الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سينما سورية جديدة (6): إياس المقداد.. خارج الحب داخل السينما

بشار إبراهيم

2008 / 8 / 12
الادب والفن


في ثالث خطواته السينمائية، يبدو المخرج الشاب إياس المقداد وكأنه لم يقتنع بما كان قد أسَّس له من قبل، فجاء فيلمه الثالث: «آخر مرة»، مختلفاً تماماً عن فيلميه السابقين «خارج الحب»، و«وجوه»، سواء على مستوى البناء الفني، أو الطرح والتناول الفكري، وهو ما يمكن اعتباره ميزة من جهة، وقد يثير الاستنكار من جهة ثانية، لمن شاء!.. خاصة إذا كان الطرح الفكري إشكالياً، والأسلوب الفني مختلفاً..
عادةً، تأتي البدايات متلفِّعة بارتباكاتها وتلعثماتها، وببحث المخرج عن صوته وصورته وحضوره، وبهاجس التميّز بخصوصيته ما، ينفرد بها، وربما على أمل أن يشتهر بها.. وفي وقت يأتي مخرجون من بدايات ضعيفة، ثم ينفرون صاعدين في عالم التألق، يحدث أحياناً أن يُولد المخرج متميزاً مع فيلمه الأول، ثم يذهب في اتجاهات شتى، وقد تكون متفارقة. ليس ثمة قاعدة تحكم هذا أو ذاك، وكل ما جرى عبر التجارب المختلفة لم يصل إلى درجة الحكم النهائي، أو المحدد.
في كل حال، تبقى المقارنة تطلُّ برأسها، آن يحضر الحديث عن هذا المخرج أو ذاك، وعن هذه التجربة أو تلك. المقارنة بين عمل وآخر للمخرج نفسه، أو بين أعمال مخرج وآخر، أسلوب مشروع نقدياً، وهي لا تهدف إلا لتبيان الخط البياني للمخرج، أو للأعمال، والتقاط مستويات التقدم أو التراجع، الاستمرار أو الانعطاف، في مسيرة المخرج.
وجوه
الطريف في الأمر، أن المخرج إياس المقداد، القادم من عالم الرقص التعبيري، بدا مؤكداً على تيمة الأرجل، في محاولة فنية منه لاكتشاف الوجوه، بل وطبيعة الشخصيات، وحالاتها الاجتماعية والفكرية، في فيلمه «وجوه»، إنتاج تجمُّع محور لفنون الأداء، عام 2004، (5 دقائق). صحيح أننا لم نرَ وجهاً واحداً في فيلم عنوانه «وجوه»، لكن الأرجل أو الأقدام دلَّلت على طبيعة تلك الوجوه، ومواقعها الاجتماعية، وانتماءاتها، وحالاتها النفسية..
ننتبه هنا، إلى عدداً من أفلام الشباب السوري اشتغل على موضوعة حذف العين، ومحو لغتها (باعتبار العين مغرفة الكلام)، فضلاً عن التخفّف عموماً، وما أمكن من الحوار، ومن أسماء الشخصيات.. وهو ما يؤشر إلى حالة القطيعة، أو الاغتراب، التي يشعر بها هذا الجيل من الشباب السوري، أو ربما إحساساً منه بلا جدوى الحوار، ولا فائدة الكلام.
وهذا مؤشر خطير ينبغي الانتباه إليه، والعناية به، وكشف مؤسساته ومسبباته، على الأقل من قبل المؤسسات الرسمية، أو غير الرسمية، المعنية بشؤون شباب اليوم، ويهمها مستقبل البلد.. في محاولة للإجابة أو التقاط الدوافع التي تجعل جيلاً من الشباب السوري يفكِّر بهذه الطريقة القاسية، ويغلق الدوائر على شخصياته وخيباتها، حتى يبدو أن لا تواصل، ولا حوار، بين بعضها البعض؟!..
في «وجوه» سوف نرى الأقدام على تنوعها المذهل والمثير؛ الأقدام الفقيرة، والأقدام الطافحة الثراء.. أقدام المصلين في جامع، وقدمي المسيح وقد اخترقتهما المسامير وثبتتهما إلى صليب خلاص البشرية.. الأقدام المنهكة المتعبة، والأقدام الراقية، والأقدام الراقصة المبتهجة بالموسيقى والحياة، والأقدام اللاهية العابثة، والأقدام الشبقة المتمحِّكة، والأقدام العارية..
عالم من الأقدام تتوارى خلفه الـ «وجوه» التي لم تحضر إلا عنواناً للفيلم، وإشارات بعيدة الغور، على التنوع والتعدد في عالم أساسه وميزته هذا التنوع والغنى، وربما لا يستقيم دونه. الجديد في هذا الفيلم أن الأرجل أو الأقدام تصبح هي أدوات التعبير والدلالة، وهذا يمكن أن يصح على أجزاء أخرى من الجسد البشري، على الأقل كما كنا قدر رأينا في الفيلم القصير «أيادينا» للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد.
خارج الحب
«خارج الحب»، إنتاج خاص بالمخرج، عام 2004، (100 ثانية). أداء: لويز عبد الكريم، رامي فرح. هنا ثمة أقل من عشرين لقطة، تشكل مشهداً واحداً يمر أمامنا على الشاشة، في قرابة مائة ثانية من الزمن، يروي حكاية قطيعة فظيعة يعيشها عاشقان في ذروة ما يفترض أن يكون لحظة تواصل حميمي حارق.
الدمعة المنسابة على خذ الفتاة، والنظرات الذاهلة التي يرسلها الشاب، ورماد السيجارة المتهاوي، تعبِّر بقوة عما نراه، بداية، وينتقل بنا إلى أبعد من المشاهدة المباشرة لاستكشاف المتواري والمختبئ خلف ما يدور، تالياً. وهذه من أهم ميزات الفيلم القصير، أو أساسيات بناء القصة القصيرة.
«خارج الحب» نموذج جيد للفيلم الروائي القصير جداً، والذي يقول بقرابة دقيقة ونصف، حكاية كاملة الأركان، معتمداً على التكثيف العالي، والمونتاج السلس، الدالّ من خلال ثنائية الاختفاء والظهور (فيد أوت، فيد إن)، على مرور أزمان لا نراها، ولكننا نشعر بها، وندرك آثارها القوية على الشخصيتين. فما يغيب من فعل عن الشاشة، يحضر بالإدراك والمعرفة، والتخمين والتوقع الأكيدين.
آخر مرة
«آخر مرة»، إنتاج تجمُّع محور لفنون الأداء. عام 2007، (10 دقائق). يقوم على حكاية فتاة (رغده الشعراني)، تقرِّر في كلّ مرة قطع علاقتها بحبيبها (علاء الزعبي)، على الأقل لأنها ترى نفسها منغمسة بالكذب على ذاتها، ولم تعد تستطيع الاستمرار على هذا النحو.. ولكنها تنقاد، كما كل مرة، وربما بسهولة ودون أدنى ممانعة، إلى سرير العشق!..
يعتمد الفيلم على أسلوب التكرار، في بنائه الفني: استعداد الفتاة وتحضرها للموعد، والانطلاق إليه، ومن ثم مرورها بالأمكنة والشوارع ذاتها، انتهاء بغرفة الشاب. ويعتمد المخرج، مع قليل من التغيير الذكي، على التصوير من الزوايا ذاتها، وبأحجام اللقطات نفسها، وأسلوب المونتاج نفسه، مع التغيير في ملابس الفتاة، والموسيقى المرافقة للصورة، ما بين عربية وأجنبية، دون أن تلعب دوراً واضحاً في الدلالة، أو الاندغام بالمشهد البصري، والتكامل معه أو إغنائه!..
وفي وقت يوحي الفيلم بأنه يقوم على وجود شخصين فقط، هما الفتاة وحبيبها، فإن ثمة ما يدل على وجود شخصية ثالثة، على الأقل، إن لم نقل شخصيتين ثالثة ورابعة. أولاهما تلك الشخصية التي تتلصَّص على الفتاة، حال مغادرتها باب البناية التي تقطن فيها، وثانيهما تلك الشخصية التي ستتوجه الفتاة إليها بنظرات نافذة، معلنة الحب، في اللقطة الأخيرة من الفيلم!..
يُثقل إياس المقداد على نفسه، وربما على المشاهد أيضاً، عندما يزجّ الفيلم في خانة لا طاقة له بها، ويكاد يحمِّله أكبر مما يحتمل، وذلك عندما ينطلق من حالة عامة، منفتحة على أبعاد إنسانية (ثنائية الحب والجنس، وتلازمهما)، لينتقل بقسوة إلى حالة خاصة، تحتاج للمزيد من التأمل والقراءة، بعيداً عن النزق (العلاقة بين فتاة مسيحية وشاب مسلم)، لا سيما وأن هذه العلاقة بدت نافرة عن بنية الفيلم، فترى أي فرق سيكون في الفيلم، وفي الحكاية كلها، لو تغافلنا عن هذه الخصوصية في العلاقة، أو تجاوزناها؟.. حسب تساؤل أحد الأصدقاء.
هنا يذهب المخرج إياس المقداد في اتجاه معاكس لما هو متعارف عليه، بمعنى أنه بدل الانتقال من الحالة الخاصة، وتحولها إلى معطى عام، دون أن يقوم بالضرورة بتنميطها أو نمذجتها، فإنه هنا يفعل العكس تماماً، الأمر الذي يشي بأن ثمة قصدية في صناعة هذا الفيلم، وتركيبه، وتبدو الرسالة طافحة، وتكاد تطيح بالفيلم ذاته، خاصة عند خروج الفتاة من حالة التمثيل، وقيامها بكسر الإيهام، وكسر إيقاع الفيلم، وكذلك عندما كتب المخرج كلماته الخاصة على الشاشة، مقفلاً فيلمه عليها، على الرغم من أنها لا تنتمي إلى بنية الفيلم وسياقه، بحال من الأحوال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في


.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء




.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق