الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كركوك والمثلث المجهول الأضلاع

محمد سليم سواري

2008 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


في هذه الأيام إشتد الإحتقان وكثر الكلام عن محافظة كركوك وخاصة بعد موافقة البرلمان العراقي على القانون رقم " 24 " في جلسة سرية ونقضه من قبل مجلس الرئاسة ، والذي يسمع ويشاهد المناقشات والملاسنات في القنوات الفضائية وعلى صفحات الصحف تملكه العجب وكأن هناك توقيت لهذا الأمر ، ليصب كل من جانبه الزيت على هذا الحريق الهائل الذي سوف يأكل الأخضر واليابس " لا سمح الله " .. الكل يتكلم عن قناعاته التي يسميها بالمتواضعة في قول الحق ورد المظالم وان ما يقوله هو الحل الأمثل للوصول بهذه السفينة الى بر السلام والامان .. منهم من يؤكد بالادلة التأريخية والوثائق الدامغة بأن كركوك محافظة كردستانية ولن يهدأ بال الكرد إلا بإنضمام هذه المحافظة الى إقليم كردستان ، وهناك من يقول بأن مدينة كركوك " فقط " مدينة تركمانية حيث يسكنها التركمان ، وهناك فرق شاسع بين مفهوم المحافظة والمدينة .. والفريق الثالث يؤكد على عراقية المدينة بل وعروبتها والتغاضي لما جرى للمواطنين الكرد والتركمان والكلدوآشور من مظالم ومعاناة والإستسلام لهذا الواقع ، حتى أن أحدهم ذهب الى القول بأن ما جرى للكرد من تشرد وأنفال والموت بالكيمياوي كان دفاعاً عن الكرد وجبال كردستان ضد الغزو الايراني وعلى الكرد ان يكونوا أوفياء في رد هذا الدين في الأعناق ؟!
عندما أسمع وأقرأ كل تلك الطروحات والتي منها ما تكون نارية واخرى هادئة ، أستحضر في ذهني صورة الزعيم الاسطوري " البارزاني الأب " حيث أُجبر في ربيع 1974 الى حمل السلاح مكرهاً بعد أربع سنوات من الهدنة والوعود والمؤامرات وبيان الحادي عشر من آذار الخالد حيث كان الخلاف مع قيادة بغداد آنذاك عن مصير مدينة كركوك والبارزاني لم يحمل السلاح على مضض ويطالب بنفط كركوك ، لأن النفط كان مؤمماً ولم يخطر بباله بأنه في أرض كركوك 7 % من إحتياط النفط العالمي ولم يكن هناك قانون النفط والغاز للأقاليم وصلاحيات المحافظات وعقد الإتفاقيات ونهب للثروات ، بل كان دفاع الرجل عن كركوك ينم عن مسألة أخلاقية تجاه معاناة ونضالات شعبه ، وبسبب هذا الموقف وتنصل القيادة العراقية عن وعودها حدث ما حدث ليحتضن نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك صدام حسين محمد رضا بهلوي شاه ايران بالقبل في جزائر العاصمة وبمبادرة من الرئيس الجزائري هواري بوميدين وقدم للشاه شط العرب وأجزاء اخرى من العراق هدية على طبق من الذهب ، للقضاء على تطلعات الشعب الكردي ، حيث استكثر أقل من ذلك على أبناء شعبه الكردي ، وبعد مجيء النظام الاسلامي الى الحكم في ايران شعر صدام حسين بكبوته التأريخية ، فتنصل من اتفاقية الجزائر واعتبرها حبراً على الورق ، فكانت حرب السنوات الثماني والمأساة الحقيقية لكل أبناء العراق بعربه وكرده وتركمانه وكلدوآشوريه ، تبعها مأساة احتلال الكويت ، ثم إحتلال العراق من قبل أمريكا ، وبعد أن قضى البارزاني نحبه في الغربة والمرض يأكل جسده والحسرة قلبه والتشرد والهجرة تفتك بمعظم أبناء شعبه والقلق والحيرة من المستقبل يخيم على سماء حياة الكثر من الكرد .
ومن بين صور كثيرة في الذاكرة عن كركوك لن أنسى ما عاناه استاذي وصديقي الكاتب والمفكر الكردي صلاح سعدالله الذي كان من المتفوقين في دراسته الثانوية وارسل في بعثة دراسية الى بريطانيا للتخصص في صناعة النفط فرجع الى ربوع الوطن مهندساً نفطياً والأمل تملئ قلبه لخدمة بلده فعمل مجاهداً في حقول نفط كركوك ولكن قدره لأنه كردي نفي من كركوك مع المئات لانه ليس من حقهم ان يكونوا موظفين في كركوك فلمم جراحه قبل أثاثه الى بغداد ، ولم تشفع له إخلاصه وكفائته وشهادته ، لتموت كل هذه في أروقة وزارة النفط العراقية .. وأتذكر صور أبناء العشائر من الاخوة العرب فقط الذين جلبهم النظام السابق الى كركوك بإختيارهم بعد أن منحهم امتيازات يحلم بها اي شخص آنذاك ، ولا أتفق مع الذين ينعتونهم بضحايا النظام السابق ، حيث أتوا الى المحافظة بمحض إرادتهم وتقديم الطلبات ونقل سجلات نفوسهم وكنت تراهم في أحياء وشوارع المدينة وكأنهم أتوا فاتحين تحت أقواس النصر والغم تأخذ بقلوب أبناء المدينة الأصليين من الكرد والتركمان.. وأمام تلك الصورة لن يغيب عن بالي صورة زميلي في الدائرة " حكيم الحلاق " سنة 1995 وهو يذرف الدموع لأن ثلاثة من أشقائه قد أودعوا التوقيف إستعداداً لترحيلهم مع عوائلهم المؤلفة من " 37 " نسمة عن مدينتهم كركوك الى حيث المجهول ليتركوا فيها ثلاثة بيوت وعقارات ورفاة أجدادهم وأحبائهم مع الآلاف من العوائل الكردية ، وقد استنجد بي بتلك الدموع ليكون لي ولبعض الخيرين موقف معه في محنته هذه .
واليوم وكركوك هي القضية العراقية بين العراقيين ، حيث تلعب الأصابع الغريبة وأجندة خارج الحدود سواء كانت تركية أو ايرانية او دول عربية او أمريكية لتعود بنا الى مربع سنة 1974 حيث خذل عراب السياسة الأمريكية آنذاك هنري كسنجر القادة الكرد ، وان تركيا لا تذرف دموع التماسيح على تركمان كركوك من أجل عيونهم ، والدول الاخرى ذات الأجندة المريبة في العراق لا تحب الخير للعراق كما يحب العراقيون لأنفسهم ولوطنهم ، وبعد انحسار عمليات الارهاب بفعل قبضة العراقيين ، يريدون للعراقيين ان يلعبوا هذه اللعبة ، لعبة كركوك لينسى الناس الكثير مما يجرى في الخفاء حيث نهب البلاد .
واذا كان كل العراقيين قد دفعوا ثمن فاتورة خذلان الكرد سنة 1974 والتنصل من الوعود ، فان الآتي من الأيام سيكون أكثر سوءاً لا سمح الله لو فكر كل طرف بمصلحته الضيقة وذات الأجندة الغريبة .. وهنا أتذكر صور المظاهرات التركمانية والعربية وهي تطالب بعدم إلحاق محافظة كركوك بإقليم كردستان ، وكنت في مدينتي دهوك وصعدت الى سيارة تاكسي والشوارع تعج بالمتظاهرين بإلحاق كركوك بإقليم كردستان وعرفت بأن السائق من عشيرة " الكوجر " فجرني الى الكلام وقال : " في وقت صدام حسين كنت أعمل سائقاً للتاكسي لأبعد شبح الجوع والعوزعن أطفالي السبعة ومنذ سنة 1991 أعمل كذلك سائقاً للتاكسي ، ولو بقت كركوك على حالها او انضمت الى الإقليم فسوف أبقى وراء هذا الإستيرن " .. عند ذلك عرفت أن هذا السائق المسكين بدأ يتعلم ببدويته البريئة ـ منطق الربح والخسارة والمصلحة ـ من السادة السياسيين الذين لا تبتعد كل أجندتهم من حسابات الربح والخسارة ومعادلة هذا كله لي وما تملكه أنت في جيبك أنا شريك معك ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينية تشاهد قوات الاحتلال تهدم مساكن عائلتها بوادي الخليل


.. نازحة فلسطينية تتكفل بطفل فقد والديه في قصف إسرائيلي جنوب قط




.. من زورق لخفر السواحل الجيبوتي.. مراسل الجزيرة يرصد الأوضاع ف


.. معاناة نساء غزة بسبب الحرب




.. منديل أول اتفاق لنادي برشلونة لضم ميسي في مزاد علني بأكثر من