حريص على إعادة إنشاء الهوية في الكتابة ، و تجديد أطياف الموتى في قوة الجسد المجردة التي تجمع بين النص ، و التاريخ ، لتبدأ الساردة كتابة مي من خلال حضور آخر يوشك أن يولد من خلال قوة الانقسام ، و من ثم التوحد بالجسد الآخر / المستعاد و كأن النص النسوي الذي شرعت مي في كتابته هو الغصن الذهبي الذي يوحد الخبرات التخيلية و لحظة الحضور .
محمد سمير عبد السلام – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم