الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى محمود درويش: سيأتي الموت ويأخذنا معك

عاصم بدرالدين

2008 / 8 / 11
الادب والفن



لن ينتهي الليل على وقع قصيدة هذه المرة، سيأتي الموت ويأخذنا معك.
الحكاية تنتهي، وتبدأ كما تنتهي.. والرقص الشعري يسرقنا مساءً، ونحن نسير في حزن سريع. وتتربع قصيدتك الأخيرة على كنبة كتاب، كانت تصلي، رأيناها تصلي سلاماً فلسطينياً لإله مجهول. حيفا اليوم، رام الله، وغزة والبروة -وأراضي الوطن المسروقة- سيكتبون قصيدة الرثاء، مطلعها حروف من إسمك منكسة الملامح وخاتمتها دموع علقت بأطراف المسيح المشرد من بحيرة طبريا حين سار عليها، ومتنها غصن زيتون جمع من أسماء الشهداء. وستحزن أقلاماك خجلاً من دموع أمك. وسنأكل من خبز عيونها حتى نثمل للمرة الأخيرة.

ستقول الأيدي، وهي تغرسك في الظل، جرة زيتون أخرى: أنا محمود يا أبي، وتسقط بعدها دموع هذه القصيدة وتنوح تلك كالثكلى أو اليتيمة.. فلماذا تركتني وحيدةً؟
كن أيها الماء وتراً لقصيدته الأخيرة، كن وتراً لحزننا المشبع بالكلمات. أهو القدر؟ وهل بدءنا نؤمن بالقدر؟! هل موتك قدرنا؟ أم موت فلسطين قدرك وحدك-قدرها وحدها-قدرنا وحدنا؟ أحسب أن جسدك لن يبكي حين يرقد في قريتك الأم، أو في الضفة، بل سيلعنهم جميعاً.

أنت منذ الآن غيرك، لكنك غيرهم. وفلسطين لا تشبه أحداً.. إلا ريتا وعيناها العسليتين هكذا نراها ونحبها، وهكذا نحضنها ونقبلها. والسؤال الفصيح البليغ والفارغ الثقيل، في الآن معاً: هل سيبكيك أنبياء غزة الجدد؟ هل سيكون بيت أبي سفيان الجديد، وأهله، متشح بالسواد حين تمر روحك لإلقاء تحية الوداع وأنت تشعر بالخجل لما جاء في مقدمة ابن خلدون؟ أما زلت؟
حاصر حصارك لا مفر.. بالجنون وبالجنون.. ستبكي غزة، لكنهم سيقتلونها ويحرقونها وبرجمونها بالنار لأنها زانية! وإلا فكيف ستمتلأ جهنم ربهم؟

كم وددت أن أخنق الموت، وأشرده، وأطرده.. ونسكر بعدها لأننا هزمناه، ونقول في سرنا: ربحنا لأول مرة. ونتذكر ساعتئذ كم خسرنا وفقدنا، فتهرب سكرتنا وتتوه نشوتنا منا في دائرة الهزيمة الكبرى... بحنق وغضب وجزع نقول: خسرنا كل شيء، خسرناك، أتدري؟ لم نكن نعرف أنك تموت، لم نكن نحسبك تموت مثلنا! لما تموتون فجأة؟ لتدخلون الحيرة إلى نفوسنا كأن موتكم قصيدة طويلة مبطنة المعاني؟ موتك قصيدة انكسار.

لن نكون في فلسطين، لن نبكي مع الأسماء، ولن نضع وردة على قبرك، ولن نقرأ القصيدة الأخيرة إلا صوراً جامدة.. لكننا سننظر إلى السماء ونقول له، هو الجالس على عرش قدرنا(!): لا تعتذر عما فعلت! بلى إعتذر.. لا لا تفعل.. هل قرأت القصيدة؟.. لماذا لا تجيب؟!

تموت حياً؟.. ام تحيا ميتاً؟.. سؤال القصيدة يمزق جلدنا ويخرق ذاتنا.. لكن، مع ذلك، فهذا أفضل.. لأن الشك وحده، فإسمعوا يا أبناء اليقين، الشك وحده سيعيد إلينا حرية الوطن والقصيدة والشعر. وهو نفسه سيأخذك قصيدة بشرية إلى جنة طفولتك في بيتك القديم لتلهو في حقول البرتقال... حتى ذلك الوقت، ذلك اليوم، ونخاله حلماً مستحلاً كعودتك من الموت: سنعيد قراءتك، فأنت منذ الآن غيرك، ووقع أخر للكلماتك سيأسرنا.

السؤال الأخير، في ليلة الأسئلة الكبرى، لك وحدك لتجيب عليه أو كما تشاء افعل: إذا كنت شاعر القضية ومت وخسرناك، فماذا عن القضية وشعبها وأرضها؟!
لن ينتهي الليل على وقع قصيدة هذه المرة، سيأتي الموت ويأخذنا معك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس