الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فجأة.. العراقيون كلّهم بعثيون ..!!

سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)

2008 / 8 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قدم الشعب العراقي أغلى و أثمن ما يملك، المال و الأبناء و الأرواح و الدماء، في سبيل التخلص من نظام البعث المجرم الدكتاتوري الاستبدادي في ملحمة أستطيع وصفها بأنها لا مثيل لها في التاريخ القديم و المعاصر، و عظمة هذا العمل البطولي تكمن في أن ذلك كان يتم في ظل محيط كان يتعاون مع النظام المقبور ضد أبناء الشعب المنكوب و المسحوق، حتى إيران التي قتل صدام خيرة شبابها و بدد المليارات من أموالها في حرب مجنونة، أخذت تتعاون مع هذا السفاح بمجرد أن فارق الخميني الحياة لتبدأ مع الطاغية البعثي مسيرة مشينة من التعاون "البـنـّاء".
لكن و بعد أن قام التحالف الغربي بالإطاحة بنظام البعث و بدأ العراقيون يأملون في خلق تغيير حقيقي نحو الديمقراطية و التعددية و إنشاء دولة المواطن الذي لا يغار إلا على حريته كفرد قائم بذاته، إذ طلعت علينا الأحزاب القومية و نواب "انتخبوا بالغش" ليتهموا أغلبية البرلمان العراقي المنتخب بأنه "بعثي"!! و هذه التهمة التي أطلقها بعثي عريق يتظاهر بأنه "نائب مستقل" لا تعني إلا أن هؤلاء لديهم نية شر تجاه الديمقراطية في العراق، فهذا النائب لا يتكلم عن منطقته "الآمنة"!! التي تقتل المرأة رميا بالحجارة حتى الموت و لا عن أجهزة القمع الغير قانونية و تكميم الصحافة و قمع الحريات تحت شعار "الحقوق القومية".
ينبغي على العراقيين أن لا ينظروا باستخفاف إلى مثل هذه التصريحات التي تتهم غالبية الشعب العراقي و ممثليه بأنه "متآمر" أو أنه "بعثي" لأن مثل هذه التصريحات لا تعني إلا إعلان عداوة و كراهية، ترى هل كان أبناء السماوة الذين قاتلوا الطاغية "البعثي" و دفعوا حياتهم ثمنا لهذا العمل البطولي، هل كانوا "بعثيين"؟، و الأمر ذاته عن ضحايا البصرة و الحلة و الديوانية و الكوت و كربلاء و النجف و بغداد، هؤلاء الذين وقفوا بوجه صدام قائلين له لا و ليس على طريقة النائب الذي هرّب غالبية ضباط الأمن و الأجهزة القمعية "معززين" و "مكرّمين" لعله يحتاجهم يوما.
لا بد لمجلس النواب العراقي (البرلمان) أن يضع حدا للابتزاز و الابتلاع الغير مشروع للدولة العراقية و الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية عبر ترسيخ حقوق المواطن و حريته كفرد و أن القوميات و الطوائف لا يمكن أن تصبح "صاحبة حق نقض" مقابل حقوق المواطنين، حينما نتخلى عن القومية و الطائفية سوف نرى كيف أن العراق لا يختلف و لو للحظة عن "سويسرا" أو "السويد" أو "الولايات المتحدة" و كيف أن هذا البلد سيصبح أحد أكثر البلدان رفاهية في العالم.
لكن في ظل الجدل المتواصل حول "هوية" هذه الأرض أو تلك فإن العراق و المنطقة كلها معرضة لكوارث سياسية و المضحك أن كل المناطق "المتنازع عليها" ليست إلا أرضا كأي أرض أخرى و تربة كسائر التراب، لكن أحزابا قومية تأبى إلا أن تثير الفوضى و تحيل حياة المواطن إلى جحيم مستعر، و إذا كانت قوميته تحوي 40 مليونا فإن القوميات الأخرى هي بمئات الملايين، بمعنى أن هذا النائب المعجب بنظام صدام و عنجهيته القومية يريدنا جميعا أن نتخلى عن الديمقراطية و نتحول إلى الأسلوب القومي و الطائفي فنظلم الآخرين بحجة أنهم ظلمونا أو أنهم يظلموننا، و هذا لعمري عودة إلى عهد البعث و لكن عبر عناوين فرعية و مؤخرا لاحظت أن كاتبا مغمورا يحاول أن يثير الحقد القديم بين السنة و الشيعة و الأكراد و غيرهم متناسيا أن جميع هؤلاء هم عراقيون و لا معنى للعنوان القومي أو الطائفي حينما تكون الهوية الوطنية هي السائدة و المتمكنة.
إن الوطنية لا يمكن اختزالها في زعيم أو قومية أو مرجع ديني أو بطل قومي ـ أيّا كان انتماؤه ـ لأن الوطنية ببساطة هي قمة الفلسفة السياسية كونها تهضم الجميع و بدون إكراه أو إجبار فالكل "العراقي = الإنساني" يستطيع التعايش مع الآخرين ما دامت هويته الجانبية أصبحت شأنا من شؤون الفرد الخاصة فلا حق لأحد أن يتدخل في ثقافتي و إذا ما كنت أريد الفخر بجدي التركي أم الكردي أو العربي، و كثير من العراقيين هم من هذا الصنف حيث تختلط في دمه دماء الأمم و الشعوب، لكن هناك من يريد تحويل المسألة الشخصية إلى شأن سياسي ليبتز به العراق و العراقيين و يكونوا بالتالي رهائن لدى حرسه الخاص أو ليستمر كقائد و زعيم "حسب عضلاته و عدد أفخاذ عشيرته" فهو ببساطة لا يملك أي فكر سياسي ينافس به الآخرين.
Website: http://www.sohel-writer.i8.com
Email: [email protected]











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غانتس يستقيل من مجلس الحرب الإسرائيلي ويطالب بانتخابات مبكرة


.. بعد الهزيمة الأوروبية.. ماكرون يحل البرلمان ويدعو لانتخابات




.. تباين المواقف حول مشروع قانون القتل الرحيم للكلاب الضالة في


.. استشهاد فتى برصاص الاحتلال في مخيم الفارعة بطوباس




.. ما تداعيات استقالة غانتس على المشهد السياسي بإسرائيل؟