الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعوم تشومسكي: عن الأناركية، الماركسية، وآمال المستقبل (2)

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2008 / 8 / 10
مقابلات و حوارات


نعوم تشومسكي معروف على نطاق واسع بانتقاده للسياسة الخارجية الأمريكية، وكذلك بعمله كعالم لغويات ولسانيات، وهو معروف على نطاق أضيق بتأييده المستمر لأهداف الاشتراكيين الليبرتاريين libertarian socialists.
وفي مقابلة خاصة مع مجلةRed and Black Revolution ، يقدم تشومسكي آراءه عن الأناركية وعن الماركسية، وخيارات الاشتراكية وفرصها اليوم. وقد أجرى معه هذه المقابلة في مايو 1995 الكاتب كيفن دويل Kevin Doyle . ....

(متابعة)
- الثورة الإسبانية –

س : في الماضي، عندما كنت تتحدث عن الأناركية، كنت تؤكد عادة على نموذج الثورة الإسبانية. وبالنسبة إليك يبدو أن هناك جانبين لذلك النموذج. فمن ناحية، تقول أن تجربة الثورة الإسبانية هي نموذج جيد على "الأناركية في الممارسة"، ومن ناحية أخرى، تؤكد أيضاً أن الثورة الإسبانية هي مثال جيد على ما يمكن للعمال تحقيقه من خلال جهودهم باستخدام "الديمقراطية التشاركية". فهل هذان الجانبان – الأناركية في الممارسة، والديمقراطية التشاركية- وجهان لعملة واحدة بالنسبة إليك؟ هل الأناركية هي فلسفة عن قوة الجماهير؟

** تشومسكي : لا أميل إلى استخدام تراكيب خيالية متعددة المقاطع مثل "فلسفة philosophy" للإشارة إلى ما يبدو حساً مألوفاً عادياً. كما أنني لا أرتاح إلى الهتافات. إن إنجازات العمال والفلاحين الإسبان، قبل سحق الثورة، كانت مثيرة للإعجاب من نواح كثيرة. ومصطلح "الديمقراطية التشاركية" هو مصطلح جديد، تطور في سياق مختلف، ولكن هناك نقاط تشابه بالتأكيد. أعتذر إذا بدا ذلك مراوغة. إنه كذلك، ولكن لأنني لا أعتقد أن أياً من فكرتي الأناركية أو الديمقراطية التشاركية هو واضح بما يكفي للإجابة عما إذا كانا يعنيان الشيء نفسه.

س: واحد من أهم إنجازات الثورة الإسبانية كان درجة الديمقراطية القاعدية التي تم تحقيقها. ويقدر عدد الناس الذين شملهم الأمر ب3 مليون شخص. وكانت إدارة الإنتاج الريفي والمدني يتولاها العمال بأنفسهم. هل من المصادفة برأيك أن الأناركيين، المعروفين بدفاعهم عن الحرية الفردية، قد نجحوا في مجال الإدارة الجماعية؟

** تشومسكي : ليست مصادفة بالمرة. إن النزعات التي كنت دائماً أجدها الأكثر إقناعاً وجاذبية في الأناركية هي تلك التي تسعى إلى مجتمع منظم بشكل كبير، تتكامل فيه أنواع كثيرة ومتنوعة من التراكيب (الورشة، المجتمع، وأشكال أخرى متعددة من الاتحاد الطوعي voluntary association) ولكن يتحكم فيها المشاركون بها، لا أولئك الموجودون في موقع إعطاء الأوامر (مرة أخرى باسثتناء الحالات التي تكون فيها السلطة مبررة، كما في بعض الحالات الطارئة).

- الديمقراطية –

س : الأناركيون عادة يبذلون جهداً كبيراً في بناء الديمقراطية القاعدية grassroots democracy. ويتم اتهامهم غالباً بأنهم "يذهبون في الديمقراطية إلى المغالاة"، ومع هذا فكثير من الأناركيين قد لا يوافقون بسهولة على اعتبار الديمقراطية مكوناً مركزياً في الفلسفة الأناركية. فالأناركيون غالباً ما يصفون سياساتهم بأنها متعلقة "بالاشتراكية" أو متعلقة بالفرد"- ومن النادر أن يقولوا أن الأناركية معنية بالديمقراطية. هل توافق على أن الأفكار الديمقراطية هي خاصية مركزية في الأناركية؟

** تشومسكي : إن انتقاد "الديمقراطية" عند الأناركيين كان في العادة انتقاداً "للديمقراطية البرلمانية"، إذا أن هذه الديمقراطية قد ظهرت في مجتمعات ذات خصائص قمعية. خذ الولايات المتحدة مثلاً، والتي منذ نشأتها كانت حرة وديمقراطية. إن الديمقراطية الأمريكية قد تأسست على المبدأ الذي أكده جيمس ماديسون في الاجتماع الدستوري سنة 1787، وهو أن الوظيفة الأساسية للحكومة هي "حماية الأقلية الأغنياء من الأغلبية"، ولذلك فقد حذر من أنه في إنجلترا، التي هي النموذج شبه الديمقراطي الوحيد اليوم، إذا ما أتيح لعامة السكان أن تكون لهم كلمة في الشؤون العامة، فإنهم سيطبقون الإصلاح الزراعي أو أعمالاً وحشية أخرى، وأن النظام الأمريكي يجب وضعه بعناية لتفادي مثل تلك الجرائم ضد "حقوق الملكية" التي يجب حمايتها (في الواقع، يجب أن تسود). إن الديمقراطية البرلمانية في هذا الإطار تستحق بالفعل انتقاداً حاداً من التحرريين الحقيقيين، وقد أغفلت هنا العديد من الخصائص الأخرى التي تكاد تكون عبودية- غير ملحوظة لأذكر واحدة فقط، وكذلك عبودية الأجور التي أدينت بشكل لاذع من قبل الشعوب العاملة التي لم تسمع أبداً بالأناركية أو بالشيوعية خلال القرن التاسع عشر فما قبله.

- اللينينية –

س : إن أهمية الديمقراطية القاعدية في تحقيق أي تغيير ذي معنى في المجتمع يبدو أنها توضح نفسها بنفسها. ومع هذا فقد ظل اليسار ملتبساً وغامضاً حول ذلك في الماضي. وأنا أتحدث بشكل عام، عن الديمقراطية الاجتماعية، ولكن عن البلشفية أيضاً، وهي تقاليد اليسار التي يبدو أنها أقرب إلى التفكير النخبوي منها إلى الممارسة الديمقراطية الدقيقة. لينين، كي نتحدث عن نموذج معروف جداُ، كان متشككاً في أن العمال قد يطورون أي شيء أكثر من تطوير "وعي اتحادات العمال" وهو ما قصد به -كما أفترض- أن العمال لن ينظروا أبعد من مأزقهم الوقتي. وبطريقة مشابهة، كانت للاشتراكية الفابية باتريس ويب (نسبة إلى الجمعية الفابية في إنجلترا، المترجم) والتي كانت شديدة التأثير في حزب العمال في إنجلترا، وجهة النظر بأن العمال كانوا مهتمين فقط "باحتمالات سباقات الخيول".
فكيف تنشأ هذه النخبوية، وما الذي تفعله في اليسار؟

** تشومسكي : إنني أخشى أن من الصعب علي أن أجيب على هذا السؤال. إذا كان المتعارف عليه أن يتضمن اليسار "البلشفية"، عندها سأعزل نفسي من اليسار بشكل قاطع. لقد كان لينين واحداً من ألد أعداء الاشتراكية، برأيي، لأسباب ناقشتها سابقاً. إن فكرة أن العمال يهتمون فقط بسباقات الخيول هي سخف لا يمكن أن يتماشى حتى مع نظرة سطحية إلى تاريخ الحركة العمالية أو الطبقة الضاغطة من العمال النشطاء والمستقلين، والتي ازدهرت في أماكن كثيرة، بما فيها الأحياء الصناعية في إنجلترا الجديدة التي لا تبعد أميالاً كثيرة عن المكان الذي أكتب منه، ناهيك عن السجل الملهم لكفاحات الناس المضطهدة والمقموعة عبر التاريخ، وحتى هذه اللحظة. خذ الزاوية الأكثر بؤساً في هذا النصف من الكرة الأرضية : هاييتي، التي يعتبرها الغزاة الأوروبيون مثل الجنة والتي تشكل مصدراً لجزء غير قليل من ثروة أوروبا، والتي أصبحت الآن محطمة، وربما لا يمكن علاجها. في السنوات القليلة الماضية، وتحت ظروف بائسة إلى درجة أن قليلاً من الناس في الدول الغنية يمكنهم تصورها، قام الفلاحون مع سكان الأحياء الفقيرة جداً في هاييتي بإنشاء حركة ديمقراطية شعبية تقوم على تنظيمات قاعدية تتفوق على أي شيء أعرفه في أي مكان، وفقط المأجورون بشدة هم الذين لن يتداعوا من السخرية عندما يستمعون إلى التصريحات الجدية للمثقفين والزعماء السياسيين الأمريكيين عن أنّ على الولايات المتحدة أن تعلم الهاييتيين دروس الديمقراطية. إن إنجازات الهاييتيين كانت كبيرة ومفزعة للأقوياء إلى درجة أنه كان علي الهاييتيين أن يتعرضوا إلى جرعة أخرى من الإرهاب الفظيع، المدعوم بقوة من الولايات المتحدة أكثر مما يعلن عنه، وهم لم يستسلموا حتى الآن. إذاً هل هم مهتمون فقط بسباقات الخيول؟

تحضرني هنا بعض الأسطر التي اقتبستها من روسو أحياناً : " عندما أرى حشوداً من البدائيين العراة كلياً يحتقرون شهوانية الأوروبيين، ويتحملون الجوع، والنار، والسيف، والموت فقط ليحافظوا على استقلالهم، أشعر أنه لا ينبغي على العبيد أن يفكروا في الحرية".

س: بالحديث مرة أخرى بشكل عام، فإنك في أعمالك "ردع الديمقراطية Deterring Democracy"، "اوهام ضرورية : الهيمنة على الفكر في المجتمعات الديموقراطية Necessary Illusions: Thought Control in Democratic Societies" وغيرها، قد تعاملت باستمرار مع شيوع الأفكار النخبوية ودورها في مجتمعات كمجتمعاتنا، وقد جادلت بأنه في ظل الديمقراطية "الغربية" (أو البرلمانية) تكون هناك معاداة عميقة لأي دور أو مساهمة من جماهير الناس، خشية أن يهدد ذلك الدورُ التوزيعَ غير المتساوي للثروة والذي هو لمصلحة الأغنياء. إن عملك هنا مقنع بشدة، ولكن، بوضع ذلك جانباً، فقد صُـدم البعض ببعض تأكيداتك. على سبيل المثال، أنت تقارن سياسات الرئيس جون ف. كندي بسياسات لينين، مساوياً بين الاثنين بطريقة أو بأخرى. وهذا، كما أستطيع أن أضيف، قد صدم المؤيدين لكلا المعسكرين ! هل يمكن أن تفصل أكثر عن صحة هذه المقارنة؟

** تشومسكي : لم أقم فعلياً "بالمساواة" بين مبادئ المثقفين الليبراليين في إدارة كندي بمبادئ اللينينيين، لكنني لاحظت نقاطاً ملفتة في تشابهها- بالأحرى كما تنبأ باكونين قبل قرن من ذلك في تعليقه الإدراكي على "الطبقة الجديدة New Class". على سبيل المثال، لقد اقتبست فقرات من روبرت ماكنامارا (وزير الدفاع الأمريكي في عهد كندي، المترجم) عن الحاجة إلى تعزيز السيطرة الإدارية إذا أردنا أن نكون "أحراراً" حقاً، وكيف أن "ضعف الإدارة" الذي هو "التهديد الحقيقي للديمقراطية" هو اعتداء على المنطق نفسه. قم بتغيير بعض الكلمات في تلك الفقرات وستحصل على المبادئ اللينينية المعيارية. لقد ناقشت أن الجذور هي عميقة، في الحالتين. ومن دون توضيح أكثر عما يجده الناس "صادماً"، لا يمكنني أن أوضح أكثر. إن المقارنات هي محددة، وأعتقد أنها صحيحة وملائمة. وإن لم تكن كذلك، فلابد أنه كان خطاً يهمني أن أتنور بشأنه.
.
.
.
يتبع

النص الأصلي
http://flag.blackened.net/revolt/rbr/noamrbr2.html

موقع المترجم
http://1ofamany.wordpress.com

(الترجمة إلى العربية / محمد عبد القادر الفار)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حجاج بيت الله الحرام يواصلون رمي الجمرات وسط تحذيرات من ارتف


.. حملة انتخابية خاطفة في فرنسا.. وأقصى اليمين في موقع قوة




.. استمرار جهود وحملات الإعمار في الموصل بعد 7 سنوات من القضاء


.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد مع لبنان




.. أطفال غزة يحتفلون بثاني أيام العيد مستذكرين شهداءهم