الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليل الضمير البشري

التجمع الشيوعي الثوري

2004 / 2 / 2
الادب والفن


]هذا النص للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وقد نشره قبل اكثر من عامين بقليل. لكننا نعيد نشره الآن في ما العمل؟ بسبب استمرار راهنيته، كأي عمل لماركيز، لكن أيضاً بسبب استمرار الوضع الذي يصفه ويندد به، تضامناً مع الشعب الفلسطيني البطل. مع تحياتنا الحارة لهذا الكاتب، ليس العالمي وحسب، بل الاممي أيضا، واحترامنا العميق له[

  انه لمن عجائب الدنيا حقاً أن ينال شخص، كمناحيم بيغن جائزة نوبل في السلام تكريماً لسياسته الإجرامية التي تطورت في الواقع كثيراً خلال السنوات الماضية على يد مجموعة من انجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة. إلا أن الموضوعية تفرض أن نعترف بان الذي تفوق على الجميع هو الطالب المجدد ارييل شارون. وعلى أي حال، فإن فوز مناحيم بيغن بجائزة نوبل في السلام يظل من عجائب الدنيا حقا، ولا يخفف من دهشتي القول بان الدنيا مليئة بالطرائف، وان هناك ما هو اغرب.
  المهم أن هذا ما حدث، ولا طريقة الآن لتبديله. فاز مناحيم بيغن بجائزة نوبل للسلام لسنة 1978، مناصفة مع أنور السادات، رئيس جمهورية مصر في حينه. جاء ذلك كنوع من المكافأة على اتفاقية براقة أرست قواعد السلام من طرف واحد هو الـعربي.
  الرجلان اقتسما الجائزة. لكن المصير اختلف من أحدهما إلى الآخر. الاتفاقية ترتب عليها في حالة أنور السادات انفجار بركان الغضب داخل جميع الدول العربية فضلاً عن انه – ذات صباح من أكتوبر 1981- دفع حياته ثمناً لها. أما بالنسبة لبيغن، فلقد كانت هذه الاتفاقية نفسها بمثابة الضوء الأخضر، ليستمر بوسائل مبتكرة في تحقيق المشروع الصهيوني الذي ما يزال حتى هذه اللحظة يمضي قدما. أعطته الجائزة أول الأمر الغطاء اللازم حتى يذبح – بسلام– ألفين من اللاجئين الفلسطينيين بالمخيمات داخل بيروت سنة 1982. المؤكد أن اتفاقيات كامب ديفيد، بالإضافة إلى جائزة نوبل للسلام، تجاوزت شخص مناحم بيغن، لتشمل انجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة، خاصة ناظرها الجديد ارييل شارون. جائزة نوبل في السلام فتحت الطريق على مصراعيه لقطع خطوات متزايدة السرعة نحو إبادة الشعب الفلسطيني. كما أدت إلى بناء آلاف المستوطنات على الأرض الفلسطينية المغتصبة. لن ننسى نحن الذين نقاوم فقدان الذاكرة الوعاء الفكري لممارسات النازية. ارتكز هتلر على نظرية المجال الحيوي لتحقيق مشروعه التوسعي باحتلال ارض الغير. وقد قال بيغن صراحة أن الأراضي المحتلة في 1967 هي ممتلكات يهودية ليس من حق أحد أن يطالب باستعادتها.الركيزة الثانية هي ما سماه: الحل النهائي لمشكلة اليهود. معسكرات الاعتقال السيئة السمعة كانت في نظره المخرج المناسب. إبادة جماعية، بولغ في سرد وقائعها لتبرير إبادة جماعية أخرى. أما حكاية الملايين الستة من اليهود ضحايا هتلر، فلقد انضمت إلى ترسانة الخرافات اليهودية، تمهيداً لإعادة ارتكابها من جديد تحت غطاء جائزة نوبل في السلام.استندت نظرية المجال الحيوي الصهيونية إلى أن اليهود شعب بلا ارض، وان فلسطين ارض بلا شعب. هكذا قامت الدولة الإسرائيلية غير المشروعة في 1948. فلما تبين أن هناك شعبا، وان فلسطين شعب يسكن في أرضه، كان من الضروري حتى لا تكون النظرية مخطئة إبادة الشعب الفلسطيني، وهو ما يتم بصورة منهجية منذ اكثر من خمسين عاماً. لكن جائزة نوبل في السلام، بالإضافة إلى اتفاقيات كامب ديفيد، اتخذت شكل الإذن الدولي بالقتل الذي لا يجرمه أحد. وقد تمكنت أجهزة الإعلام التي يسيطر عليها اليهود من إقناع البلهاء في الغرب بهذه الأكاذيب، مستثمرة عقدة الذنب عند القتلة، فباركوا المزيد من المذابح. لولا أن العالم استيقظ فجأة على أن هناك شيئاً اسمه الشعب الفلسطيني. ولم يلفت الانتباه إليه تمثيله الدبلوماسي أو مشاركته في المحافل الدولية. ما لفت الانتباه لوجوده هو هذا الأنين الصادر عن شعب يتعرض للإبادة. تهامس الجميع على استحياء: الظاهر أن هناك شعباً فلسطينياً وانه لسبب ما توارى عن الأعين طوال هذه السنوات. الشعب الفلسطيني بالفعل ظل مختبئاً في منطقة اسمها تجاهل الآخرين. اسمها: ليل الضمير البشري. حسناً، ما العمل الآن؟ الحل عثرت عليه مجموعة من انجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة. لتصبح فلسطين، تمشياً مع النظرية، أرضاً بلا شعب. وعلى الذين يتكاثرون كالأرانب ليقاوموا الفناء، أن يبادوا بسلام .
  وقد تصادف أن كنت في باريس، عندما ارتكب شارون -بغطاء من جائزة نوبل في السلام- مجازر صبرا وشاتيلا، قاتلاً أثناء الغزو ثلاثين ألف فلسطيني أو لبناني، كما تصادف أن كنت في باريس، عندما فرض الجنرال جاروزيلسكي سلطة العسكر ضد إرادة الأغلبية من شعب بولندا. أصابت الأزمة البولندية أوروبا بصدمة جعلتها تترنح من الغضب. أنا شخصياً قمت بالتوقيع على عدد كبير من البيانات التي تندد باغتيال الحرية في بولندا. كذلك ، فلقد شاركت في الاحتفالية التي أقيمت، تكريماً لبطولة الشعب البولندي. بمسرح (بيرا دي بار) تحت رعاية وزارة الثقافة الفرنسية. وعلى العكس من ذلك تماماً ساد نوع من الصمت الرهيب، عندما اجتاحت القوات الشارونية لبنان. علماً بأن أعداد القتلى أو المشردين هناك لا تسمح بأي مقارنة مع ما حدث في بولندا. ظهرت في الحال النظرية السوفييتية التي تدعو إلى الأخوة بين القوى الأعظم على حساب أي شعب أو أي مذابح. هناك بلا شك أصوات كثيرة على امتداد العالم تريد أن تعرب عن احتجاجها ضد هذه المجازر المستمرة حتى الآن لولا الخوف من اتهامها بمعاداة السامية أو إعاقة الوفاق الدولي. أنا لا اعرف هل هؤلاء يدركون انهم هكذا يبيعون أرواحهم في مواجهة ابتزاز رخيص لا يجب التصدي له سوى بالاحتقار. لا أحد عانى في الحقيقة كالشعب الفلسطيني . فإلى متى نظل بلا ألسنة؟ ولم أجد من يومها من يدعوني إلى أي احتفال ببطولة الشعب الفلسطيني في أي مسرح تحت رعاية أي وزارة. هذا ما يدفعني الآن إلى التوقيع على هذا البيان بشكل منفرد. أنا أعلن عن اشمئزازي من المجازر التي ترتكبها يومياً المدرسة الصهيونية الحديثة، لا يهمني رأي محترفي الشيوعية أو محترفي معاداة الشيوعية. أنا أطالب بترشيح ارييل شارون لجائزة نوبل في القتل. سامحوني إذا قلت أيضا أنني اخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل. أنا أعلن عن إعجابي غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الإبادة، بالرغم من إنكار القوى الأعظم أو المثقفين الجبناء أو وسائل الإعلام أو حتى بعض العرب لوجوده. بشكل منفرد إذن، أنا أوقع على هذا البيان باسمي: غابرييل غارسيا ماركيز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر.. -سوق أزمان- في تلمسان رحلة عبر التاريخ والفن والأد


.. المخرجة والكاتبة دوروثي مريم كيلو تروي رحلة بحثها عن جذورها




.. هاجر أحمد: بوعد الجمهور إنه هيحب شخصيتى في فيلم أهل الكهف


.. حاول اقتحام المسرح حاملاً علم إسرائيل فسقط بشكل مريع




.. لماذا غنت كارلا شمعون باللهجة الجزائرية؟.. الفنانة اللبنانية