الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حق درويش في العودة

هشام نفاع

2008 / 8 / 12
القضية الفلسطينية


موقع دفن الشاعر محمود درويش يتعدّى الطقوس المعتادة. هنا، للجغرافيا معنى سياسيّ وتاريخيّ. أنحتاج شرحًا؟ لا. لأننا نتحدث في خاتمة المطاف، بل منذ البداية، عن ملفّ في قضية إسمها فلسطين. لا توجد لدينا ولو مساحة حاكورة غير مسيّسة، ودونما ذنب منها.. الذاكرة برمّتها مرسومة بالمكان وأطيافه وتداعياته. وعليه، فالقرار بدفن الشاعر في رام الله وليس في الجليل أو حيفا، يثير أسئلة سياسية وغيرها.
لمنع أي التباس، أو الزجّ بالنقاش في محلويّات تافهة، يجب القول إنه لا حاجة للإسهاب بغية التأكيد على أن رام الله أيضًا هي بيت للشاعر، ولا توجد بالتالي أية غضاضة في أن يُوارى جسده في ثراها. ثرى فلسطين بوصفها تاريخ وذاكرة وثقافة هو واحد، رغم حدود السياسة. لكن مصلحة رام الله، أيضًا، هي أن يعود درويش ليُدفن في امتدادها، في الجليل.
فالقرار بدفنه في رام الله ليس قرارًا بحد ذاته، بل إنه ينطوي على جوانب واستطرادات. إنه يعني تلقائيًا التنازل الطوعيّ عن مطلب (وحق!) دفنه في الجليل أو حيفا. التنازل عن هذا يثير تداعيات، ليس بخصوص خروج وعودة درويش الخاصة وحسب، بل عن معنى الخروج/التهجير والعودة الفلسطينيَّين عمومًا.
لا شك في أن المؤسسة الاسرائيلية مرتاحة جدًا للقرار. لأنه، دونما أن يقصد من قرّر، قرارٌ ينسجم رمزيًا مع موقف تلك المؤسسة الرسمي بأنه لا عودة فلسطينية إلا الى حدود 1967. والرمزيّة هنا ليست في سياق الشّعر، بل في لبّ السياسة. طبعًا، لا يبغي هذا الكلام التشكيك بأحد، بل النقد؛ نقد الاستعجال والتعاطي مع الأمر في حدود الرسميّات الشكلية بمعزل عن التعمّق. من الغريب أن من قرّر ما قرّر لم يتقدّم ببصيرته خطوة واحدة للأمام كي يرى بُعدًا آخر للصورة. وليسأل الجميع نفسه عن الفرق؛ ليتخيّل المشهدين ويقارنهما.. الجواب واضح: إكتمال معنى مسيرة درويش يتجسّد بعودته الأخيرة الى الجليل. خصوصًا أنها مسيرة تمثّل الكثير في التغريبة الفلسطينية الحديثة.
ولا يتناقض المطلب بدفن درويش في الجليل مع ضرورة تمكين أكبر عدد ممكن من المشاركة في تشييع جثمانه. فلتكن له جنازة في رام الله، ولتُستكمل بدفنه في الجليل. كذلك، يمكن إنشاء نصب تذكاري للشاعر في غير موقع دفنه.
من غير المعروف لي، رغم محاولات الفحص، ما إذا كان الشاعر أوصى بأن يُدفن في مكان محدّد. مع ذلك، يصحّ التمعّن في ما قاله ضمن مقابلة لصحيفة "الاتحاد" في تموز 2007. مما قاله:
"رام الله بالنسبة لي مكان للزيارة. مكان للمشاركة في صَوْغ الهوية الوطنية. أمّا بالنسبة لي شخصيًا فلا معنى خاص لها. لم أعرفها من قبل وليست لي فيها ذاكرة وليس لي فيها تاريخ. تعرّفت عليها منذ عشر سنوات فقط. وفي مثل هذا العمر لا أستطيع أن أبدع ذكريات وعلاقات حميمة مع المكان".
وقال أيضًا:
"لقد عشتُ في حيفا عشر سنوات كاملة، وفي حيفا عرفت كل أنواع التجارب الأولى: تجربة الكتابة، تجربة النشر، تجربة العمل الصحافي، تجربة السجن، الاعتقال المنزلي والإقامة الجبرية.. في حيفا ترعرعت شخصيتي الشعرية والثقافية والسياسيّة، أيضًا. وبالتالي أستطيع أن أعتبر أن أكثر مكان موجود في نصّي الشعري وفي تكويني الثقافي هو حيفا، بدون شك. صحيح أنني لم أولد في حيفا، وحيفا ليست مدينتي، لكنها مدينتي بالتبنّي؛ تبنيتُ حيفا مثلما احتضنتني هي كواحد من أبنائها".
إن الشاعر نفسه يعبّر عن خصوصيات علاقاته بالأمكنة الفلسطينية الممزّقة. ومن حقه علينا أن يعود ليجتمع مع سفوح مولده ونشأته وتبلور تجاربه، ولو رمزيًا، خصوصًا انها رمزية تخصنا جميعًا، ولها وقع مباشر على واقعنا ومستقبلنا. فشخصية كدرويش، جمعت في مسيرتها "قضايا قضية" فلسطين، قادرة حتى في مماتها على إعادة تجميع الصورة التي لا تزال عقليّة الاستعمار تسعى جاهدة لتمزيقها بشتى الأساليب. فمواراة جثمان درويش في ثرى الجليل أو حيفا رفدٌ للذاكرة وتعزيز للموقف برفض مشاريع تمزيق نسيج الوجدان والذاكرة الفلسطينيين. إنه إعادة نسجٍ يجمع ثلاث مسيرات متفاوتة/متداخلة معًا في الزمان والمكان الفلسطينيّين الحديثين: البقاء، الشتات والعودة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه