الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتزال الرجل الوطواط : عندما تقول السينما ما لاتريد قوله

حارث الحسن

2008 / 8 / 12
الادب والفن


في اخر اجزاء فيلم الاثارة والخيال الامريكي ، باتمان ، يشعر الرجل الخارق بقدر من اللاجدوى ويعيش مراجعة للذات تنتهي في ختام الفيلم بقرار لاادري ان كان المنتجون سيحترمونه مستقبلا ، اذ انه يقرر بان ماظل يعمله قد اتى بنتائج عكسية وان حمايته للنظام قد انتجت نقيضا فريدا من نوعه (الجوكر) الذي غايته هدم النظام ، لقد ادرك الرجل الوطواط انه لم يكن سوى شرطي لمنظومة من العلاقات التي تخفي وراء بريقها مفارقات كبيرة كتلك التي سمحت بظهور شخص يحمل سادية و جنون الجوكر ، قرر باتمان ان يهرب ، بل واراد ان يكون طريدا من قبل الشرطة ، اقرار يتسلل من ثنايا الوعي ، او قل اللاوعي الامريكي ، ان النظام عندما يصل ذروته ينتج نقيضه ، لافكاك من نزوع النظام كي يحتوي كل شئ ويؤسس اساطيره التي تهيمن على عقول المسجونين في داخله ، ولكن لافكاك من حقيقة ان النظام في ارتقائه نحو الكمال يقترب من نقطة موته ، فكل النظم الاجتماعية-السياسية تفقد جذوة الحياة بفقدان شعورها بالحاجة للمزيد ، هكذا يخلق النظام عوامل تدميره الذاتي متخليا في البداية عن اساطيره الكبرى ، رجاله الخارقين ، منحدرا نحو ثنائية العدمية والاصولية في رحلة تفكيك الذات...
هل كان صانعوا باتمان يفكرون بذلك وهم يقررون ان البطل الخارق قد كشف اخيرا لاجدوائية صراعه ضد الشر في عالم تتبودل ادواره بسرعة ويخوض الرب صراعاته في كل المعسكرات مع عبيده وضدهم ، مع نفسه وضدها ، ساعيا لتكريس ربوبيته عبر تكريس نقيضها في فضاء الاصوليات المتصارعة والخائفة والمتربصة لبعضها حيث الرب لايسود الا عبر تفريق عبيده ، لكنه في سيادته تلك ينهي وحدانيته ويعود كما كان قديما الها محليا لاقيمة له خارج صفوف القبيلة. وعندما يعود الرب ، لاتعود هناك جدوى لباتمان ، فباتمان يعيش حيث هناك نظام دنيوي ليعوض عبر قدراته الخارقة عن نقص قدرة النظام على الدفاع عن نفسه ، ولكن الرب يعيد تشكيل النظام ويغير قواعده وياتي بقوانينه هو ، هل كان الجوكر بشكل ما انذارا بعودة الرب ، ام كان الهاما لباتمان كي يدرك ان "نظامه" قد بلغ غايته ، وانه في تلك اللحظة التي وصل بها ذروته صار صفرا...
هل هي لحظة امريكا الجديدة ، بالامس ظهر انديانا جونز حاملا معه كل وعود ستيفن سبيلبرغ بلذة المشاهدة التي تعيدنا الى لحظة التالق حيث الايمان بالنظام وبالحلم كان في ذروته ، لكن انديانا جونز بدا عجوزا بطئ الحركة بحاجة لاختلاق ابن له كي يقوم محله بالحركات السريعة ، رجل المغامرات الساحر ماعاد مغامرا ، صار ابا وزوجا وكهلا ، تماما كما لم يعد ستيفن سبيلبرغ قادرا على الادهاش . هل افرغت هوليوود مافي جعبتها وبدأت تعطي ابطالها الخارقين اوراق التقاعد ، اذا ماتت هوليوود ، مالذي سيبقى من امريكا ، مالذي سيقنعنا انها الحلم ، ولكن السؤال الاكبر ، هل ان هوليوود هي التي بدأت الموت او ان الحلم ماعاد صالحا بعد اليوم .
السينما صارت تقول بصراحة ماتعجز السياسة عن قوله ، تعبر عن اللايقينية المتسربة بقوة كما عن الخوف الداهم ، ربما لايسعى صانعوا باتمان لانتاج الحكمة لكنهم يبحثون عن اقصى حالات الادهاش، وتلك هي الحكمة فيما يصنعون ، فالادهاش هو البحث عن مزيد من الافراط في صنع اللقطة ، وعندما تعجز هوليوود عن الادهاش تكون قد بدأت بفقدان سطوتها . انهم يحاكون الواقع من حيث يعتقدون مفارقته ، العالم مهدد بثنائية العدمية والاصولية فلم تعد هناك افكار مدهشة ، والبديل اما التخلي عن الفكر او العودة للاساطير، وهوليوود لاتكاد اليوم ان تكون شيئا غير ذلك.
انه الشعور بان كل شئ قد قيل ، لم يعد بالامكان للقصة ان تستمر ، لم تعد هناك حكمة تقال ، انها لحظة الحقيقة ، ... يبتسم الجوكر في وجه المحقق اللامع الذي كان يلاحقه، ويسأله ، هل ابدو لك كمن يمتلك خطة ؟ انني لااخطط ، فقط افعل الاشياء ؟ انها الفوضى تقترب وتتسرب من ثنايا واقع يزداد غموضا ، الخوف يحل بين الارجاء ، فالعدو قد يكون جاري او زميلي في العمل او ربيبي في الفراش ، النظام ينتج لعبة الخوف كي يستمر بالسيطرة ، يحول نفسه الى اله يريد ان يعبد ، يطلب مزيدا من التنازلات كي يكون قادرا على البقاء ، تتراكم التنازلات حتى لم يعد هناك شئ يمكن تقديمه، ولكن مالذي يبقى من النظام نفسه عندما ياخذ كل ما اعطانا ، يخرج الجوكر ليصرخ بقوة كي يوقضنا ، النظام صاركذبة ، لم يعد هناك شئ يمكن تصديقه عندما يكذب "الاخ الاكبر" كما يسميه جيجيك ، لابد عندها للرجل الوطواط ان يتخلى عن وظيفته ، فالدفاع عن نظام متهالك ليس بطولة او شرف ، بسذاجة هوليوودية يراهن باتمان على "الخير" في داخل الانسان كي يحارب الجوكر الذي يصرخ بقوة ، هؤلاء الذين تراهم حولك سياكلون بعضهم اذا جاعوا!!
انه الجوع من جديد ، الركود من جديد ، الخوف من خسارة الوظيفة ، الخوف من الفواتير ، الخوف من الغد ، الراسمالية تدمر نفسها كي تستمر ، هي لاتتسامح مع مايهدد وجودها حتى لو كانت هي التهديد لهذا الوجود ، رجال امريكا الخارقون تعبوا في العراق وافغانستان ، الموت لم يكن بهذه الكثافة من الحضور منذ زمن ، لم يعد مجرد صورة على شاشة التلفزيون بل صار الناس يرونه ، ماذا يحصل عندما تعجز امريكا عن انقاذ الاخرين ، تغدو ببساطة عاجزة عن انقاذ نفسها ، لذلك وبدلا "من ان نتركهم ياتون ليحاربوننا على ارضنا ذهبنا هناك لنحاربهم" كما يقول الرئيس، ولكي نحاربهم لابد من ان نخلقهم ، النظام بحاجة الى ان يحارب كي يستمر ، لكنه عندما يصطنع استمراريته لايعود هو ، لقد كان نجاحه في كونه طبيعيا ، ابنا لنفسه ، ليس ابنا لاي رب اوعبدا لاي اله ، لكنه الان بحاجة الى الرب كي يتلو له تراتيل الانتصار وياخذ ضحاياه الى الجنة، عندما ياتي الرب يكون الخوف قد استمكن من الجميع ، لارجاء غير الاله لانقاذنا بعد ان تخلى الاخ الاكبر عنا وصار مشغولا بحماية نفسه ، وعندما ياتي الرب لابد للجوكر من ان ياتي معه ، لابد للفوضى من ان تستحكم ولابد للصراع ان يبدأ من جديد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي