الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجزخانة السلام لصاحبها مرقص أبو سيف

سامر سليمان

2008 / 8 / 10
الادب والفن


فيلم حسن ومرقص لعادل امام وعمر الشريف نزل السيما. لذلك لزم التنويه أن مرقص الذي أكتب عنه الآن هو الدكتور/صيدلي مرقص يوسف أبو سيف صاحب أجزخانة السلام، المجاورة لقسم ثاني المحلى الكبرى والشهيرة لأهل تلك المدينة, والنقيب الأسبق للصيادلة في محافظة الغربية. أما كيف لي أن أعرف محالاوياً وأنا القاهري بالميلاد والمعيشة. ذلك لأنه أخ لأمي. الخال لا تعرفه جيداً إلا إذا رأيته في مكان عمله. وقد كان حظي سعيداً بأن أعرفه في هذا المكان .. صيدلية السلام التي أفنى عمره فيه. هي صيديلة كبيرة الحجم، عظيمة السمعة. وقف فيها مؤسسها وصحابها لأخر نفس من عمره كي يبيع الدواء ويعالج الغلابة. كانوا يفدون من المحلة ومن المراكز والقرى المجاورة لكي يكشف على جلدهم ويعطيهم الدواء الجاهز أو التركيب. كان عبقرياً في علاج الأمراض البسيطة للجلد، مثل الجرب. معظم أمراض الغلابة بسيطة مثل حياتهم. الجرب منتشر في مصر بسبب تخلف نظامها الصحي الوقائي الذي يقتضي حداً أدنى من مستوى النظافة لا يمكن أن يتحقق بدون تلاحم عادات النظافة مع القدرة على امتلاك أدواتها. كان الدكتور/صيدلي مرقص يمارس التطبيب إذن في مخالفة للقوانين الحديثة والمتخلفة في أن واحد التي فصلت بين مهنتي تشخيص المرض وتوفير العلاج. انتمى مرقص لنموذج الحكيم القديم الذي كان يشخص المرض ويعطي الدواء في ذات الوقت. كان مرقص إذن حكيما يتخفي وراء نظارة دكتور/صيدلي. ولأن مهنة الحكيم انتهت في مصر لصالح مهنتي الطب والصيدلة أصبح على الحكماء أن يتخفوا لأن بعض هناك أصحاب مصالح يحاربون الحكمة والحكماء كما الوباء.

ظلت صيدلية السلام تقاوم التغيير الذي لحق بصناعة وتوزيع الدواء الذي أحال الكثير من الصيدليات إلى محلات سوبر ماركت في هيئتها وفي ممارساتها التي قد تنتهي إلى توصيل الطلبات للمنازل. ولأن الدكتور مرقص يعمل بمهنة محاصرة وهي مهنة الحكيم، فقد رفض أن يبيع الدواء بالتلفون. في رأيه أن المريض يجب أن يأتي للصيدلي لأن هذا الصيدلي يعرف أشياءً يجهلها الطبيب. إذا كانت مهنة الحكيم قد تفتت إلى اثنين المُشخص (الطبيب) وموفر الدواء (الصيدلي) فلا يجب على المريض أن ينسى أن الطبيب يعرف عن الأدوية أقل مما يعرف الصيدلي. كان مرقص يرى أن الصيدلي لابد وأن يكون طرفاً في العلاج وليس فقط بائعاً للدواء. خاصة إذا كان الكثير من الأطباء لا يراعون الظروف المادية لمرضاهم فيكتبون لهم أدوية غالية بينما بديلها الرخيص موجود. كان مرقص ماهراً في التحايل على شركات الأدوية بوصف الدواء الرخيص بدلاً من الغالي. كان نموذج للصديلي الشعبي الذي يعالج الفقراء بعض أمراضهم عنده. خاصة هؤلاء الأميين الذين يأتون للحصول على دواء استخدموه من قبل ولكن لا يعرفوا اسمه. ما عليهم إلا أن يصفوا للدكتور مرقص مرضهم ولون وشكل الحبوب التي تعاطوها لكي يفوزوا بعلبة الدواء التي لن يعرفوا لها أسماً أبداً لأن الأدوية لها أسماء لاوندية لن يعرفها إلا المتفرنجين.
مكان عمل مرقص مندمج في محيطه بشكل كامل. مكان بسيط، نظيف، جيد التهوية الطبيعية بالفتحات والمراوح. من يفتح مكان عمله للغلابة ليس بإمكانه إلا الحفاظ على البساطة، لأن الغلابة يشعرون بالرهبة في الأماكن الشيك. لا رهبة إذن بين الحكيم مرقص وجمهوره. إنما احترام وحب تقديراً لخدماته وخدمات العاملين في صيديلته. وكان إسم الصيديلية أبلغ وصف لعلاقة الصيدلي بمحيطه، "السلام". فهو لم يكن باحثاً عن المشاكل. ولأني من جيل تربي في ظل كراهية المثقفين لكلمة "السلام" فقد كان وقع اسم الصيدلية علي مختلفاً. سألته مؤخراً لماذا سميتها "السلام"، فقال لي أن السلام كان الشعار الذي ساد في الحركات الشبابية التي نشط بها اليسار في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ولأن اليسار المصري كان قريباً من الأوروبي في تلك المرحلة كان من الطبيعي أن تكون كلمة السلام ذات وقع حسن على أذن هذا الجيل. خسارة أن هؤلاء يرحلون. ولكن العزاء أن الشعار الذي رفعوه في الخمسينيات انتشر كالنار في الهشيم منذ السبعينيات. بحيث أصبح السلام هو تحية المصريين الأولى اليوم. معظم المسلمين يقولون السلام عليكم وكثير من المسيحيين يقولون السلام لكم. إجماع على السلام بالرغم من المنافسة الطائفية – التي تتجاوز قدراتي على الفهم - بين أن يحل السلام علينا أو أن يأتي لنا. الشعب يريد السلام ولكن النخبة تلعن السلام. السادات جرح كلمة السلام لدى النخبة لأنه استخدمها في غير موضعها. نحن لم نوقع اتفاق سلام مع إسرائيل وإنما اتفاق هدنة. خطيئة السادات الكبرى كانت النصب. الشعب كان يريد السلام ولكن الظروف لم تكن تعطي أكثر من هدنة. فلماذا قال لهم أن الهدنة هي السلام؟ ولماذا لم يخرج أنصار السلام لكي يدافعوا عن شعارهم ضد تزويره؟ أنخجل من كلمة السلام وهي الكلمة الاولى المحببة عند الناس؟
سلام لمن تمسك بشعار السلام ووضعه إسماً لمشروع صغير في الحجم ولكن عظيم الفائدة والعطاء للناس، وسلام لمن فهم أن السلام منهجاً للحياة وليس كلمة تقال بدون عمل، سلام للدكتور مرقص يوسف أبو سيف. وتمنياتي أن يظل شعار السلام أعلى يافطة الصيدلية التي أسسها والتي انتقلت مسئوليتها لزوجته المحاسبة وبنته وزوجها الصيادلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة