الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من - النقابية السياسية - إلى النقابية - الليبرالية - .. !! ..

بدر الدين شنن

2008 / 8 / 15
الحركة العمالية والنقابية


قد يحمل عنوان هذا المقال الغرابة وعدم الدقة . وللتوضيح ، فإن القصد من وراء هذا التوصيف للنقابية الرسمية ، هو كشف المآلات التي وصل إليها التنظيم النقابي الرسمي ، من خلال إلتزامه ب " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " أي إلتزامه بقرارات وتوجهات الحزب والحكومة في الحقول السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وتخليه عن النضال المطلبي ، الذي يعكس حقيقة أن جل النقابيين في الهيئات النقابية في العقود الأخيرة هم من المنتمين لحزب البعث الحاكم ، دعماً لطموحات الرأسمال السلطوي المتنامي لتحقيق التراكم المالي السهل غير المشروع ، وكذلك لإضاءة الإرتباك الذي أحدثه توجه النظام الحاسم نحو الخصخصة واقتصاد السوق في صفوف التنظيم النقابي ، وخلخل الاعتبارات شبه " الأيديولوجية " ، لدى عدد من النقابيين لابأس به ، التي تشكل خلفية " النقابية السياسية " ، وهز بعنف القاعدة التي يرتكز عليها .. عمالياً .. ومالياً ..

فطوال أربعة وثلاثين عاماً ، كان الغطاء " للنقابية السياسية " وتجميد ، أو إلغاء ، النضال المطلبي ، هو دعم عملية ، بناء القطاع العام ، وبناء اقتصاد وطني يحمل برنامج التحول التدريجي المخادع نحو " الاشتراكية " أي دعم النظام الذي يقود هذه العملية .
والآن .. بعد أن أخذ القطاع العام يتلاشى بفعل متعمد .. بعد أن نهب وتم تخريبه بفعل متعمد .. من قبل أركان هذا النظام ، والاقتصاد بات تحت رحمة اقتصاد السوق وشروطه الداخلية والخارجية المؤلمة ، وبدل حمولته ببرنامج الآلام الاجتماعية ، التي ستضرب أولاً الطبقة العاملة ، وذلك بمضاعفة حجم البطالة عن طريق الخصخصة والتعامل مع الرساميل الوافدة في الحقل العقاري وليس في الحقل الصناعي ، وانخفاض القدرة الشرائية للأجور والرواتب ، وارتفاع الأسعار المتصاعد ، وتوسيع قاعدة الفقر الأسود بملايين جديدة محرومة مهمشة من الطبقات الشعبية ، الأمر الذي أدى إلى إ سقاط " النقابية السياسية " بمضمونها السابق المسوغ لها ، أصبح من الموضوعية أن تكتسب " النقابية السياسية " تلقائياً توصيفاً يتناسب ومرحلة التحولات الليبرالية الاقتصادية ، التي ا ستسلم لها التنظيم النقابي الرسمي ، وبدأ هذا التنظيم يتخذ الإجراءات للقيام بدور نقابي جديد يخدم الليبرالية الاقتصادية الزاحفة كالتصحر على كل مثاليات ومخادعات " النقابية السياسية " الرسمية .

وهذا ما يستوجب التأكيد ، قطعاً للتأويل والالتباس ، على أن مايحدث الآن للنقابية الرسمية ، لم يكن مفاجئاً .. أو غير متوقع .. وإنما كان يسير بخطوات ثابتة مواكبة لخطوات الحكومة السافرة في عملية التحولات الاقتصادية الجارية منذ سنوات طويلة ، وذلك من خلال حضور ممثلي هذه النقابية الرسمي ضمن إطار فريق العمل الواحد ، مع الحزب والادارة والحكومة . وقد صرح رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال أكثر من مرة ، أن كل ما يمس العمال والقطاع العام لايتخذ بشأنه قرار حكومي إلاّ بمشاركتنا . بل وخص النائب الاقتصادي " الدردري " بشهادة حسن سلوك ، بأن الأخير وعد ، أنه لن يخطو خطوة اقتصادية واحدة دون العودة إلى الاتحاد العام أولاً .

ربما كان تسارع إيقاع إجراءات الخصخصة واقتصاد السوق ، هو الذي عجل بالوصول إلى هذه المآلات البائسة للنقابية السياسية ، وكان مصدر إرتباكها . ولهذا ، فإن النقابية الرسمية بدأت تعد العدد لملاقاة المرحلة الجديدة ، التي تتمثل إحدى تجلياتها في نقص عدد المنتسبين للنقابات ونقص رصيدها المالي ، نتيجة تقلص وخصخصة القطاع العام ، وذلك بالتوجه نحو القواعد العمالية في القطاع الخاص ، لجذب العمال في هذه القواعد للإنتساب إلى النقابات لتعويض النقص الحاصل في عدد المنتسبين إليها وبالتالي النقص في رصيدها المالي ، ولتعويض دورها المتناقص في الفريق الواحد مع الادارة والحكومة في القطاع العام بالعمل على الانخراط في فريق عمل واحد مع أرباب العمل والحكومة في القطاع الخاص ، لمواصلة دور النقابية الملتزمة ، ليس بتوجهات ومصالح الرفاق في " الحزب القائد " وحسب هذه المرة ، وإنما بتوجهات ومصالح أرباب العمل في القطاع الخاص أيضاً، من خلال ماسماه أحد النقابيين الرسميين ، بالتعاون النقابي مع أرباب العمل في مرحلة التحولات الاقتصادية الليبرالية وتداعياتها على الاقتصاد ، أي على أرباب العمل . بمعنى أداء خدمة ا ستمرار تجميد النضال المطلبي ، لتوفير فرص النجاح في زحمة اقتصاد السوق الذي تختلط فيه المصالح المحلية بالدولية وتشتد فيه المنافسة .

المأساة المضحكة ، أنه عند بدء الإعداد للتوجه النقابي الرسمي نحو عمال القطاع الخاص ، لم يعرف القادة النقابيون عمداء " النقابية السياسية " كم هو عدد عمال القطاع الخاص . وأين تتموضع تجمعاتهم الأساسية ، وفي أية مهن وأية مراكز إنتاجية . وتم اكتشاف أن ليس لدى النقابية السياسية نقابيون متمرسون أو قادة نقابيون في القطاع الخاص . أي بين أربعة ملايين عامل من اصل خمسة ملايين يشكلون حجم الطبقة العاملة السورية . وبدأ التخمين حول مطالب العمال في القطاع الخاص والشروط والصعوبات التي يعانون منها ، لوضع برنامج مطلبي ، لجذب هؤلاء العمال المهمشين أربعين عاماً نقابياً إلى الانتساب للنقابات التي اكتشفت أخيراً أنهم بلا أطر نقابية ، وليس للنضال من أجل تحقيقه ، فهذا يتعارض مع التفكير النقابي " الاستراتيجي " الذي يتطلب الانخراط في فريق عمل واحد مع أرباب العمل للتصدي للمهام " الاستراتيجية " في ميدان اقتصاد السوق . وقد خلصت نتائج المداولات في اللقاءات النقابية الرسمية ، إلى أنه يجب " خلق " قادة نقابيين في القطاع الخاص . وتلخيص البرنامج المطلبي العتيد حول الاستقالات وبراءات الذمة المسبقة ، التي ينتزعها أرباب العمل من العمال قبل تشغيلهم لديهم . أما معدلات الأجور والأسعار والحريات النقابية وحق الاضراب للدفاع عن الحقوق العمالية ، فهذه أمر ليست من تقاليد " النقابية السياسية " .

مامعناه بالضبط ، هو ا ستنساخ " النقابية السياسية " بثوب جديد وا سم جديد " ملبرل " ، لتوسيع الدور النقابي الرسمي ضمن فريق عمل واحد مع الحكومة وسادة الاقتصاد القدامى والجدد . وتعبيراً عن ذلك ، فقد وقع الاتحاد العام لنقابات العمال على " عقد العمل اللائق " مع أرباب العمل والحكومة . وقد صرحت الدكتورة ندى الناشف مديرة المكتب الإقليمي في منظمة العمل العربية أن ( برنامج العمل اللائق صمم بهدف مساعدة الحكومة لتنفيذ أهداف الخطة الخمسية العاشرة ) . التي تتضمن الخصخصة واقتصاد السوق . كما صرح عماد غريواتي رئيس اتحاد الغرف الصناعية في سوريا أن ( العقد بين الرأ سمال والعمل هو القوة الضامنة لاستقرار المؤسسات .. ) . أما النقابي أحمد الحسن عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات العمال فقال ( لقد وقععنا العقد .. عقد العمل اللائق .. على مضض ) .

وقد لخص النائب الاقتصادي " الدردري في تصريح له بتاريخ 17 - 2 - 2008 كل ما يجري في الحقل الاقتصادي بما يلي : إن كل ما تقوم به الحكومة من إصلاح في السياسات النقدية والنظام المالي والمصرفي وإصلاح السياسة الضريبية وتحرير التجارة وتحسين بيئة الاستثمار هي وسائل وليست أهدافاً ، فالهدف الحقيقي الإرتقاء بمعيشة المواطن السوري وقدرته على ممارسة حقوقه الد ستورية ..

وما جرى في الستة أ شهر الماضية ، من ارتفاع في الأسعار ، وغلاء معيشة متزايد غير مسبوق ، وتوسيع حملات الاعتقالات لحملة الرأي ، يشير إلى عدم مصداقية النائب " الدردري " . كما يشير إلى حجم التواطؤ النقابي الأسوأ القادم ، لارتباطه بالآفاق " الدردرية " الاقتصادية للنظام ، التي تلخص مآلات التحولات غير المطابقة لمصلحة البلاد عامة والطبقة العاملة وبقية الطبقات الشعبية خاصة ، وإنما هي مطابقة فقط لمصلحة شريحة تمثل رأ سمالي السلطة وشركائهم الطامحين للشراكة مع الاتحاد الأوربي ومنظمة التجارة العالمية .

وهنا لابد من السؤال ، إلى متى ستبقى الاختناقات النقابية .. وإلى متى الانتظار .. حتى تبدع الطبقة العاملة السورية قيادتها النقابية المناضلة .. المدافعة عن حقوقها وحرياتها .. وعن لقمة عيشها ومستقبل أبنائها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح ( حدود التعامل بين المخطوبي


.. فيديو لطفل مكبل ويعامل بشكل عنيف يثير غضبا بالكويت




.. رئيس الاتحاد العمّالي العام لـ-الحرّة-: الإجتماع مع رئيس الح


.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح ( التعامل بين الأولاد ووالد




.. الطريقة المثالية للتعامل مع الموظفين المتأخرين