الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعوم تشومسكي: عن الأناركية، الماركسية، وآمال المستقبل (3)

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2008 / 8 / 11
مقابلات و حوارات


نعوم تشومسكي معروف على نطاق واسع بانتقاده للسياسة الخارجية الأمريكية، وكذلك بعمله كعالم لغويات ولسانيات، وهو معروف على نطاق أضيق بتأييده المستمر لأهداف الاشتراكيين الليبرتاريين libertarian socialists.
وفي مقابلة خاصة مع مجلةRed and Black Revolution ، يقدم تشومسكي آراءه عن الأناركية وعن الماركسية، وخيارات الاشتراكية وفرصها اليوم. وقد أجرى معه هذه المقابلة في مايو 1995 الكاتب كيفن دويل Kevin Doyle . ....

(متابعة)
.
.
- الماركسية –

س: اللينينية تحديداً تعبر عن شكل من الماركسية تطور مع مجيء فلاديمير لينين. فهل تفصل أنت ضمنياً بين أعمال ماركس ونقدك المحدد للينين عندما تستخدم مصطلح “اللينينية”؟ وهل ترى استمرارية بين آراء ماركس وممارسات لينين اللاحقة؟

** تشومسكي : إن تحذيرات باكونين من “البيروقراطية الحمراء” التي يمكن أن تشكل “أسوأ الحكومات الاستبدادية” كانت قبل لينين بوقت طويل، وكانت موجهة ضد أتباع السيد ماركس. لقد كان هناك، في الواقع، أتباع من أنواع كثيرة متنوعة؛ بانيكوك، لوكسمبرغ، باول ماتيك، وغيرهم ممن يختلفون كثيراً عن لينين، وآراؤهم تتلاقى عادة مع بعض عناصر الأناركية السنديكالية (النقابية) anarcho-syndicalism. وقد كتب كارل كورش وآخرون بتعاطف مع الثورة الأناركية في إسبانيا في الحقيقة.
إن هناك استمرارية بين ماركس ولينين، لكن هناك أيضاً استمرارية بين ماركس والماركسيين الذين كانوا منتقدين بشدة للينين والبلشفية. وأعمال تيودور شانين في الأعوام الآخيرة عن مواقف ماركس اللاحقة عن ثورة الفلاحين هي ذات علاقة هنا أيضاً. أنا بعيد عن أن أكون دارساً ماركسياً، ولن أجازف بإصدار أي حكم حول أي من تلك الاستمراريات تعكس “ماركس الحقيقي” إذا كان هناك جواب لهذا السؤال أصلاً.

س : لقد حصلنا مؤخراَ على نسخة من كتيبك “ملاحظات على الأناركية Notes on Anarchism “. وفيه تأتي على ذكر آراء “ماركس المبكر”، وتحديداً تطويره لفكرة “الاغتراب في ظل الرأسمالية”. هل تتفق بشكل عام مع ذلك التقسيم لحياة ماركس وأعماله، أقرب إلى الاشتراكية التحررية في شبابه، ليصبح لاحقاً سلطوياً حازماً ؟

** تشومسكي : إن ماركس المبكر يأتي بشكل كبير من البيئة التي عاش فيها، ويجد المرء العديد من أوجه التشابه بينه وبين التفكير الذي حرك الليبرالية الكلاسيكية، وسمات التنوير والرومانتيكية الفرنسية والألمانية. ومرة أخرى، أنا لست دارساً لماركس بشكل كاف لادعاء حكم موثوق. لكن انطباعي المتواضع هو أن ماركس المبكر كان إلى حد كبير رمزاً للتنوير المتأخر، وأن ماركس اللاحق كان ناشطاً سلطوياً إلى حد كبير، ومحللاً نقدياً للرأسمالية، كان لديه القليل ليقوله عن البدائل الاشتراكية. لكن تلك تبقى مجرد انطباعات.

س : من خلال فهمي، فإن اللب في وجهة نظرك العامة يتغذى من مفهومك عن الطبيعة الإنسانية. ففي الماضي، كان ينظر إلى فكرة طبيعة الإنسان كشيء انكفائي regressive، بل حتى محدِّد أو مقيد ومحصور. على سبيل المثال، فإن سمة الثبات في الطبيعة البشرية كانت تستخدم في العادة كحجة على عدم إمكانية تغيير الأشياء جوهرياً في اتجاه الأناركية. فهل لك رأي آخر؟ ولماذا؟

** تشومسكي : إن لب وجهة نظر أي أحد تمثل إلى حد ما مفهومه عن طبيعة الإنسان، ومع هذا فإنه قد يكون بعيداً عن الإدراك أو ينقصه النطق به articulation. وذلك صحيح على الأقل بالنسبة إلى الناس الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين أخلاقياً، لا وحوشاً. وبعيداً عن الوحوش، سواء أكان الشخص يدافع عن الإصلاح، أو الثورة، أو الاستقرار والثبات، أو العودة إلى مراحل سابقة، أو حتى يزرع حديقته الخاصة، فإنه ينطلق من أرضية أن ذلك “جيد للناس”. لكن حكمه ذاك يقوم على بعض فهمه للطبيعة البشرية، التي سيحرص الإنسان المنطقي على جعلها أوضح ما يكون، إذ عندها فقط يمكن تقييمها. لذا في هذا السياق أنا لا أختلف عن أي شخص آخر.

أنت محق في أن الطبيعة البشرية ظل ينظر إليها على أنها شيء “انكفائي regressive “، ولكن لا بد أن ذلك هو نتيجة تشويش عميق. فهل حفيدتي مثلاً لا تختلف بأي شيءعن الصخرة، أو السلامندر، أو الدجاجة، أو القرد؟ إن الشخص الذي يرفض هذه السخافة سيميز أن هناك طبيعة بشرية خاصة. ويبقى لدينا إذا السؤال عن ماهيتها- وهو سؤال غير بديهي وساحر، يحظى باهتمام علمي هائل وأهمية إنسانية. ونحن نعرف جزءاً معقولاً عن بعض جوانب هذه الطبيعة، وهذه ليست الجوانب ذات الأهمية الإنسانية الكبرى. وبعد ذلك، تبقى لنا آمالنا وأمنياتنا، حدسنا، وتأملاتنا.

ليس هناك أي شيء “انكفائي” في حقيقة أن الجنين البشري مقيد لدرجة أنه لا تنمو له أجنحة، أو أن جهازه البصري لا يعمل بالدقة التي يعمل بها عند الحشرة، أو أنه تنقصه غريزة التوجه عند الحمام الزاجل. إن العوامل نفسها التي تقيد تطور الكائن تتيح له أن يحقق بناءً غنياً، ومعقداً، ومفصلاً للغاية، مشابهاً في نواح كثيرة لأقرانه، بإمكانيات غنية ورائعة. والكائن الذي ينقصه ذلك التركيب الداخلي المحدِّد، والذي يقيد مسارات التطور جذرياً، سيصبح كمخلوق أميبي amoeboid يدعو إلى الشفقة (حتى لو استطاع أن يبقى حياً بطريقة ما). إن مدى وحدود التطور مترابطة منطقياً.

خذ اللغة مثلاً، كأحد الإمكانيات القليلة المميزة للإنسان التي يعرف عنها الكثير. إن لدينا أسباباً قوية جداً لنصدق أن جميع اللغات الإنسانية المحتملة متشابهة جداً فيما بينها؛ حتى أن عالماً من المريخ لو راقب البشر قد يستنتج أن هناك لغة واحدة فقط، باختلافات صغيرة بينها. والسبب هو أن السمة المحددة من الطبيعة البشرية والتي تقف وراء نمو اللغة تتيح خيارات محصورة جداً. فهل هي محدَّدة إذا ً؟ بالطبع نعم. هل هي محرِّرة ؟ أيضاً بالطبع نعم.
إن هذه القيود الكثيرة هي التي تجعل من الممكن لجهاز ثري ومعقد من التعبير عن الأفكار أن يتطور بطرق متشابهة على أساس من التجرية الأولية المبعثرة، والمتفاوتة.

ماذا عن مسألة الاختلافات البشرية المحددة حيوياً biologically-determined ؟ إنه من الأكيد أنها موجودة، وهي سبب للبهجة، لا للخوف أو الحسرة. إن الحياة بين نسخ متشابهة لن ستحق أن تعاش، والإنسان سليم العقل سيفرح أن لدى الآخرين قدرات وإمكانيات لا يشتركون فيها. إن ذلك يجب أن يكون ابتدائياً. وما يُعتقد به غالباً بالنسبة لهذه الأمور هو غريب حقاً، في رأيي.

هل الطبيعة البشرية، أياً كانت، مساعدة على تطور أشكال أناركية من الحياة أم معيقة لها؟ إننا لا نعرف ما يكفي لنجيب، بشكل أو بآخر. إنها مسائل تحتاج إلى التجربة والاكتشاف، لا إلى التصريحات الفارغة.
.
.
.
يتبع

النص الأصلي
http://flag.blackened.net/revolt/rbr/noamrbr2.html

موقع المترجم
http://1ofamany.wordpress.com

(الترجمة إلى العربية / محمد عبد القادر الفار)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا