الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوها تشربه!

إكرام يوسف

2008 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


دأبت جدتي ـ ونحن صغار ـ على التفنن في سلبنا مصروف يدنا عبر إعداد أنواع الحلوى المنزلية وبيعها لنا، ضاربة عرض الحائط بحقيقة أن متعة الشراء عندالأطفال تعادل، وربما تفوق، متعة تناول الحلوى نفسها!. وكانت حجتها الدائمة أن الحلوى المصنوعة في البيت مضمونة النظافة وأكثر أمانا.. وأن النقود في أيدي الأولاد تشجعهم على الفساد..ولعلي أكاد أقسم أن هناك صلة قرابة ـ ما ـ بين جدتي وبين حكومتنا الرشيدة. فالتشابه يكاد يكون تاما بين الاثنتين.
حكومتنا المصرية ـ حماها الله ـ منذ أعلنت عن زيادة مرتبات الموظفين بنسبة 30% لا تألو جهدا في ابتداع سبل سلب كل ما في أيدي المواطنين من نقود. ولاشك أنها تؤمن أيضا ـ كجدتي تماما ـ أن النقود في أيدي الشعب مفسدة، ربما تدفعه إلى إنفاقها على التدخين أو الجلوس على المقاهي مع رفاق السوء!.
ويبدو أن حكوماتنا المتعاقبة، توصلت إلى حل عبقري يجعلها تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من ناحية تدبر لنفسها "قرشين" لمواجهة تصاريف الزمان، ومن ناحية أخرى تحول دون تعرض شعبها للانحراف نتيجة زيادة المال في يده!. فهي تتفنن في سبل جباية أموال بمسميات مختلفة لقرارات يتم العمل بها إلى حين جمع ما تحتاجه من أموال، ولا بأس أن يظهر بعد ذلك من يطعن في القرار بعدم الدستورية، ويتوقف العمل به، إلى أن تحتاج الحكومة "قرشين" آخرين... وهكذا، دواليك!
فمن ضريبة التركات والأيلولة، إلى الضريبة على العاملين في الخارج، اللتين تم وقف العمل بهما بعد جباية مبالغ طائلة تحت مظلتيهما؛ إلى مشروع الضريبة العقارية المثير للجدل والذي يبدو أن الغرض منها ألا يشعر المواطن بالأمان لمجرد أنه يسكن شقة امتلكها بتحويشة العمر، ولكن عليه أن يظل دائما شاعرا أنه يسكن عند الحكومة وفي أملاكها وتحت رحمتها، وعليه أن يدفع لها مقابل إيوائه، حتى لوكان بحوذته جميع الوثائق الرسمية التي تؤكد ملكيته لمأوى يستره.
ولعل آخر ما تفتق عنه ذهن حكومتنا، رفع أسعار البنزين على النحو الذي تابعناه جميعا، بداية من اختفاء البنزين 80، ثم تحديد منافذ بيعه في محطات البنزين البعيدة عن وسط المدينة ( بما يجعل من الأوفر على السائقين اللجوء إلى لأنواع الأغلى ثمنا، بدلا من تكلف مشقة الذهاب إلى أطراف المدينة والعودة بما يعني استهلاك البنزين في مجرد "مشوار" الذهاب لـ"تموين" السيارة) ووصولا إلى التلويح باختفاء الأنواع الأعلى سعرا من البنزين،بما يهدد بزيادات مقبلة في الأسعار. وتبع ذلك بالطبع ارتفاع "أجرة" سيارات الأجرة والمايكروباس والمترو، ومضاعفة جرعة "النكد" على المواطنين البسطاء. أضف إلى ذلك "بدعة" قانون المرور الجديد المتمثلة في المثلث العاكس والحقيبة الطبية، التي دفعت كثرا من الخبثاء إلى التلميح بأن الأمر لايعدو كونه"سبوبة" تشبه تلك التي تمخضت عن انتشار عربات "التوك توك" في شوارع القاهرة قبل أن تقلب لها الحكومة ظهر المجن، وتوقف تراخيص تسييرها، وقيل بعدها أن الأمر لايعدو كونه صفقة تم بوجبها تصريف شحنة سيارات من هذا النوع اشتراها "أحدهم"!.
دفعني عجز أشعر به ـ كمواطنة محدودة الدخل ـ إزاء ابتكارات الحكومة "لشفط" كل ما أتحصل عليه من بيع قوة عملي في سوق العمل، إلى تذكر عجزي ـكطفلة محدودة المصروف ـ أمام جدتي .. وشعرت بالندم على أننا ـ كأطفال ـ لم نستطع وقتها أن نتفق على الامتناع عن الشراء منها.. وفكرت في أننا كنا نستطيع ـ بقليل من التفكير ـ ابتداع متطلبات ننفق فيها "المصروف" غير ما تستطيع إنتاجه... بيد أن عقول الأطفال لا تتسع عادة لمثل هذه الحيل.
ولكن بعد أن كبرنا ونضجنا، صار من العيب أن نمتثل لنفس الممارسات عندما تقترفها "جدتنا" الحكومة! وأصبح من الضروري البحث عن وسيلة تليق بكبار ، لا يصح أن يواصلوا حالة الاستسلام الخانع إزاء "جدة" لا تشبع.. تفتق ذهني عن وسيلة متواضعة كبداية لوقف هذا الابتزاز.. أتمنى أن تجد استجابة بعض الشباب أوتشجيعا من نشطاء المجتمع المدني .. وهي بدء حملة لتقليل الاعتماد على وسائل المواصلات الخاصة أو العامة.. والترويج لفكرة السير على الأقدام كلما أمكن واستخدام الدراجات في المسافات الأبعد.. وحبذا لو انضم للحملة بعض أصحاب سيارات الأجرة، فيبيعون سياراتهم ويشترون دراجات لتأجيرها للشباب حتى يمكن توفير البنزين لتشربه الحكومة وتهنأ به! .. وليكن شعار هذه الحملة "دعوها تشربه"! أو "الدراجة هي الحل"!.. ولا شك أن الترويج لاستخدام الدراجات، ستكون له مزايا صحية نعرفها جميعا؛ من استعادة الرشاقة، إلى الحفاظ على حسن المظهر، وتحسن الأداء الذهني والبدني، والتخفيف من التوترات العصبية، فضلا عن الوقوف في وجه الابتزاز الحكومي، وتعويد الناس على أنماط مبتكرة من الاحتجاج الآمن، يمقدور الجميع ممارستها.
هي فكرة، ربما تستحق التفكير، وربما تلهم آخرين بأفكار أكثر جرأة وفعالية..المهم أن نبدأ.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن