الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية نواف والبغل

احمد الحاج علي

2008 / 8 / 14
الادب والفن



تحكـي الحكـاية أنه كان في الزمن القريب فلاح من الشمال السوري اسمـه نواف ، عمل أجيرا عند احد الملاكـين وكانت أجرته كسوته ، وملء معدته من الطعام .
وكان نواف يعمل ليل نهار في أرض الملاك دون كلل أو ملل من غير أن يسمع كلمة الله يعطيك العافية ،بل اعتادت أذنه على سماع كلمات جارحة تغيظه مثل يا حمار. يا بهيم. يا كر. يا قواد. يا ابن القحبة. يا ابن الكلب .
وكان الملاك يضرب نواف بلا ذنب يقترفه ، وفي مرات كثيرة يربطه بحبل النير، ويضربه بعصا الخيزران دون أن ينطق المسكين بحرف واحد أو يستعطف جلاده صاحب الأرض مما كان يغيظ الملاك ، ويدفعه إلى ضربه بهستريا جنونية.
أما نواف الأجير المسكين فصار – يوما بعد يوم – يخزن في داخله حقدا وكراهية ، وصمتا وامتلأ بطنه قهراً وغيظاً دون أن يستطيع دفع الظلم عنه , فقد أوصاه أبوه ، وعمه ، وجده ، أن يعمل على الساكت إذا أراد أن يأكل خبزاً ، وبدل أن ينتقم لنفسه من صاحب الأرض ، صار يفرغ شحنات الغضب ، والقهر على بغل جلاده ، يضربه بلا سبب مرات كثيرة ، ويخرج عن طوره إثناء ضربه للبغل فيخاطبه قائلا : احك يا بغل، احك يا عكروت ، احك يا قواد ، احك يا مخصي ، طيب لا تحكي ، طيب أرفسني ، طيب اهرب من الضرب يا ابن الكلب .
مع مرور الأيام ، أخذ يتفنن في تعذيب الحيوان ، ففي إحدى المرات بعد أن كسر عصا السنديان على ظهره ،هجم على أذن البغل وعضها حتى صار الدم ينفر منها كنافورة ، ومع ذلك لم يحرك البغل ساكنا مما زاد من غيظ نواف فأكثر من حفلات ضربه ، وصار كلما أكل قتلة من سيده ، يتسلل باتجاه الاصطبل ليمارس طقوس تعذيب البغل ، ويردد أمامه نفس الكلمات التي اعتاد سماعها من سيده ، ويضيف عليها قائلاً : أخ منك يا بغل ، ما فيك كرامة ، ما فيك إحساس ، أنت مثل نواف ، يسمع البهدلة ويسكت ، يأكل القتلة ويطنش ، أف منك يا بغل، اعترف انك غلبتني بسكوتك ، فلقتني بصبرك ، وآخرتها معك يا بغل ، صرت اشتهي لبطة من لبطاتك ، يقولون أن لبطة البغل على القتل ،لا يقف عليها حكيم ، طيب انخر، أشخر. حمحم .همهم. العمى ، نشف ريقي منك ،
كانت ضربات نواف للبغل كأنها تقع على حائط أو على كومة قش ، أو على حصير ، ومع ذلك استمر في ضربه وتعذيبه إلى أن حدث ما لم يكن محسوبا ، ولا يخطر على بال .
ففي صباح احد الأيام من شهر نيسان ، وتلبية لرغبة صاحب الأرض ، ركب نواف البغل قاصداً حقل الحنطة ، وفي الطريق أشبعه ضرباً ، ونحراً ، ونخساً ، إلى أن وصل الحقل .
ترك نواف البغل على جانب الطريق ، ودخل حقل الحنطة ، وهو يحدث نفسه : أخ لو كنت بغلا ، لمرطت نوافا قتلة على القتل ، لو كنت بغلاً لرفست نوافا رفسة ما تركته ينطق الشهادة ، أخ لو املك قوة بغل لأمسكت برقبة صاحب الأرض وقذفته ألف متر أمامي ، وعجنته وخبزته بيدي ورجلي .
أما البغل فقد اطرق رأسه في الأرض ، وكأنه ينصت لكلام نواف ، ثم رفعه عاليا متلفتا يمنة ويسرة وكأنه ، يريد التأكد من خلو المكان وفعلاً كانت الحقول خالية من الفلاحين والوقت مازال مبكراً ، والشمس لم تبزغ بعد ، عندها رفع رأسه عالياً ، وهو يحمحم ، وتقدم بخطى بطيئة ، واثقة ، باتجاه غريمه نواف .
عندما صار خلفه ، شب البغل على قائمتيه الخلفيتين ، ،فانتصب كمارد وهوى بكل ثقله دافعاً حافريه في ظهر نواف ، فبطحه أرضا ، ثم أشبعه لبطآً ، ورفساً ، وعضاً ، أمسكه من قبة سترته ، وأشرعه عالياً في الهواء ، طوح به بعيداً ، وهو يشخر وينخر، وقبل أن يدور ليجعل من نواف في مرمى قائمتيه الخلفيتين ، كان بعض الفلاحين الذين أذهلهم المشهد ، قد وصل مسرعاً ، فما كان من البغل إلا أن لبط الهواء عدة مرات مفرقعاً ، ثم أطلق ساقيه للريح ، مبتعدا باتجاه الجبال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمر عبدالحليم: نجاح «السرب» فاق توقعاتي ورأيت الجمهور يبكي ف


.. عمر عبدالحليم: كتبت لفيلم «السرب» 23 نسخة




.. أون سيت - 7 مليون جنيه إيرادات فيلم السرب في أول 3 أيام فقط


.. لا تفوتوا متابعة حلقة الليلة من The Stage عن الممثل الكبير ا




.. بعد أن كانت ممنوعة في ليبيا.. نساء يقتحمن رياضة الفنون القتا