الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بربرية وأمل في عصر التطرف

رمضان متولي

2008 / 8 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


يوم السبت التاسع من أغسطس حلت الذكرى الثالثة والستين لأكبر جريمة ارتكبت ضد الإنسانية خلال القرن الماضي عندما ألقت الطائرات الأمريكية قنبلة نووية على مدينة ناجازاكي اليابانية بعد قنبلة أخرى ألقتها على مدينة هيروشيما في السادس من أغسطس عام 1945.

آخر إحصائية رسمية لضحايا قنبلة هيروشيما التي أطلق عليها اسم "الطفل الصغير" قدرت عددهم بما يزيد على 240 ألف إنسان منهم 70 ألفا ذابت جثثهم في النار فور إلقائها على المدينة. وبعد ثلاثة أيام كررت الولايات المتحدة الجريمة بإطلاق القنبلة الثانية على مدينة ناجازاكي والتي أودت بحياة 70 ألف إنسان، وقدرت نسبة المدنيين في ضحايا القنبلتين بحوالي 95% ممن فقدوا حياتهم نتيجة الانفجارات، علاوة على الآثار اللاحقة للإشعاع من إعاقة وتشوهات تصيب الأجنة في بطون أمهاتهم.

بررت الولايات المتحدة إلقاء هذه القنابل البشعة على المدينتين بأنه أجبر اليابان على الاستسلام بسرعة ودون شروط في الحرب العالمية الثانية، غير أن أغلب المؤرخين يؤكدون أن إلقاء هذه القنابل لم يكن ضرورة حربية وأن اليابان كانت على وشك الانسحاب أو الهزيمة السريعة خاصة بعد استسلام ألمانيا النازية في الثامن من أغسطس دون شروط.

جاءت هذه الجريمة الأبشع في تاريخ الإنسانية في سياق جريمة الحربين العالميتين الأولى والثانية لتركز الضوء على فظاعة الرأسمالية في صراعها وتنافسها المحموم على مراكمة الثروة وتقسيم العالم إلى مناطق للنفوذ والسيطرة على الأسواق والموارد. وبلغت هذه الجرائم حدود البربرية عندما أدخلت القوى الرأسمالية الكبرى تكنولوجيا الدمار الشامل ساحة الحروب مهدده بذلك وجود الإنسانية وكوكب الأرض ذاته.

تلك الصراعات جعلت من القرن العشرين أكثر القرون دموية في تاريخ البشرية، حيث شهد حربين عالميتين أعقبهما أكثر من 160 حربا أخرى بعد الحرب العالمية الثانية. الضحايا المدنيون في النصف الأول من القرن الماضي كانوا يشكلون حوالي نصف ضحايا الحروب، ولكن بنهاية ذلك القرن المشئوم الذي أطلق عليه المؤرخ البريطاني الكبير إريك هوبسباوم "عصر التطرف" بلغت نسبة الضحايا المدنيين للحرب ما يزيد على 75% من إجمالي الضحايا، خاصة بعد دخول الطائرات والأسلحة الفتاكة وأسلحة الدمار الشامل ساحات المعارك، وأصبح استهداف المدن والبنى الأساسية لها جزءا من استراتيجيات الجيوش المتصارعة.

ورغم هذه الكوارث واعتراف العالم بهذه الجرائم الوحشية تعاظم الرعب النووي، وتطورت القنابل النووية لتصبح أشد فتكا، وتراكمت عددا وانتشرت جغرافيا إلى دول أخرى رغم الاتفاقيات الفارغة حول حظر الانتشار النووي وتفكيك الترسانة النووية وغيرها. انتشر السلاح النووي من أعضاء النادي النووي أنفسهم إلى إسرائيل والهند وباكستان، علاوة على خطط إنتاجها في العديد من الدول التي تتعرض لمخاطر الاعتداء عليها من القوى الكبرى مثل إيران وكوريا الشمالية، أضف إلى ذلك خطط الولايات المتحدة لإنتاج أسلحة نووية تكتيكية للاستخدام "المحدود" مع احتفاظها وتنميتها للترسانة النووية الاستراتيجية القادرة على تدمير الأرض عدة مرات.

وبدأ القرن الحادي والعشرين بحروب أخرى مدمرة في صربيا وأفغانستان والعراق ولبنان أضافت المزيد إلى ضحايا حروب الرأسمالية في عهد أصبحت الحروب فيه أكثر تواترا وتزايدت احتمالاتها على عكس مزاعم أصحاب النظريات الساذجة حول العولمة والسلام الدولي.

في كل حرب كبرى في تاريخ الرأسمالية كان هناك من يزعمون أنها آخر الحروب، حدث ذلك بعد الحرب العالمية الأولى التي شهدت مقتل عشرة ملايين إنسان، ومع ذلك اندلعت الحرب العالمية الثانية والتي بلغ عدد القتلى فيها ما يزيد على 50 مليون إنسان وانتهت بجريمة هيروشيما وناجازاكي لتكشف عن ذروة البربرية والهمجية في عصر الذرة والصاروخ، وردد الجميع نفس النظريات الحمقاء بأن نهاية النازية هي نهاية الحروب، ولكن الحرب الثانية انتهت بوضع الأساس لسلسلة لاحقة من الحروب التي شهدت مقتل ما يقرب من 30 مليون إنسان، وفي حرب فييتنام وحدها قتل 4 ملايين فييتنامي معظمهم من المدنيين و58 ألف جندي أمريكي. وبلغ عدد ضحايا الاعتداء الأمريكي على العراق حتى الآن ما يزيد على مليون ونصف المليون إنسان.

الحروب في ظل الرأسمالية أصبحت صناعة رابحة ورائجة أيضا. حيث اعتمدت القوى الكبرى على صناعة السلاح والحرب في تنشيط الاقتصاد في زمن الركود والأزمات وفي تعظيم أرباح الشركات من تجارة السلاح، علاوة على الاستيلاء على الأسواق الخارجية وفرص الاستثمار والموارد الطبيعية، وتعظيم نفوذها الجيوسياسي من أجل الحصول على فرص أكبر في التجارة العالمية وتراكم رأس المال وأرباح الشركات.

ورغم أن القرن الماضي الذي شهد جريمة هيروشيما وناجازاكي كان بحق "عصر التطرف" وفقا لتوصيف هوبسباوم، فقد كان أيضا عصر الأمل، حيث شهد ثورات كبرى ضد الاستغلال والاستعمار، حتى وإن انتهت إلى الفشل، فقد أشارت إلى إمكانية تجاوز الرأسمالية ووحشيتها لتؤكد على أن البربرية ليست قدرا محتوما على بني الإنسان حتى وإن كانت احتمالا قائما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة