الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سينما سورية جديدة (7): عوض القدرو.. يعرض السينما ويحلم بصناعتها

بشار إبراهيم

2008 / 8 / 13
الادب والفن


كلنا نحب «ألفريدو»، ولكن يبدو أننا لا نريده، وربما لا نؤمن بثقافته، ولا بعشقه الهائل للسينما، ولا نصدقه، أو لعلنا نصدقه، ولكن على استحياء!.. بل أن الكثيرين، من مثقفينا، لا يستطيعون حتى الآن رؤية فيلم «سينما باراديسو» الرائع، للمخرج جوسيبيه تورناتوري، إلا باعتباره فيلماً من هناك؛ فيلماً من تلك القرية الإيطالية الوادعة، وعن ذاك العارض السينمائي الذي مضى، منطوياً على حبه الهائل للسينما، وعلى رقته العالية، التي يفتقدها متأنقو الثقافة، ومرتادو المقاهي الثقافية، والجلسات المليئة بالإدِّعاء..
احترق «ألفريدو»، ومات، من بعد، ومع ذلك يبدو أنه لم يقدر على إقناع البعض، أن العارض السينمائي ليس شأناً مرذولاً، وليس قدره الحتمي يتمثل في أن يبقى في تلك الغرفة الصغيرة، المعتمة الخانقة، المترعة بالحرارة والكمد، على الرغم من أنها الغرفة ذاتها التي تفتح العوالم الشاسعة أمام المشاهدين، فمنها تنطلق صور الحكايات الشيقة ومشاهيرها، والنجمات الرائعات وألقهن، وبدونها تنطفئ الظلمة على ظلام أشد قتامة..
ترى كم من المثقفين، أو على الأقل، كم من السينمائيين، مخرجين ونقاداً، فكرواً للحظة واحدة بالجلوس إلى عارضي السينما في سوريا.. ليس عوض القدرو، فقط، بل لكل من نبيل المصري، أو سعيد سعيد، أو رفيق زبداني؟.. بل من تراه حاول معرفة ما يدور في مخيلات هؤلاء العارضين، من أحلام ومشاعر وطموحات، وهم يرون أفلام السينما تتدفق من بين أيديهم، حتى ليكاد واحدهم يعرف الفيلم السينمائي كادراً كارداً، إن لم نقل بلغة اليوم (فريم فريم)؟.. ومن تراه حاول، ولو عابراً، استكشاف كم يختزن هؤلاء من معرفة ودراية وثقافة بالسينما وأفلامها ونجومها وحكاياتها؟..
كأنما العارض السينمائي أقل شأناً، على الرغم من أن شخصية «ألفريدو» حصدت كل إعجاب، وصارت مثالاً.. وعلى الرغم من أن مخرجاً من طراز مصطفى العقاد، سوف يعترف أنه أحب السينما عن طريق العارض «جان فاليدوس»، العامل في إحدى صالات حلب، والذي خلق لديه فرصة الاطلاع على آلية عرض الفيلم السينمائي.. دون أن ننسى، طبعاً، أن الراحل تحسين قوادري، الذي أسس وخلق وصنع سينما القطاع الخاص في سوريا، منذ العام 1964، والذي أسس ورئس غرفة صناعة السينما والتلفزيون، وأنتج أهم وأبرز أفلام سينما القطاع الخاص في سوريا، إنما هو أصلاً عارض سينمائي، ما اكتفى بوهم أن مهمة العرض السينمائي هي مجرد مهنة للتعيش والتكسب، بل هي بوابة لعشق لا حدود له، فانتقل من الغرفة الضيقة إلى العوالم الرحبة، التي أهَّلته بجدارة ليكون علماً في عالم السينما السورية، حتى أصبح اسمه علامة فارقة في تاريخ السينما السورية عنوانها (أفلام تحسين قوادري)، وما ولَّدته من نجوم ونجمات، من أفلام وحكايات، وآثار لن تنتهي أبداً..
أعترف اليوم، دون تردد أو حرج، أن أحد أهم المختبرات التي تمرّ بها معلوماتي، وكتاباتي، بل ورؤاي، إنما من مختبر هؤلاء العارضين المحترفين، الذين يمكن لامرئ ما، أن يمر بهم دون أن يلقي عليهم سلاماً، ودون أن يأبه بحضورهم، على الرغم من أنهم يعيشون عالمهم المذهل، وتشابكاته العجيبة، وتفاصيله الرائعة؛ عالمهم الذي تستطيع اكتشاف بعض ملامحه آن تلقي إطلالة عليه.. ولا أغالي بالقول إنه عالم أوسع من تلك الدول والمدن الموسومة على شهادات بعض المخرجين (الأكاديميين)!..
***
عوض القدرو، عارض سينمائي، وُلد هكذا.. مهنة ربما ورثها عن أبيه، ولكن ثمة ما لم يقنعه بهذا القدر، الذي شاءه البعض له، أو شاءته هذه المهنة له، فهو في وقت أضحى محترفاً ماهراً في الكيفية التي يجعل الفيلم ينهمر على الشاشة، هاطلاً من نور وخيال، وعالماً من الأحلام، كان وما زال لا يكفّ عن التفكير بصناعة فيلمه، الذي يحلم به!..
وعلى الرغم من إخراج عوض القدرو لفيلمين وثائقيين، عن: «حلب»، و«مصطفى العقاد»، بإنتاج المؤسسة العامة للسينما، خلال العامين المنصرمين، في خطوة جريئة من المؤسسة، فإنه ما زال يحلم بصناعة فيلم روائي طويل، غير آبه بالحواجب المرفوعة استغراباً، ولا بالأسئلة المشتعلة استنكاراً..
يبدأ الفيلم الأول الذي حققه عوض القدرو عن مدينة حلب، بمجموعة من منتخبات أبيات من الشعر العربي، على اعتبار أن حلب إنما هي متحف التاريخ، وحديقة آثاره.. وسوف يجري كل ذلك على إيقاع الموسيقى الشهيرة التي وضعها صفوان بهلوان، لقصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري عن دمشق، والتي عُرفت بأن عنوانها «جبهة المجد»!..
يربط الفيلم، عبر استهلالية طويلة (قرابة 5 دقائق) ما بين مدينة حلب ونبي الله إبراهيم الخليل، وما قاله من دعاء لها عند مغادرتها.. ويكاد الفيلم لا يستقيم بحكايته عملياً إلا مع دخول الإسلام إلى حلب، أو منذ الفتح الإسلامي لها عام 16 للهجرة، حيث يدخل أبو عبيدة بن الجراح المدينة سلماً، من باب انطاكية، وسيجري استعراض لأبواب وجوامع ومساجد حلب، واستعراض لتاريخ حلب عبر العصور الإسلامية المتعاقبة، والحضور المسيحي في حلب، والكنائس العظيمة، والتعايش والتآخي والتسامح، ووحدة المنبت للدينين الإسلامي والمسيحي.. فيقتفي الفيلم، عبر ذلك، أثر الخطوات التاريخية التي مرت بحلب، ويكاد يبني قصة مدينة موغلة في التاريخ، على الرغم من النكهة السياحية التي طبعت الفيلم بطابعها، فقدمت شيئاً، وغفلت عن أشياء.
***
عن المخرج الراحل «مصطفى العقاد»، ينسج عوض القدرو فيلمه الثاني، فيما يبدو أنه تكريم له، وتوثيق لمسيرة حياته، عبر صور وشهادات وحوارات، منجزة خصيصاً للفيلم، أو مأخوذة من الأرشيفات، معتمداً على تعليق طويل تتلوه الفنانة منى واصف، بشكل يخترق الفيلم من بدايته إلى نهايته..
يقدم الفيلم فيضاً وافياً من المعلومات التفصيلية عن المخرج مصطفى العقاد، منها ما هو معروف ومتداول، كالقول إنه قد ولد عام 1930 في حلب، وأن والده بكري العقاد، الموظف في الجمارك. وقد درس مصطفى الابتدائية في المدرسة الفرنسية بحلب، وحاز الابتدائية من المدارس الرسمية، بعد الاستقلال 1947، وفق رغبة والده..
ومنها ما يبدو أنه جديد، كالقول إنه قد بدأ حبّ السينما من خلال علاقته الحميمة بجاره العارض «جان فاليدوس»، العامل في إحدى صالات حلب، مما سمح له فرصة الاطلاع على آلية عرض الفيلم السينمائي.. لنعرف بعدها أن مصطفى أخرج وألف المسرحيات خلال دراسته في الكلية العلمية الأمريكية، في المرحلة الثانوية، منها مسرحية «شعلة من الصحراء».. وبعد ذلك راسل جامعات أمريكية، بمساعدة بعض أساتذته، ومن ثم حصل على الشهادة الثانوية عام 1952، وانخرط في العمل في البنك البريطاني بحلب، حتى العام 1954 حينما قرر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واصطحب معه نسخة من المصحف، ودعاء والديه، و200 دولار..
يقدم الفيلم حديثاً مطولاً عن تجربة مصطفى العقاد المثيرة، على صعد الإنتاج والإخراج، والتي بلغت ذروتها في فيلم «الرسالة» اعتباراً من العام 1974، ومن ثم في العام 1980، عندما بدأ تصوير فيلم «عمر المختار»، الذي يروي سيرة المجاهد العربي ضد المحتل الإيطالي، وأصبح عنوان نضال شعوب في سبيل حريتها..
سوف يموت المخرج مصطفى العقاد شهيداً، في انفجار فاجع، قبل أن يتم تكريمه في مهرجان دمشق السينمائي الدولي الرابع عشر 2005، وذلك خلال حضوره عرس ابنته الوحيدة، وحيث قال: «مهما كبر الإنسان، فإن جذوره هي التي صنعته».. ولكن الانفجار اللئيم أودى بحياته وحياة ابنته، وحياة العشرات من الحضور، بعد لحظات من قوله ذلك..
يُسجَّل للمخرج عوض القدرو، هنا، حُسن انتقائه لمقاطع مختارة من الفيلم، والتي جاءت تعبيراً موفقاً عما يريد، مثل اختيار الممثلة إيرين باباس نادبة نائحة، أو صوت أنطوني كوين، قائلاً: «من الأشجع أحياناً أن يموت المرء.. ما ضاع قد ضاع»، وقوله: «نريد أن يذكرنا الأطفال أقوياء واثقين، لا بائسين»، وصورة راف فالون يقدم التحية.. بينما يُؤخذ على الفيلم أو المخرج، أنه اعتمد كثيراً على لقطات ومشاهد من كواليس تصوير (ميكنغ) فيلمي العقاد..
وربما، لا أجد في الختام إلا القول: ما أبأس تلك السينما التي لا يفكر عارضوها بصناعة ولو فيلم واحد، على الأقل!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب