الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجواهري، إنغمار بريغمان ومحمود درويش .. عن فضة الصمت والغياب

سعد الشديدي

2008 / 8 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بتُّ أخشى أن أبدأ مشروعاً يخصُّ أحد المبدعين الكبار. فكلما حزمتُ أمراً وشمّرت ساعد الجد ولم يبق سوى القليل أسمع بنبأ وفاة ذلك المبدع. بدأ الأمر حين قررت في تسعينات القرن الماضي بالتخطيط لتسجيل قصائد الجواهري الكبير بالصوت والصورة بشكلٍ يليق بمكانة أبي فرات ووضعها في أرشيف خاص يكون بمتناول الأجيال العراقية القادمة، وربما فاتني أن أُسرع قليلاً، أو كثيراً، فالشاعر كان قد تجاوز التسعينات من عمره. ومات الجواهري الكبير وأنا مازلت أخطط. ومات المشروع كله مع غياب شمس الجواهري التي ألهبت المخيلّة والضمير العراقي لعقودٍ عديدة. مرةً أخرى أخذت على عاتقي ترجمة كتاب Laterna Magica للمخرج السويدي أنغمار بريغمان الى اللغة العربية، كنت أتمنى وأنا أعمل في ترجمة النص السويدي أن يكتب أنغمار بريغمان نفسه مقدمة الطبعة العربية، أرسلت له رسالةً بهذا الصدد وأنتظرت الجواب، وبعد شهرٍ أو اكثر بقليل قرأت نبأ وفاة بريغمان في الصحف السويدية. ومؤخراً ومنذ أشهر قليلة بدأت مشروعاً صغيراً بإعادة تسجيل قصائد الشاعر محمود درويش، فأغلب قصائده مسجّلة في ندوات شعرية والبعض القليل فقط مسجّلٌ في ستوديو. أقتنيت ما وجدت من القصائد المسجلّة بصوت الشاعر وأعدت تسجيلها لتبدو وكأنها مسجّلة في ستوديو. ثم حدث وسمعت أمس بغياب شاعرنا الكبير. هل تكون هي الصدفة أم ماذا؟
كل تلك المشاريع كانت صغيرةً وشخصية جداً، كنت أنوي أن أقدم فيها شيئاً من إبداع هؤلاء الثلاثة الكبار: الجواهري بريغمان ودرويش. لأن كلَّ واحد منهم كان أستاذاً لي بطريقته الخاصة. وكنت محظوظاً إذ رأيت الثلاثة رأي العين. رأيت الجواهري الكبير في إتحاد الأدباء في بغداد في منتصف السبعينات وأستمعت، من بعيد له، وكنت كمن رآى آلهة الشعر وهي تحطّ ، بحذاءٍ أسود يلتمع كمرآةٍ وجسد نحيف وعينين حادتين، على كوكبنا تظلله بجناحيها. وفي عامي 1979-1980 ألتقيت محمود درويش في جمهورية الفاكهاني في بيروت في أحتفال أقامه إعلام الجبهة الديقراطية لتحرير فلسطين بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الجبهة ، صافحته وقدمت له نفسي. كان محمود يرتدي جاكيتاً أسوداً وكنزة بولو زيتونية اللون. كنت حينها فتى غراً لما أتجاوز العشرين من عمري أكتب الشعر وأعزف الموسيقى وكان محمود درويش سماء الشعر التي تظللني. أما بريغمان فألتقيته أكثر من مرة وبمحض الصدفة في ستوكهولم، مستمعاً ومحاوراً بحكم أختصاصي ودراستي الأكاديمية لعلوم السينما.
أشعر الآن بعد أن غاب ثالث الكبارالذين بقيت أرواحهم فيما أعطوني وأبناء جيلي والأجيال التي ستأتي فيما بعد، لتتأمل ولترى وتسمع ما أبدعوا ولكن فقط في الكتب ومن خلال محطات التلفاز والأذاعة، دون أن يكونوا من المحظوظين مثلنا. أذ لن يستطيعَ أحدٌ منهم أن يرمق الجواهري عن بُعد ويستمع له، وأن يتقدموا بخطى مرتبكة بعض الشئ ليقدم أحدهم نفسه لمحمود درويش، ولن يستطيع أحد آخر أن يجلس واضعاً رجلاً على رجل وهو يكلم أنغمار بريغمان ليخفي أرتباكه أمام عدائية بريغمان التي لم يكن يقصدها.
أشعر ببعض الفرح لأنني كنت من المحظوظين الذين عاشوا في زمن محمود درويش، قرأت له وأستمعت لقصائده منه وبصوته وألتقيت به، وبالكثير من الأسى لأنه غاب عنّا في هذا الوقت بالذات.
وأذا كان الرئيس الفلسطيني قد نعى محموداً لشعبه فإن قصائد محمود درويش تقول العكس لأنها ستبقى تحمل روحه لتوصلها لعصافير الجليل حاملةً معها أنخاباً جديدةً ناثرةً على رؤوس القادمين ورد اللوز نافخةً من روحها في كلّ حجرٍ من أحجار الرامة والكاظمية وباب توما والفاكهاني والوحدات لتصبح أداة لمقاومة الغزاة، ناثرةً مناديل عرس فاطمة وخديجة على حبال غسيل من آفاق لم يرتدها أحد من قبل ترّصع بها أبواب المدن المنهوبة، ولتحفر في جلودنا بالحروف، لا بالأغلال، شكلاً للوطن.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً