الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موازنة العام 2008م هل تساهم في بناء أمة سودانية؟

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2008 / 8 / 14
الادارة و الاقتصاد


دار جدل كثيف بين الخبراء والمختصين في المجال الاقتصادي حول موازنة العام 2008م ، كما أعلنها السيد وزير المالية على الرؤية الاستراتيجية القومية للخطة الخمسية (2007 ـ 2011) ، فرض علينا المقارنة بين هذه الميزانية العجيبة، وبين الاهداف التي أعلنها السيد رئيس الجمهورية والقاضية باستكمال بناء امة سودانية موحدة آمنة متحضرة ومتقدمة ومتطورة واستدامة السلام والسيادة الوطنية والوفاق الوطني والحكم الراشد وسيادة القانون وضوابط الشفافية والمحاسبية وتوفير وادارة الاحتياجات الاساسية للمواطنين. لا شك ان كل تلك المقاصد كبيرة ونبيلة، ولكن يبقي السؤال المنطقي والواقعي كيف يمكن ترجمة ذلك في الواقع المعاش للموطن السوداني والذي يكذب الواقع الحالي تجافي تحقيق هذه الاهداف علي ارض الواقع.
وبالرغم من تأكيدات وتطمينات وزير المالية والاقتصاد الوطني الزبير احمد الحسن وكيله الشيخ المك ، إلا أن هنالك عددا من المعوقات ستواجه الموازنة منها تأرجح أسعار البترول، وضعف برامج التنمية المتوازنة بين الولايات، ومشاكل القطاعات المنتجة ، خاصة القطاع الزراعي، بالاضافة الي الازمة الحالية بين الشريكين في الحكم، وقضايا الحريات كما يجري الآن مع الصحف والصحفيين. الوزير ونائبه يؤكدان بان موازنة العام المقبل وفرت 75% من مصادر تمويلها للمشروعات المنتجة في الاستراتيجية القومية ورصدت لها 10.5 مليارات جنيه.. ويقول الوزير إنه اُتخذت إجراءات تجاه ترشيد الصرف والاصلاح الضريبي والجمركي لانجاح التقديرات المتوقعة للموازنة القادمة، ويتوقع الزبير نمو النتاج المحلي الاجمالي بنسبة 8% ومساهمة القطاع الزراعي 34.2 ومعدل تضخم 8% ورفعت الميزان التجاري 364 مليون دولار.
وتقدر وزارة المالية بان موازنة العام المقبل بلغت (26) مليار جنيه، وان الإيرادات الذاتية للموازنة بلغت مليار جنيه بنسبة 85% من اجمالي الميزانية وان المبالغ المخصصة للولايات الجنوبية بلغت (5.6) مليارات جنيه لحكومة الجنوب، و أن المبالغ الممولة للولايات الشمالية والجنوبية تجاوزت لـ40% من اجمالي الايرادات الذاتية. وينفي المك أية زيادة في الاجور لهذا العام لشح الموارد وتوجيه الدعم للانتاج بدلاً عن الاستهلاك حيث تشكل الاجور 25% من ميزانية الدولة دون الولايات وحكومة الجنوب والهيئات الحكومية، وان أقل زيادة تحدث مشاكل كثيرة وآثار تسلسلية. ويستبعد المك زيادة الأسعار لدعم الحكومة لسلع كثيرة الكهرباء، الصحة، والفئات المستهدفة، ويؤكد بأنه ليس واردا زيادة المواد البترولية لتتحمل الحكومة الفارق (23) دولارا بين السعر العالمي (72) دولارا وسعر المصافي (49) دولارا.

فنتائج ومؤشرات الأداء الكلي للموازنة عام الاساس، (2007م) تؤكد ان هذه الميزانية وضعت دون تحسبات للخلافات بين شريكي الحكم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) عقب الأزمة التي نشبت بينهما الى الآن والتي تهدد بانهيار الاستراتيجية القومية والتي يعد بناء الأمة السودانية الموحدة الآمنة من غاياتها الاساسية. وازمة الشريكين تعتبر تحديا خطيراً يواجه موازنة العام المقبل، بجانب التحديات الاخرى المتمثلة في المحافظة على الاستقرار والتوازن الاقتصادي والنمو المستدام، وضيق ومحدودية مصادر الموارد المالية والتمويلية القومية والولائية على المستويين العام والخاص، بجانب مقابلة التزامات المرحلة السياسية في العام المقبل؛ خاصة إجراء الانتخابات والإحصاء السكاني والوفاء بالتزامات صناديق الاعمار والمفوضيات والاجهزة السياسي الوسيطة لحكومة الوحدة الوطنية.
وعلي صعيد التنمية الاقتصادية وبصورة خاصة التنمية الريفية، كان الاخفاق هو السمة الغالبة للاداء الاقتصادي في هذه الناحية، ولم يشهد الريف اي تقدم يزكر، بل تأزم الموقف الزراعي والذي شهد احتجاجات المزارعين بالمشاريع المروية والمطرية علي حد سواء. كما لم يحدث تغيير جوهري في هيكل الضرائب والاتاوات والرسوم المفروضة علي المزارعين، والتي تكبل صغار المزارعين وتخرجهم من حلبة الانتاج، وتكرس بالتالي الساسات الحكومية التي افرزت هذه الميزانية القاصرة، واقع تضخيم وزيادة الهوة بين المزارعين الفقراء الذين يزدادون فقرا مع مولد كل ميزانية، وبين الاغنياء الذين اقتحموا مهنة الزراعة وسيطروا عليها بفضل سياسات تحرير الاقتصاد والخصخصة الظالمة. وعلي الصعيد العام ونتيجة لتهميش المنتجين الحقيقيين من المزارعين والحرفيين وغيرهم، قل الانتاج والنتاجية، وذادت نسبة العطالة، ولجأت الحكومة الي فرض الزيادات بصورة مباشرة كما في سلعة الدقيق، وبصورة غير مباشرة في المزيد من الرسوم والتكلفة علي المنتجين. اضافة لمقابلة التزامات الانفاق على تنفيذ اتفاقيات السلام في الجنوب ودارفور وشرق البلاد، وتلك المرحلة من العام السابق، وتحريك الموارد وتوجيهها لتقريب الفوارق الانمائية بين الولايات والانفاق المتزايد لمقابلة مخاطر الطوارئ والكوارث الطبيعية ومحاربة الوبائيات مثل انفلونزا الطيور والحمي النزيفية، ومهددات الصحة العامة ومواجهة آثار الانكشاف الاقتصادي والانعكسات السالبة للضغوط والعقوبات الاقتصادية الخارجية على الاقتصاد القومي. ولم تقدم الميزانية شيئ يذكر في مجال تحسين ميزان المدفوعات وزيادة الاحتياطي القومي من العملات الاجنبية وترقية متناسبة الاقتصاد الوطني مما جعل الاستثمار الخارجي غيرجاذبا، وبالتالي التركيز اكثر علي البترول، مع ضعفً حصيلة الصادرات غير البترولية بوجه خاصة، بجانب معالجة الاثر على الموازنة جراء دفعيات الديون الخارجية التي نجمت عن الانفاق التنموي الكبير خلال الاعوام الثلاثة الماضية وضعف القدرات المنتسبة على مستوى القطاعين العام والخاص.

ويعد محور الانتاج والانتاجية لرفع القدرات الانتاجية في القطاعات ذات الميز النسبية العالمية لمجالات السكر والحبوب الزيتية والإنتاج الحيواني والبستاني والإيثانول والأسمدة ومعالجة قضايا تكلفة الانتاج والانتاجية قضايا مهمة وملحة ، وهناك تخوف من تكرار الاثار السالبة في الاعوام السابقة، الناجمة من ضعف التركيز على السياسات المحورية المحفزة للعرض وأهمها تشجيع القطاع الخاص الوطني للدخول في شراكات مع القطاع الخاص الخارجي في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتشجيع القطاع التعاوني والمختلط ليلعب دوره الطليعي في التنمية خاصة التنمية الريفية. وهناك تخوف أيضا وشك في مواصلة تنفيذ برامج النفرة الزراعية وتوجيه السياسات الكلية والقطاعية لتحريك الموارد والطاقات المالية والمادية والبشرية لزيادة وتوزيع قواعد الانتاج الزراعي في الصادرات الزراعية وزيادة قيمتها المضافة. أضف الي ذلك أن الميزانية الحالية لا تعطي الفرصة المناسبة للاستمرار في توجيه الموارد لاستكمال برامج البنيات التحتية والخدمات الأساسية بالريف السوداني ، وخاصة في الجنوب ، وبدارفور نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إننا لا نجد أي مخرج لهذه الميزانية لاداء دورها وتحقيق أهدافها إلا بتحقيق الاستقرار الساسي والالتزام بالتطبيق الحرفي لاتفاقية السلام وتحسين القدرات البشرية والادارية والمؤسسية، وتبني الحزم التقنية العالية ونتائج البحوث التطبيقية الموجهة لرفع معدلات الانتاج والإنتاجية، وضبط الجودة والمواصفات القياسية، وزيادة الانفاق لمقابلة الاحتياجات الأساسية للمواطنين في الصحة والتعليم ومياه الشرب النقية وإصحاح البيئة وحمايتها، وتنمية البيئة الطبيعية. كما أن أوجب واجبات الحكومة تقليل وترشيد الصرف الحكومي البزخي، والاستمرار في توجيه الانفاق لتحريك الطاقات العاطلة في اطار دعم التنمية الريفية المتكاملة وتشجيع برامج التوظيف الذاتي للحد من الهجرة الداخلية، و دعم الشرائح الضعيفة في توفير الدواء والعلاج والغذاء. ومن أهم ما يجب أن تأخذه الحكومة إتاحة الفرصة كاملة لمبادرات المجتمع المدني والاستفادة القصوى من وموارد المنظمات الدولية والاقليمية في توليد فرص العمل وزيادة الدخل والتنمية الاجتماعية ويصب هذا مجال محاربة الفقر وتحقيق اهداف الالفية التنموية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي