الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سولجنستن.. رأي آخر فيه

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2008 / 8 / 14
الادب والفن


الكسندر سولجنستن الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1970 ، ودع الحياة ووطنه روسيا قبل أيام . الروائي الروسي الكبير اشتهر بمعارضته للاتحاد السوفيتي السابق ما بوأه موقعا عزيزا في الغرب الرأسمالي. الجيل الراهن من الروس ، حسب ما تنقله وكالات الأنباء، لا يعرفون سولجنستن ، ولا تستهويهم الشخصيات السياسية والثقافية ، في وقت يتعلقون غالبا بالرياضيين و نجوم الموظة الغربية ،وقد تحول سولجينستن في فترة الحرب الباردة إلى رمز معارضة الإتحاد السوفييتي ولأسباب سياسية ، ولظروف الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية المسماة بالدول الإشتراكية والغربية المسماة بالعالم الحرّ.

وقد كان سولجنستن من المغضوب عليهم في فترة ستالين ، فحجبت كتبه عن القراء ، ومنعت من الطبع والنشر . وسمح له بالكتابة والنشر في فترة خروشوف القصيرة ، أما في عهد بريجنيف المعروف بالفترة الستالينية الثانية عادت الرقابة والمنع يمارسان عليه ، و تم طرده من الاتحاد السوفييتي بعد اعتقاله لفترة ما ، فاختار الغرب الرأسمالي للإقامة و والعمل.
واصل انتقاداته للاتحاد السوفييتي و معارضته له طوال فترة إقامته في الغرب بلا هوادة حتى عودته إلى موطنه روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، و لم يتوقف لحظة عن الشكوى من قرار نفيه ، وانتهاكات حقوق الإنسان ، سواء في فترة الحرب التي يطلقها على عهد حكم ستالين ، أو في الفترات التي تلته.
لقد أسر ّ سولجنستن خلال منفاه و بعده بكل مكنونات قلبه ، سواء في مقابلات ولقاءات ، أو مقالات كتبها ، أو روايته وقصصه ، و انتقد كل ظاهرة لم تعجبه في روسيا و العالم من منطلقات إيديولوجية ، لكنه لم يكن يعتقد أن العلاقات الرأسمالية هي جذور الأزمات والمشاكل المتفاقمة في روسيا والعالم.
كان يؤمن إيمانا بروسيا العظمى ، ويحلم بقيامها ، لتكون مركز الشرق ، تدور حوله الجمهوريات السوفيتية السابقة كواكب مطيعة له. لم يوجه طوال حياته اقل انتقاد للمكارثية التي سادت في أمريكا ، وصادرت حرية الرأي والتعبير للكتاب والصحفيين ، واضطهدت مئات المثقفين . ولم يبد أي تعاطف مع مناهضي الحرب الامبريالية في فيتنام و كمبوديا ، سواء بإبداء رأيه ، أو بانضمام إلى أحرار العالم الغاضبين على الحروب ومشعليها.

العجيب هو الاهتمام البالغ والمبالغ فيه من قبل وسائل الإعلام البرجوازية بوفاة سولجنستن، والتي كان خبرها يتصدر نشرات الأخبار في كبرى وكالات الأنباء ، والقنوات التلفزيونية العالمية من قبيل بي بي سي ، وسي ان ان ، و فوكس نيوز و سواها، وقيام رؤساء العالم الغربي بنعيه ، وإرسال برقيات التعزية إلى المسؤولين الروس. و الجدير بالتأمل هنا ، هو استغلال عالم الرأسمال لهذه المناسبة ، و انتهازها فرصة ثمينة للنيل من الاشتراكية والشيوعية ، و الحركات التحررية في العالم، وكأنها كانت تتهيأ لهذا الحدث ، و قد صاغت كل برامجها لأداء مراسم الوفاة بالشكل الذي يتم تصويره كانتصار الرأسمالية على الاشتراكية ، و إلحاق آخر هزيمة بقوى التقدم والتحرر.

ميديا الغرب الرأسمالي ليس لها سوى اجترار ذات الوسائل الدنيئة في محاربة الإنسانية ، والتي أصبحت اليوم متهرئة ، بفعل انحطاط البرجوازية و تفسخها ، و تحولها إلى قوة رجعية ، عاجزة عن تحقيق أي منجز لصالح البشرية ، بل حتى أمست تتنكر وتلغي كل منجزات البشرية التي تحققت بنضال الطبقة العاملة وطلائعها القوى الاشتراكية .

لا شك أن الفترة الستالينية ، والبيروقراطية السوفييتية ، بما مورست خلالها من سياسة القمع و التحريفية وانتهاك حرية الرأي و التعبير ، لا بد من إدانتها و الاتعاظ من تجاربها وعبرها ، لتحقيق آمال البشرية في خلق مجتمعات المساواة والعدل والاشتراكية ، لكن أن يتخذ سولجنستن وبدعم و تشجيع من الامبرياليين بالهجوم على كل مكاسب البشرية ، من تقدم و انتزاع كثير من الحقوق بفضل نضال الكادحين في العالم ، مسألة جديرة بالتفكير والتأمل ، و الشك في مصداقيتها ، والبحث عن منابعها.

لماذا لم تحفل الحكومات الغربية بقامة شامخة في الفكر والثقافة ، مثل ، ادوارد سعيد ؟ ألم يكن يعيش في منفاه بعيدا عن موطنه ؟ ألما يتعرض شعبه ولا يزال إلى اضطهاد، وانتهاك لحقوقه الإنسانية؟ هل إن إسهامات سولجنستن أكثر من إسهامات مفكر كبير مثل هربرت ماركيوز في تنمية الثقافة والفكر الفرنسيين؟ لماذا لم نسمع أن رئيسا فرنسيا نعى مثقفا مثل سارتر أو ماركيوزه ؟
هل سيقوم الغرب بأداء احترام لنعوم تشو مسكي ، مثلا ، عند وفاته ، بعد أن أصبح شوكة في عيون الامبريالية بانتقاداته وفضحه لمؤامراتها الدنيئة بحق الشعوب المستضعفة؟
احتفاء الغرب الهائل بالروائي الروسي سولجنستن لم يكن لدواعي إبداعية وأدبية ، و كان نيله لجائزة نوبل عام 1970 لأسباب سياسية ، وهي معارضته للاتحاد السوفييتي في فترة الحرب الباردة ، حيث شهدنا كيف تستقبل الحكومات الغربية أي منشق عن دول أوروبا الشرقية ، كبطل للحرية و مناضل في سبيل الديمقراطية، وكلنا سمعنا بأخبار الرياضية الرومانية ناديا كوما نتشي ، حين هربت إلى الغرب ، و أقيمت لها احتفالات مهيبة ، لكن ما يفضح نفاق العالم الرأسمالي بعد انتهاء الحرب الباردة ، ما تمارسه حكوماته من طرد طالبي اللجوء ، و رفض طلباتهم .
فإضافة إلى نتاجاته الأدبية ، كانت له آراؤه في القضايا الاجتماعية ، والسياسية ، تصلح أحيانا لأن تكون بيانات للقوى الرجعية ، إذ يكتب: " الثورات دائما مبعث المآسي ، ومصائب الناس ، والمثل الصارخ على ما أقول هو عواقب حركة عصر النهضة والتنوير، والحكومات العلمانية ، من انتشار اللا أخلاقية ، و ضعف الدين." هنا يلتقي سولجنستن مع مفكري ما بعد الحداثة المتنكرين لكل منجزات البشرية من تقدم ورفاه ، و دولة القانون، ما خلق هوة بينه وبين اللبراليين . إنه يوصي بالعودة إلى المسيحية لخلاص المجتمع ، و يروج للقومية الروسية العظمى . وبعد أن قاطعته القوى الاشتراكية واليسارية ، و اللبرالية والعلمانية ، لم يبق، في أيامه الأخيرة له أصدقاء سوى من أوساط رجال الدين الارتودوكسي ، والقوميين العنصريين ، والقيصريين .
لا شك أن سولجنستن روائي كبير ، لكن ليس بحجم مواطنه باسترناك الذي كان أيضا من المنتقدين للستالينية ، والذي خلق عملا خالدا ، مثل رواية دكتور جيفاكو ، التي لا ترقى إليها أية رواية من روايات سولجنستن.
فكل شيء في نظر الرأسمالية سلعة و مادة استهلاكية: المرأة والإنسان، والثقافة و كل ما يمكن أن يجني منه الرأسمالي ربحا. فالرأسمالية ، أخيرا ، استهلكت " الكسندر سولجنستن" ، ورمت به في سلال النسيان.

2008-08-13








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير!!!!!! التبعية من اخطر تركات امتحان اللغة الفرنسية الثا


.. خد بالك تركات في امتحان اللغة الفرنسية #الوفد_التعليمي #ثانو




.. اوعى تختار المصدر في سؤال الازمنة في امتحان اللغة الفرنسية #


.. أحمد حلمى أفلام دريد لحام أثرت عليا في طريقة شغلى وعرض الفن




.. كلمة أخيرة - تفاصيل أول معسكر يجمع محمد صلاح وحسام وإبراهيم