الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام العربي... والتحديات الراهنة

وليد الفضلي

2008 / 8 / 12
الصحافة والاعلام


«الصحيفة هي الصلاة العلمانية الصباحية للإنسان الحديث». هيغل ( 1770-1831).
يلعب الإعلام دورا رئيسا في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، كما يمتلك قدرة هائلة على إبراز وبلورة الكثير من المفاهيم والقضايا التي تعجز وسائل الاتصال بالجماهير التقليدية زرعها وترسيخها في المجتمع. فصياغة «خبر صحافي» لمشهد يومي بسيط، وبأسلوب صحافي مثير، مع إبرازه في موقع الصدارة في الصحيفة، يعد ضربة كافية لتشويه الصورة الرمزية لأي شخصية، أو مؤسسة فاعلة، وزعزعة قداسة القناعات القديمة لدى الكثيرين -وإن كان ذلك الخبر بخلاف ما هي عليه حقيقته-، ليغرق بعدها المستهدف من الخبر في بحور التأويلات والتفسيرات والأسئلة وردود الأفعال الساخطة والمتصاعدة إلى مستويات عنيفة في بعض الأحيان، حينها لا يكفي التراجع عن الخبر وتكذيبه، أو حتى الاعتذار في ترميم وتصحيح الصورة الجديدة المتشكلة.

ولا يقتصر تأثير الإعلام المعاصر على الأفراد، بل على رأس قائمة المستهدفين النخب الحاكمة والفاعلة، التي أضحت مجبرة على مجاراة المزاج الشعبي السائد، وبلورة ردود أفعال تحاكيه وتستجيب له، بعد نجاح الأجهزة الإعلامية في تعليق جرس المسؤولية.

فالإعلام كان ولا يزال مصدر تهديد لأي سلطة رمزية لما يمتلكه من أدوات ضغط قادرة على تزييف الحقيقة أو تجميل الصورة البشعة، بل إنه سلطة حقيقية موازية لاشتغال وأهمية السلطات الثلاث المكونة للدولة الحديثة (السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، السلطة القضائية)، وهو شريك أساسي في مشروع التحديث والإصلاح.

بيد أن هذا الشريك خفي في ممارسته لدوره التنموي، والغائب الأبرز عن خطط التحديث؛ فهو يمارس مجمل حقوقه وأنشطته من وراء ظلال الحرف، والكلمة، والصوت، والصورة، وبأشكال وأنماط معظمها غير مباشر، وغير متراكم، تبعاً للأهداف والسياسات المرسومة لكل مؤسسة إعلامية، وغاياتها، وصولا إلى مصالح ورغبات الممولين والداعمين.

ومن المؤسف أن الإعلام العربي لا يزال قابعا في كهوف التقليد والاستهلاك لنماذج وأشكال إعلامية مستوردة. لا يملك هذا الإعلام رؤية استراتيجية واضحة تؤسس لمشروع إعلامي وطني مستقل، يرتقي إلى مستوى التحديات، ويستجيب للطموحات التنموية المؤملة رسمياً وشعبياً. فهو مشغول في تسخين المنتجات الإخبارية لوكالات الأنباء العالمية الخاضعة لمعادلات لوبي الضغط السياسي والاقتصادي العالمي. وهي بطبيعة الحال مبنية على أسس ومقاييس حضارية وثقافية وسياسية تهتم بالدرجة الأولى في تمرير مصالحها، ولو جاء ذلك على حساب السيادة الوطنية للآخرين ومصالح دولهم.

في الوقت ذاته، تعتبر المنظومة الإعلامية في هذا العصر -المعولم- من أهم وسائل الانفتاح على الآخر خارج حدود الجغرافيا المحلية والقطرية؛ فالإعلام اليوم، وبفضل تكنولوجيا الاتصال الفضائي والإنترنيت، هو عابر للقارات، وبسرعة موازية لسرعة وقوع الحدث نفسه ونتائجه حيثما كان ذلك الحدث، عبر تقنيات البث الفضائي المباشر والمكونة من كاميرا تصوير وجهاز بث مثبت على كتف المصور، لتتدفق تفاصيله هكذا لحظة بلحظة إلى رحاب العالم كله.

أيضا تعد المنظومة الإعلامية عابرة للهويات المحلية والقومية؛ فقد أرست الفضائيات معالم هوية إنسانية جديدة للمشاهد، بعيدة في كثير من زواياها عن همه الذي يعيشه، ويتجرع مرارته في الشارع، واستبدلت شبكة العلاقات الاجتماعية والسياسية القائمة بشبكة علاقات افتراضية لم تزده إلا عزلة واغترابا.

كما أن المراقب لتدفق البث الفضائي يدرك حجم التنوع والتعدد بالأفكار، خلافا للصورة النمطية والتقليدية لأجهزة الإعلام الرسمية التي كثيرا ما ترفع شعارات أنها صوت موحد لجميع أطياف المجتمع، ولكن الحقيقة هي أنها أصوات الجميع في منظور ورؤية ذلك الواحد...، فقد استثمرت الكثير من الأقليات تكنولوجيا البث الفضائي في خدمة وتعزيز مشروعها الثقافي الخاص، أو انتمائها القومي المميز، وتنفست نسائم حرية التعبير عن آرائها وعقائدها كيفما تريد.

خلاصة القول، من الصعب تجاهل دور وسائل الإعلام في مشروع التحديث والتنمية، إلا أن الإعلام العربي أمام امتحان صعب، فهو مطالب بمواكبة التطور التقني والتكنولوجي، واللحاق بالثورة المعرفية والمعلوماتية، وفي الوقت ذاته يعيش في مناخ سياسي وقانوني يقيد من فاعليته المعرفية والتنموية. لذا من المهم إصلاح التشريعات والقوانين بما يتلاءم مع الوظيفة الحضارية للإعلام، بالإضافة إلى بلورة رؤى استراتيجية للإعلام الوطني المستقل، تعكس تطلعات المشروع التنموي، أو النهضوي العام، وتعزز من الثقة بالهوية الوطنية.

من جانب آخر، يجب ألا نقف مذعورين أمام هذا الواقع الافتراضي، ونمجد القدرة على تَشييد سياج العزلة والانكفاء على الذات، أو نرتل آيات الكفر بالمنجز التقني والمعرفي للإنسان الحديث، بدعوى أن لديه أجندة خفية، بل يجب أن يكون لدينا هذا الحضور الفاعل، والاشتغال الجاد لاستثمار اللحظة واستغلالها، وإعادة بناء الذات المنتجة وتصويبها وفق ما تقتضيه أسئلة الحاضر والمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم