الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزمي بشارة ليس عميلاً

رجا زعاترة

2004 / 2 / 3
القضية الفلسطينية


نشرت مؤخرًا صحيفة "معاريف" الإسرائيلية تحقيقًا تناوَل ما كان معلومًا منذ أمد ليس بقصير، لنا بين الجماهير العربية الفلسطينية داخل اسرئيل ولعدد لا بأس به من المثقفين والصحافيين في الدول العربية وخارجها، وهو أن زعيم حزب "التجمع" في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، الدكـتـور عزمي بشارة، كان يجتمع بتواتر الى شخصيات أمنية وحكومية إسرائيلية، قبل وبعد رحلاته الى سوريا، وأنه قام بتأدية مهمة نقل رسائل من الحكومة الإسرائيلية الى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.

 

ليس من الخفي أنه حينما يغادر اسرائيل أي مواطن اسرئيلي، كبشارة وسواه، متجهًا الى سوريا، لا بد أن تكون السلطات الأمنية الإسرائيلية على دراية بأمره مسبقًا، وأنها إذا لم تمنع المواطن من السفر، تكون تلك الجهات "راضية" عنه وعن سفرته، وأصبح الآن واضحًا أن دور تلك الجهات لم يقتصر على المعرفة والرضى فحسب، بل أن هذه الإجتماعات، التي كانت تجري بسرية تامة في المنازل بعيدًا عن المكاتبية والضجيج الإعلامي، كانت تُرسم فيها خطوط على مناديل الصفرة.

 

عزمي بشارة (الذي كان تبوأ منصب "أول مرشح عربي لرئاسة حكومة اسرائيل") ليس عضو الكنيست العربي الأول الذي سافر الى سوريا، فقد سبقه الى هذا عضوي الكنيست السابقين عبد الوهاب دراوشة (الذي ترعرع في حزب "العمل" الصهيوني ثم أسس "الحزب العربي الدمقراطي") وصالح طريف (وهو عربي درزي وصل الى رتبة عالية في الجيش الإسرائيلي وأدرج ضمن حزب "العمل" في الكنيست وتبوأ هو الآخر منصبًا مهتوكًا وهو "أول وزير عربي في دولة اسرائيل" في حكومة شارون الأولى، وأدين مؤخرًا بقضية رشوة).

 

ولا جديد في كل هذا، الجديد كله يختزل في اتِّساع دائرة العالمين بالأمر، وفي وصول هذه الأنباء الى من لم يكن يعرف ذلك من قبل في العالم العربي، ما عنى إضطرار بشارة الى شحذ إمكاناته وإتصالاته الإعلامية، بما في ذلك زياراته الأخيرة الى عمان، وتصوير لقاء لقناة "المستقبل" التي يمتلكها من يمتلكها، تمامًا كما حدث عشية الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة، حين صورت له الفضائية إياها عدد لا بأس به من اللقاءات تمامًا بعد أن أجازت محكمة العدل الإسرائيلية ترشيحه، بعد سلسلة من الغمزات واللمزات من شاكلة نشوئه "من قلب الكينونة الإسرائيلية" أو مفاخرته بنشاطه البرلماني "الإندماجي" وتأكبده أن "رمي الحجارة مرفوض كليًا" وما شابه من تصريحات مشبوهة المغزى.

 

عزمي بشارة ليس عميلاً، هذه هي الحقيقة التي يجب ألاَّ تغيب عن خلفية نقاشنا مع هذا الشخص. فرغم كل النقاش معه ومع نهجه، نحن لا نزال نعتقد – أو على الأقل نريد أن نعتقد – أن نواياه ليست سيئة، وأنه يريد أن يخدم القضية حقًا، وأنه يمتلك طاقات قد تكون مفيدة إذا وظَّفها في الإتجاه الصحيح، لا نزال نريد أن نتعامل معه على أنه شخصية وطنية.

 

نيَّة المساهمة في إحقاق التسوية العادلة بين إسرائيل وبين الشعب الفلسطيني والدول العربية موجودة في قلوبنا جميعًا، ولكن في السياسة - أيضًا -  الأمور لا تحسب هكذا، فلعب دور "جسر السلام" الذي صاغته المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية في العقد الأخير لجماهيرنا ولمُنتخَبيهم في الداخل لا يخدم القضية، وإيصال رسائل أو مناديل من أي حكومة اسرائيلية الى أي نظام عربي ليس مهمة وطنية، ولكنها في حالة بشارة ليس نقيض الوطنية أيضًا (أي العمالة)، وإنما هي حالة مؤسفة من النرجسية وفقدان البوصلة، فحين يكون أنفك أقصى عقرب بوصلتك تكون ماضٍ حتمًا في طريق اسمها الإنتهازية.

 

لن تسعف بشارة بياناته المطولة ومحاولاته المستميتة لحفظ ما تبقى من ماء وجهه في العالم العربي، فغمغمة المسألة تحتاج هذه المرة الى ساحرًا وليس الى فيلسوفًا، وكما يقال في الإمكان خداع الجميع لبعض الوقت، ويمكن خداع البعض كل الوقت ولكن من غير الممكن خداع الجميع طوال الوقت. وحين يلجأ السياسي الى الخداع لتبرير أفعاله وأقواله يكون قد إقترب من حافة الهاوية، ويكون تمسكه بالحافة لونًا آخرًا من ألوان الإنتهازية.

وهذا هو عزمي بشارة، إنه ليس عميلاً، إنه مجرَّد شخص إنتهازي..

أكثر من ذلك: السؤال الحقيقية هو ليس وطنية بشارة أو عدمها، بل هو قدرتنا على الفرز (أو عدمها).

 

* كاتب فلسطيني من مدينة حيفا

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام