الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول إنهيار جولة الدوحة للتجارة العالمية

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2008 / 8 / 10
السياسة والعلاقات الدولية


فشلت محادثات التجارة العالمية التي أجريت في جنيف خلال الفترة 21-29 من يوليو الماضي، في ردم الهوة بين مطالب الدولة الغنية وفي طليعتها الولايات المتحدة الامريكية في أسواق مفتوحة لإستقبال منتجاتها الزراعية مع عدم قبولها بخفض الدعم الذي تقدمه لمزارعيها وبين اصرار الدول النامية وعلي رأسها الصين والهند – علي حماية قطاعاتها الزراعية من سيل بضائع التصنيع الزراعي (Agribusiness) الواردة عن الدول الصناعية. فالصين والهند التي يوجد بها فيها 500 مليون و700 مليون شخص علي التوالي يعتمدون علي الزراعة، تخشيان من إنفجار الاوضاع في أرياف بلديهما نتيجة منافسة البضائع المستوردة والرخيصة نسبياً لمنتجات المزارعين المحليين الذين يعيشون أصلاً علي الكفاف ويعانون من شظف العيش.
وتمثل دورة المحادثات الاخيرة إجتماعاً وزارياً شارك فيه وزراء ثلاثين دولة في إطار (جولة الدوحة) الخاصة بالتوصل لإتفاق بين الدول لتحرير التجارة العالمية. والمعروف إن جولة الدوحة هي جزء من المفاوضات التي دأبت منظمة التجارة العالمية علي إجرائها لتشمل مختلف الجوانب المتعلقة بالتجارة، وقوانينها، بين الأمم. ففي عام 2000 بدأت مفاوضات جديدة خاصة بالزراعة والخدمات، تم وضعها علي رأس جدول أعمال مفاوضات مؤتمر الدوحة الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية بقطر في نوفمبر عام 2001 . ويضيف جدول أعمال جولة الدوحة، بجانب المسألة الزارعية ، مفاوضات أخري تشمل تعريفة السلع غير الزراعية والتجارة والبيئة وقواعد منظمة التجارة العالمية لمكافحة الاغراق والملكية الفكرية والشفافية في المشتروات الحكومية. وإجتماع جنيف الاخير يأتي في أعقاب عدة إجتماعات وزارية كمحاولة أخيرة لإخراج جولة الدوحة من تأزم دام سبع سنوات . وبعد إنهيار دورة جنيف الأخيرة رأى بعض المشاركين فيها أن جولة الدوحة لن تعود لها الحياة مرة أخرى، علي الاقل لعدة سنوات قادمة .
أُفتتح إجتماع جنيف علي صدى تصريحين يتسمان بحدة تعكس تشدد كل الدول الصناعية والدول النامية بموقفيهما حيال التجارة العالمية. فنكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للإتحاد الاوروبي، صرح قبل إنعقاد الاجتماع قائلاً (علي اوروبا ان تجد رداً علي تخوفات مواطنيها من تأثيرات العولمة، وان تحمي نفسها بدون ان يعتبر ذلك من باب الإجراءات الوقائية) . اما وزير خارجية البرازيل سيلسو اموريم فقد إنتقد قبيل إنعقاد الدورة، الاستراتيجية التي أتت بها الدول الكبري للمفاوضات والتي تعتبر أن مسألة الزراعة قد حسمت وتمت تسويتها نهائياً مما لا يستدعي الجدال حولها، وصرح بأن موقف الدول الصناعية يذكره ( بغوبلس مسئول الدعاية في النظام النازي، الذي كان يردد: إذا تكرر كلاما كاذباً عدة مرات فانه سيتحول الي حقيقة).
جولة الدوحة تم تدشينها، عند تأسيسها، تحت شعار دفع التنمية، وخاصة الزراعية، في البلدان الفقيرة حتي وانها سميت "بجولة التنمية". الا ان الدول الكبرى اتخذت مواقفاً وتقدمت بنصوص مقترحات، لا يمكن اعتبارها في صالح تنمية البلدان الفقيرة، رفضتها الدول النامية جملة وتفصيلاً. فقد رفضت الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الاوروبي ان تعيد النظر في سياسات الدعم التي تمنحها للزراعة، تلك السياسات التي تدافع عنها لوبيات غربية تتمتع بالقوة الاقتصادية المتناهية. وفي المقابل، ونتيجة لمعايشتها للضرر الذي واجته من منافسة المنتجات الزراعية الواردة من البلدان الصناعية بموجب إتفاقيات خفض التعريفات السابقة، عادت البلدان النامية تتمسك بإجراءات الحماية (protectionism ).
جولة الدوحة ثم تدشينها تحت شعار دفع التنمية، وخاصة الزراعية، في البلدان الفقيرة. الا أن الدول الكبرى، بمقترحاتها تلك، كانت تسير في إتجاه آخر. فالولايات المتحدة الامريكية تمسكت بدعم القطاع الزراعي لديها، واقترحت سياسة (دولار مقابل دولار)، أى أنها قايضت خفض الدعم الزراعي لمزارعيها بخفض الرسوم الجمركية علي المنتجات الصناعية والخدمات.
النقطة الاساسية مثار الخلاف في دورة جنيف تمثلت في ما سمى بآلية التأمين الخاصة (special safeguard mechanism) التي تسمح للدول برفع الرسوم الجمركية علي المنتجات الزراعية بصورة تلقائية في حالة إرتفاع حجم الواردات من هذه السلع . ولكنه السؤال الذي طرح هو : ما هو مستوى الزيادة في الواردات الذي يؤدي لتفعيل الآلية المذكورة. ففيما أقترحت الصين والهند مقدار10% زيادة في الواردات، أصرت واشنطن علي الزيادة في التعريفة الجمركية يسمح بها فقط في حالة إرتفاع الواردات ل40%.
الذي فاقم من حدة الخلاف في الدورة الاخيرة لجولة الدوحة هو الزيادة العالمية في اسعار السلع، خاصة الاساسية؛ ففي حين ترى الشركات الكبرى عابرة القارات مواتاة الفرصة لتحقيق الارباح الفاحشة، تدرك الدول النامية ان ملايين من سكانها، الذين يطحنهم الجوع، سوف يعانون اكثر في حالة قبول مقترحات دول الشمال فيما يتعلق بتحرير التجارة العالمية .
برزت خلال الدورة الاخيرة لمنظمة التجارة العالمية الصين والهند كتكتل يدخل في تناقض مصلحى عميق مع الدول الغربية ومن المتوقع ان يؤدي فشل جولة الدوحة الي ان تحل الاتفاقيات الثنائية محل الاطار القانوني الذي يحكم التجارة العالمية، كما هو مٌتوصل له حتي الآن . وإن حدث هذا سيكون الطريق ممهداً لنشؤ تكتلات تجارية إقليمية وقطاعية، مع إحتمال ان تقود حدة المنافسة هذه التكتلات الي اللجوء للحماية. كما ان المنافسة بين الكتل التجارية بجانب تحديدها لشكل التحالفات بين الدول الرأسمالية في الغرب والشرق في سعيها المحموم حالياً لإعادة تقسيم مناطق النفوذ في العالم وفق التوازنات الجديدة التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي وبروز أمريكا كالقوة العالمية الأعظم، سوف تزيد من تأجيج عداء محكم وصراع مدمر بين التكتلات المختلفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناشطون في كورك الأيرلندية ينظمون فعاليات دعما لفلسطين


.. كاميرا الجزيرة توثق استهداف الاحتلال سيارات الإسعاف في حي تل




.. الجيش الإسرائيلي يدمر منزلاً على ساكنيه في مخيم البريج


.. اليمين المتشدد في صعود لافت في بريطانيا قبل انتخابات يوليو ا




.. مرشح الإصلاحيين في إيران يتعهد بحذر بوقف دوريات الأخلاق