الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشّاعرُ وَأُخْوَةُ يوسُف..

كمال سبتي

2004 / 2 / 4
الادب والفن


الشّاعرُ وَأُخْوَةُ يوسُف..
كمال سبتي
[email protected]


إِشتغلَ العراقيّونَ في الشّعر شغلاً جبّاراً ،  أواخر العقد السَّبعيني.. وطوال عقد الثَّمانينات.. سُمُّيَ حينها بالكتابة الجديدة ، أو الحداثة الشّعريّة العراقيّة.. للتّفريق بينه وبين التّجربة الأودينيسيّة اللّغويّة الباردة في الشّعر. شغلٌ جبّارٌ لا أعدلُهُ ، أو لا أقرنُهُ ، أو لا أُشبّهُهُ ، من حيث الأهميّة الفنيّة والتّاريخيّة ، إِلاّ بحركة الرّواية في أميريكا اللاّتينيّة في العقود الماضية الأخيرة.
كان شغلهم في الشِّعر حركة جديدة تعيد الريادة إِليهم بعد موت بدر شاكر السّيّاب ،
وكأنَّ لسان حالهم كان يقول : انّه شعرنا ونحن أعرَفُ به من غيرنا .
وكان الشّغل أيضاً حرباً في جبهاتٍ مختلفة.. مع شعراء الحرب ، أو شعراء قادسيّة صدّام ، ومع شعراء محافظين ، وهم غير الكلاسيكيّين ، ومع شعراء عرب يكرهون أبوّةَ الشّعر العراقي للشّعر العربيّ ، ومع شعراء من بينهم ، كانوا فهموا الحداثة فهم غشامى ،  فظنّوها لعباً لغوياً ليس إِلاّ.
في عزِّ الشّغل ذاك ، في الحداثة الشعريّة  ، كتبتُ مقالاً بعنوان : السيّابُ أبي ، وفي عزِّ الشغل ذاك كنّا نتحاور مع الكلاسيكيّين ، وفي عزِّ الشغل ذاك كنّا نرفض شاعراً لا يعرف العروض أو لايعرف شيئاً عن القرآن أو لايقرأ التراث تأريخاً وأدباً ، وفي عزِّ الشّغل ذاك كنّا نتذّكر أخوتنا الّذين يعيشون خارج العراق ، فكنّا نسوّ قُ أدبهم السّياسيَّ ، الخطابيّ ، المباشر ، بيننا .
بل إنّنا كوَّنّا خليّةً من بيننا في مقهى حسن عجمي ، وفي إِتّحاد الأُدباء لتسويق أدب أخوتنا أُولائك.. حتّى قيل لي  مرةً ، بل أكثرَ من مرّة : كيف يبرّرشاعر يدعو إِلى الكتابة الجديدة - وكانت مقالاتي المعنونة : الكتابة الجديدة ، تنْشَرُ تباعاً آنذاك -تسويقَه أدباً حزبيّاً باهتاً ؟ وكنت أقول : لهم الحق ُّ، كلّ الحقّ في أنْ يوجَدوا بيننا .
والآن عندما أتذَكّر ما كنّا نفعله قبل هربي من البلاد ، أشعر بالفخر لوجودي في تلك الخليّة مع عدد من الأصدقاء الرّائعين .
كنّا نحصل على تلك المجلّة أو الجريدة ، التي لا تدخل العراق بطرق شتّى وما أن
نرى شيئاً فيها لأحد أخوتنا أُولائكَ  حتى نهرع لتصويره وتوزيعه في المقهى وفي الكلّيّات وفي إِتحاد الأدباء وفي المرافق الفنية والأدبيّة الأخرى ..
وحين هربتُ ، هربتُ برصيدٍ في التّصوير وفي التّوزيع ، قد لا يملكه غير الشّاعر نصيف النّاصري ، العضو البارز في تلك الخليّة.
وحين دخلت بيتَ سعدي يوسف في بلغراد بعد الهرب.. أخْبَرتُهُ بالأمر .
لكنّ هذه الحركة الأدبيّة الكبرى في الأدب العربي ، شاء لها حظّها ومصيرها أن تولد في ظروف بالغة القسوة.. سياسيّاً ، وأخلاقيّاً : حروب.. ودكتاتور.. فإِذا نحن انتهينا منهما .. وهربنا من البلاد .. وحُكِمنا بالإعدام.. وجدنا ألأمَرَّ منهما : أخوة يوسُف.
أخوة يوسف هم أخوتنا الذين كنّا نصوّر ما ينشرونه ، ونوزِّعُهُ على الطّلبة في الكلّيّات ، والنّاس  والأدباء الأصدقاء - غير أدباء الحرب ، الوشاة ، كتّاب التَّقارير.. - لأنّنا كنّا نؤمن بحقّهم في الوجود هناك .. لكنّ أخوةَ  يوسف
ما أن رأونا نرفض الأدب الحزبيّ في المنفى حتّى رفضوا وجودنا بل وتحالفوا مع شعراء قادسيّة صدّام ضدّنا ،  وحضروا معهم مهرجانات أُقيمت في قطر
وغيرها من الدول .
أخوة يوسف هؤلاء وأُولائك .. كتائبُ تشنُّ حرباً ضدَّ أدبنا ليلَ نهارٍ بمعارك أُخرى.. هي ليست تلك المعارك الفكريّة التي يخوضها الأدباء في العالم .
لا ، فالمعارك الفكريّة تقوّي الأديب ، في البحث المتواصل في المعرفة من أجل توضيح فكره..
أخوة يوسُف ليسوا مفكّرين .. بل قد لا يكونون مثقفين أصلاً .
معارك أخوة يوسف التي يشنّونها ليلَ نهار ، معارك لا تقوّي الأديب ، بل تهدّمه ،
قد تدفع به الى الجنون ، أو إلى المستشفيات ، أو إلى الإنتحار.. وهناك ستُرفَعُ أنخاب الإنتصار بين الأخوة  في مشهد يتكرّرُ كثيراً في أفلام المافيا.
قلت لأدونيس في المهاتفة الأخيرة : لولا أخوة يوسف ، لكان العراقيّون قد فازوا بنوبل للآداب.. { على الرّغم من انَّ تربيتي الشّعريّة لا تؤمن بالجوائز ، بل بالشّعراءِ الشّهداءِ .. } ولم يعجبه قولي هذا .. مؤكدٌ انّ الرّجل كان ينتظر منّي قولاً آخرَ في هذه الأيّام العصيبة .
كان أدونيس محظوظاً في معاركه الأدبيّة ، فليس لديه أخوةٌ كأخوة يوسف ،
والمعارك الأدبيّة تقوّي الأديبَ كما قلت. وكان أدونيس محظوظاً، أيضاً ، بوجود أخوة يوسف بيننا، فإليهم يعود الفضل في بقاء قيمٍ معرفيةٍ مبتدئةٍ و قيمٍ ٍشعريّةٍ نمطيّةٍ جامدةٍ ، بعد أن أدارت الحداثة الشّعريّة العراقيّة ، تلك الحركة الأدبيّة الكبرى، العجلةَ تماماً ، وحطّت من قيمة اللعب اللغويّ البارد، من بين ما حطّت من قيمٍ . لكنّ أخوة يوسف، في اشعالهم تلك الحرب التشويهيّة ضدّ رموزالحركة ، ساهموا إلى حدٍّ بعيدٍ في تأخير تأكيد القِيَمِ الجديدة للحركة الأدبيّة العراقيّة في الواقع الأدبي العربي.
فحروب التّخوين والتَّشهير تُشغلُ ضحاياها من شرفاء النّاس كثيراّ، فما بالك
كان الضّحية نفسه أطهرَ من أخوةِ يوسُف بمقاييس الشّرف عندهم   ؟ إذا
فأنتَ لاتجلسُ مع أديبٍ عربيٍّ ، أو صحفيّ ، إلاّ ونقلَ لك شيئاً من نمائم أخوة يوسف ، فترى نفسك مدافعاً عن كنزِكَ الوحيدِ في هذا العالم : شرفك الشّخصيّ أو شرفك الشّعريّ..لا فرق بينهما عندي. فقل لي ماالذي يبقى ، بعد ذلك، للكلام عن الحداثة الشّعريّة العراقيّة ، وإنجازها ؟
ما هو ردّنا ؟
ردّنا هو أنْ نُحبَّهم .
في  ديواني الأوّل وردة البحر ، كنت ُ اخترتُ مقطعاً شعريّاً لسيفيريس.. يقول فيه :
نحن ُالّذينَ لم نكنْ نَمْلكُ شيْئاً ، سنعلّمهم ، سنعلّم السّكينة ..
هذا هو ردّنا الوحيد .. لنعلّمهم الحبّ.. والسّكينة..
***
لأخوة يوسف لا أقول إلاّ ما قالَ القرآنُ : * وتَوَّلّى عنهم وقالَ يا اَسَفي على يوسُفَ وابيضَّتْ عيناهُ من الحزنِ فهو كظيمٌ* قالوا تاللهِ تفتأُ تذكُرُ يوسُفَ حتّى تكونَ حَرَضاً أو تكونَ من الهالكين * قالَ انَّما أشكو بَثّي وحُزْني إلى الله..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتحوّل الصفّ لمسرح والطلاب -لجمهور- أثناء التدريس مع أست


.. كوميدي إسرائيلي يتّصل بفندق لبناني للحجز... والموظف: -روحوا




.. الفنانة السودانية مفاز بشرى في ضيافة صباح العربية


.. أخبار الصباح | محاكمة -الصمت- لترمب تتحول إلى -فيلم بتذكرة-




.. ندوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة ا