الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كركوك .. العقدة و الحل

طلال احمد سعيد

2008 / 8 / 11
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


كركوك مدينه متعددة القوميات و الاعراق , يعيش فيها الكورد و العرب و التركمان والاشوريين و الكلدان والارمن وسواهم , وتوصف كركوك بالعراق المصغر, ويطلق عليها كذلك اسم مدينه التآخي , فالتنونع السكاني فيها يلمسه كل من يدخلها ويتجول في احياءها , حيث ترد سمعه لغات عديدة تختلف بين محلة واخرى وبين شارع وآخر , وهي بذلك تشبه الموانىء و المدن السياحيه و الحدودية التي يفدها اناس كثيرون من جنسيات و اعراق مختلفة .
كركوك هي عقدة مواصلات مهمة بين شمال العراق ووسطه وجنوبه , فكل من يتوجه الى المنطقة الشمالية لابد ان يدخل كركوك ليأخذ طريقه الى اربيل او السليمانيه . وتعتبر كركوك من حيث التسلسل المدينه الرابعه في العراق , ويقطن المدينه حوالي مليون نسمه حسب اخر تقدير للسكان جرى عام 2003 (وهو ليس احصاءا رسميا) .
كركوك مدينه يسودها الهدوء ولم تشهد اعمال عنف سوى احداث عام 1959 والتي حصلت بسبب احتقانات سياسية اعقبت ثورة 14 تموز 1958 , وبعد عام 2003 اصبحت المدينه زاخرة باعمال العنف والمتفجرات والاغتيالات شأنها شأن بقيه مدن العراق .
كركوك مدينه منتجه ومصدرة للنفط , وهي تصدر الان بحدود 400الف برميل يوميا عبر الاراضي التركيه , ويظهر ان هذه الثروة بحسابات اليوم الذي ارتفعت فيه اسعارالبترول اصبحت تشكل بعدا جديدا للصراع الدائر حول مستقبل المدينه .
لم تكتسب كركوك هوية قومية مميزة , فمنذ العهد الملكي ظلت المدينه بلا هوية فهي ليست كورديه وليست عربيه وليست تركمانيه , وكان البعض من سكانها يتلقب بلقب ( كركوكلي ) اشارة الى انه من ابناء هذه المدينه . وقد نالت كركوك القسط الاوفر من شرور النظام السابق فتم اضطهاد الكرد و التركمان واجبر الكثير منهم على الرحيل من المدينه انذاك .
بعد سقوط نظام البعث كانت كركوك احدى البؤر الساخنه التي تستدعي المعالجة و الحل , وكما ثبت فأن قوات الاحتلال والادارة المدنيه للعراق لم يكن لديها اي تصور لحل المشكلة , والتي تتلخص في اعادة تطبيع المدينه ودعوة المهجرين منها الى العودة , لذلك سرعان مابرزت على السطح مسألة الهوية فظهر من يدعي ان المدينه كورديه وهناك من يقول انها تركمانيه واخر يقول انها عربيه , وكانت امام الاحزاب الكورديه فرصة جديدة للتمسك بهوية المدينه بعتبارها كرديه لاعتبارات تاريخيه وجغرافية , وعلى هذا الاساس دخلت مشكلة كركوك ضمن قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية , الذي شرعه مجلس الحكم في شباط 2004 , وتناولت المادة (58) من ذلك القانون بكثير من الاسهاب قضية المدينه , ورسم جملة من المباديء و الافكار التي يستحيل تحقيقها ضمن الظروف والتداعيات التي سيطرت على البلاد بمجملها .
بعد اقرار الدستور الدائم تناولت المادة (140) منه معالجة الامر بألاشارة الى ضرورة قيام السلطة التنفيذية بأتخاذ الخطوات لاستكمال متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة , الذي اشرنا اليه , وحددت المادة (140) موعدا لانجاز عملية التطبيع و الاحصاء والاستفتاء
بتاريخ 31-12-2007 , وهذا الموعد تم تمديده سته اشهر باتفاق كل الاطراف , الا انه ثبت استحالة القيام بالخطى المرسومة له ضمن تلك المدة , وقد اعتبر البعض ذلك سقوطا للمادة (140) برمتها .
انما يحصل الان على الساحة العراقية من صراعات قوميه مكشوفة جرت العراق الى انقسامات جديدة , وهو انعكاس للمنزلقات التي قادنا اليها دستور البلاد , والذي ثبت بمالايقبل الجدل انه دستورا ملغوما , اعد وفق صفقة سياسية بين اطراف معروفة , صارت مكشوفة تماما امام ابناء هذا الشعب . لقد قلنا منذ اللحظة الاولى ان مسألة الاقاليم و الفدراليات اوصاف لانماط حكم بعيدة كل البعد عن العراق , فالاقاليم تطبق في البلاد ذات المساحات الشاسعة مثل الصين وروسيا والهند ونيجيريا , اما العراق فهو بلد صغير لايحتاج الى اقامه الاقاليم , انما يحتاج الى مجالس محافظات تتمتع بصلاحيات اوسع لادارة شؤون المحافظة مع الاحتفاظ باهميه السلطة المركزية للبلاد , وهذا ينطبق على الفدرالية التي تتطلب شروطا بعيدة عن تركيبه العراق ارضا وشعبا واقتصادا , عدا منطقة كوردستان التي مارست حكما فدراليا منذ عام 1992 لذلك فان استمرار ذلك النمط من الحكم ممكن سيما ان المنطقة تتمتع بمواصفات الفدراليه من حيث اللغة المشتركة و التاريخ المشترك و الجغرافيا . ومن المؤسف ان نشير هنا ان فدرالية كوردستان قد تحولت الى كونفدرالية , وان الاخوة الكورد يطمحون بالتوسع كمؤشر يثير الكثير من النعرات القوميه والحساسيات لدى القوميات الاخرى المتأخيه في هذا الوطن .
لاشك ان ثمة مؤشرات كثيرة , باتت تكشف عن ان الصراع القومي اخذ ثقلا جديدا في حومة الصراعات التي يخوضها العراق منذ عام 2003 , والغريب في الامر عندما نشاهد احزاب طائفية تتنازل لاحزاب قوميه وتعقد معها الصفقات , وقد تتكشف في القريب صفقة من هذا النوع بين الطائفيون والقوميون تنطوي على مشاريع لتقسيم العراق . مثل هذه الصفقة سوف تعرض البلاد الى شر مستطير .
لقد افرزت كركوك حاله من عدم التوازن بين القوى السياسة , واكدت على هشاشه العملية السياسية وفشلها , كما اكدت على فشل البعثات الدولية التي لم تتمكن للتوصل الى صيغ توافقية ترضي كل الاطراف , ومن الجدير بألذكر هنا ان اطرافا عديدة طعنت في حيادية ممثل الامين العام للامم المتحدة , وهذه ظاهرة قلما تحدث في العالم , وهي تؤكد عمق المشكلة وتداعياتها الكبيرة . هذا الوضع المعقد يستدعي التروي والحكمة , في ايجاد السبل الكفيلة لحل النزاع والتوصل الى صيغه ترضي الجميع , وتجنب البلاد المزيد من التوترات . ولقد اصبح واضحا ان التحدث بالديمقراطية لايكفي لحل المشاكل انما ينبغي توفير المناخات التي تساعد الفكر الديموقراطي على التفاعل مع المشكلات القائمة وتساعد المواطن على التعبير عما يريد في ظل اجواء من الحريه والشفافيه .
ان اهالي كركوك عليهم ان يتوصلوا الى حل ديموقراطي علماني واقعي , بعيدا عن الموثرات الدينيه و الشوفينيه وبعيدا عن التدخلات الخارجية , ولتكن كركوك فعلا موطن التآخي العراقي وليتمسك شعبها بشعار الحياة و الحرية للجميع دون تميز .
ان افضل الحلول للمشكلة هي اعطاء المزيد من الوقت لعملية التطبيع واجراء حوار مكشوف بين مكونات المدينه في جو من الثقة المتبادلة واحترام الاخر وخلال هذه الفترة يجب ان تتمتمع كركوك بمرحلة انتقالية قد تتطلب وقتا اضافيا لتهدئه الامور ضمن شعار السلم والتآخي من اجل حياة ومستقبل افضل للمدينه ضمن عراق ديموقراطي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر