الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عسكر موريتانيا:العودة من وراء الستار

محمد سيد رصاص

2008 / 8 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كان انقلاب6آب2008هو العاشر في سلسلة الإنقلابات العسكرية الموريتانية(ومحاولات الإنقلاب)التي بدأت في يوم10تموز1978،إلاأن الملفت للنظر،في الإنقلاب الأخير،أنه أتى بعد عام وأربعة أشهر من حكم مدني (جاء حصيلة انتخابات رئاسية وتشريعية)مهَد له العسكر بفترة انتقالية بدأت بانقلاب 3آب2005الذي أطاح فيه الجيش بحكم العقيد معاوية ولد الطايع الذي دام عشرون عاماً ونيف إثر انقلابه العسكري على سلفه العقيد خونا ولد هيدالله في يوم12كانون أول1984.
ظلت الصورة هادئة بين الرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله،الذي تلقى دعم العسكر العلني في انتخابات الرئاسة(آذار2007)ضد المرشح أحمد ولد داداه(المعارض الأبرز للحكم العسكري خلال عقدين من حكم ولد الطايع)،وبين العسكر العائدين إلى الثكنات،حتى اتجاه الرئيس الموريتاني في أيار الماضي إلى استبدال الحكومة(برئاسة زين ولد الزين)بحكومة جديدة دخلتها قوى اسلامية= حزب تواصلويسارية=حزب اتحاد قوى التقدم:أدت هذه الخطوة إلى انشقاق علني بين الرئيس والعسكر،بعد أن أشَرت إلى اتجاه الرئيس المدني إلى بحث عن قواعد جديدة يرتكز إليها إثر عام كامل لم يكن فيه خافياً أن من كانوا في الثكنات قد استمروا حاكمين فعليين من وراء الستار المدني.الملفت للنظر،أن مشهد(مابعد5أيار2008الموريتاني)قد تميز بانقلاب التحالفات السياسية بشكل جذري،لنرى فيه(تكتل القوى الديمقراطية)،بزعامة أحمد ولد داداه المعارض المزمن للعسكر،يستمر بالوقوف في الضفة الأخرى حيال الرئيس المدني المحاول التحرر من الجنرالات،فيما ابتعد عدد كبير من أنصار الرئيس السابقين في حزبه المتشكل حديثاً=حزب العهد الوطني للديمقراطية والتنمية-عادلوالذين لم يكونوا يخفون ارتباطهم بالمؤسسة العسكرية،ليجد الرئيس الموريتاني-بالمقابل- أنصاراً جدداً عند الإسلاميين واليساريين وعند بعض الموالين السابقين لحكم ولد الطايع،إضافة لمن بقي موالياً له من نواب حزبه في(الجمعية الوطنية)و(مجلس الشيوخ)وهم أقل من نصف قوام نواب (حزب عادل)بالمجلسين،وقد اجتمع نواب حزب أحمد ولد داداه،مع المتمردين في الحزب الحاكم،ليطيحوا بحكومة يحيى ولد أحمد الواقف في 30حزيران،الذي أعاد تشكيلها(عندما أصرَ الرئيس على تكليفه من جديد)من دون الإسلاميين واليساريين بعد أن كانت مشاركتهما هي الذريعة لخطوة حجب الثقة عن الحكومة،ليتطور الأمر،خلال شهر كامل سبق الإنقلاب،إلى انتقال نواب الحزب الحاكم ،الموالون للعسكر والمعارضون للرئيس ولرئيس حكومته،من التمرد إلى ترك الحزب ،وهو ماترافق ،قبل أيام من الإنقلاب،بمطالبة ولد داداه باستقالة الرئيس.
هنا،كانت محاولة الرئيس المدني ضرب (الحلقة المركزية)ضده،من خلال مرسوم إقالة أصحاب المراكز الرئيسية في المؤسسة العسكرية لإدراكه أين القوة الفعلية الواقفة وراء خصومه المدنيين،مؤدية إلى حدوث الإنقلاب العسكري بعد ساعتين من صدور ذلك المرسوم في صباح يوم6آب،الذي كانت صورة الإستقطاب حوله معادلة لصورة شهر تموز،حيث وقف الإسلاميون واليساريون وبقايا(حزب عادل)مع"الشرعية الرئاسية"،فيما أيد النواب المنشقون على حزب الرئيس الإنقلاب،بينما حمَل (تكتل القوى الديمقراطية)الرئيس ولد الشيخ عبدالله"مسؤولية الإنقلاب"وأخذ موقفاً ملتبساً كان واضحاً فيه التأييد لحركة العسكر الإنقلابية،في تناقض صارخ مع تاريخ السيد ولد داداه كمعارض شرس قديم لحكم الثكنات،ربما بعد أن تحكمت به نزعة"الثأر السياسي"تجاه شخص فاز عليه بصعوبة في انتخابات الرئاسة بفضل دعم العسكر.
في هذا الإطار،يشكل الإنقلاب الموريتاني الأخير مثالاً في سلسلة تجارب عن علاقة(حكم مدني)،أتى أوجاء بعد حكم عسكري،مع مؤسسة الجيش:في تركيا،بعد انقلاب أيار1960على عدنان مندريس،استطاع العسكر،مع اضطرابات اجتماعية ورخاوة في قوة المؤسسات الحزبية وتناقضاتها،أن يحكموا من وراء الستار طوال الفترة الممتدة بين عامي1965و2002(باستثناء فترات الحكم العسكري المباشر بعد انقلابي1971و1980)عندما أتى حزب رجب طيب أردوغان للحكم،الذي استطاع خلق توازن لم يستطع الجيش قلبه في أزمتي صيفي عامي2007و2008،اللتان خرج منهما رئيس الوزراء التركي بمصير مختلف عن أستاذه أرباكان في عام1997لما نفذ عليه الجيش عملية إطاحة عبر فرط ائتلافه الحكومي،وعن مصير رئيس الوزراء السابق ديميريل الذي قام الجيش ضده بانقلابي1971و1980.هنا،يبدو أن تجربة الرئيس الجزائري بوتفليقة مشابهة لتجربة أردوغان من حيث اتجاه المؤسسة السياسية المدنية نحو التحرر المتزايد من قبضة العسكر،الذين حكموا الجزائر من وراء الستار في عهود الرؤساء بوضياف وعلي كافي وزروال حتى دعمهم للمرشح بوتفليقة في انتخابات الرئاسة عام1999،بينما تعطي تجربة باكستان ،منذ خلع الجنرال مشرَف للبذلة العسكرية(واكتفائه بمنصب الرئيس في صفقة كان طرفاها الآخران:بنازير بوتو،وواشنطن) في خريف2007 وقبوله بحكومة تفرزها انتخابات برلمانية فاز فيها بشباط الماضي خصومه في(حزب الشعب)و(الرابطة الإسلامية)،صورة عن حكم عسكري مأزوم ،في الداخل بالترافق مع اتجاه الخارج الدولي لرفع الغطاء عنه،بدأت موازين القوى الآن بالميلان ضده ،لأول مرة منذ أن تخلى الجنرالات عن حكم باكستان إثر هزيمتهم في الحرب مع الهند عام1971ليسلموا الحكم لذوالفقار علي بوتو قبل أن ينقضوا عليه في تموز1977، لصالح قوة المدنيين في الأحزاب وقوى المجتمع الأهلي-المدني،فيماكانت الفترة، الفاصلة بين موت الجنرال ضياء الحق(آب88)وانقلاب الجنرال مشرَف(تشرين أول99)،لاتتعدى شكل حكم غير عسكري لم يستطع التحرر من تحكم العسكر الخفي بالأمور من وراء الستار المدني.
ألايؤشر الإنقلاب العسكري الموريتاني الأخير إلى هشاشة قوة المؤسسة المدنية=أحزاب وهيئات وقوى المجتمع المدني-الأهليأمام المؤسسة العسكرية،مع العلم بأن موريتانيا تملك حياة سياسية خصبة،ربما لايوازيها عربياً،من حيث الغنى وتعدد الإتجاهات،سوى المغرب والسودان؟............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA