الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورصة ، بورصة – ولا عزاء للفقراء

رمضان متولي

2008 / 8 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


شهدت البورصة المصرية على مدى الأسبوع الماضي موجة من الانهيارات المتلاحقة تضاربت في تفسيرها آراء المحللين لكنهم جميعا لاحظوا موجة البيع الكثيفة من قبل المستثمرين الأجانب واتفقوا على أن قرارات 5 مايو التي تضمنت إلغاء الإعفاء الضريبي عن شركات المناطق الحرة، ورفع أسعار الفائدة بعد وصول التضخم إلى رقم قياسي جديد وأزمة مصنع أجريوم كانت وراء خروج الأجانب، وهي كلها إجراءات لا تمثل إلا خصما تافها من الأرباح الخرافية التي يجنيها رجال الأعمال المصريين وشركاؤهم الأجانب.

بقاء الإعفاءات الضريبية جريمة في حق المجتمع المصري تعادل جريمة إقرارها منذ البداية، وارتفاع التضخم إلى هذه المستويات القياسية جريمة في حق فقراء مصر مستمرة ورفع أسعار الفائدة لا يعني في جوهره أن الحكومة أفاقت وبدأت تتخذ إجراءات لحماية الفقراء من التضخم، وإنما يعني فقط أنها تخشى من تفاقم الآثار السياسية والاقتصادية لارتفاع معدلاته. كما أن انهيار البورصة لا يعد شيئا مقارنة بالأضرار والكوارث التي سيجلبها مصنع أجريوم على حياة ملايين المصريين. والبورصة في حد ذاتها جريمة لا تجعل فقراء مصر يتعاطفون مع الخاسرين فيها ولا يفرحون للرابحين.

نظريا تعتبر البورصة والنظام المصرفي مجالا يتيح فرص التوسع لرأس المال قبل اكتمال دورة الاستثمار في المشروعات القائمة. والاستثمار الحقيقي دائما هو الاستثمار في قطاعات الإنتاج والخدمات الإنتاجية المختلفة، مثل الاستثمار في الصناعة والزراعة ومشروعات النقل والمشروعات التجارية (التوزيع)، ونظرا لأن هذه الاستثمارات بطبيعتها استثمارات طويلة الأجل، فإنها تستغرق عدة سنوات قبل تعويض رأس المال المستثمر من الأرباح، وبالتالي تلجأ الشركات إلى وضع فوائضها أو أرباحها في البنوك، أو يقوم ملاكها بشراء أسهم في البورصة تسمح لشركات أخرى باقتراضها أو باستخدامها في تمويل مشروعات جديدة أو توسعات بما يسمح بفرص نمو أوسع وتراكم أسرع لرأس المال، وبهذا المعنى تكون وظيفة البنوك والبورصة أنها تمنح فرصا لتوسع رأس المال خارج حدود القدرات التمويلية القائمة وقبل اكتمال دورة الاستثمار الأولية.

لكن قوانين العرض والطلب جعلت من البورصة سوقا للورق، وخلقت أوهاما مثل أن "النقود تصنع نقودا" بغض النظر عن العملية الإنتاجية نفسها في مجالات الاقتصاد الحقيقي، وهذا هو التعبير الأمثل عن المضاربة – بمعنى تحويل النقود إلى أسهم من أجل بيعها وتحويلها مرة أخرى إلى نقود مع تحقيق "ربح". وأصبحت البورصة "ساحة للقمار" بكل معنى الكلمة، يرمي المضاربون فيها "الزهر" وينتظرون الحظ السعيد بلا أي جهد إنتاجي يذكر، ينتظرون أن ترتفع أسعار الأسهم التي قاموا بشرائها أيا كان سبب هذا الارتفاع من أجل إعادة بيعها مرة أخرى وجني الأرباح. وتماما كما أن المضارب في ساحة القمار يربح بلا سبب، فإنه أيضا يخسر بلا سبب، وإذا أردنا الدقة، فإن الربح أو الخسارة لا يرجعان إلى موهبة علمية ولا خبرة فنية ولا مهارة إنتاجية، إنما هو الحظ العاثر في الخسارة وبركة دعاء الوالدين في الربح.

وبالتالي يجب أن أصرح لكم – وأمري لله – أنني لا أتعاطف مع من يخسرون أموالهم في البورصة سواء كانوا من صغار أو كبار المستثمرين (أقصد المقامرين)، تماما كما لا أفرح لأرباحهم ولا أعتبر ذلك دليلا على فرص حقيقية لإنتاج وتعظيم الثروة في المجتمع. فما يحدث في ساحة القمار التي تسمى البورصة هو إعادة توزيع الأرباح أو الخسائر التي تحدث في الاقتصاد الحقيقي حيث تدور ماكينات المصانع وعجلات الجرارت الزراعية واللواري، كما أن إعادة توزيع هذه الفوائض لا يستفيد منه على الإطلاق من يقومون فعلا بالإنتاج، فالعمال والفلاحون وعمال الخدمات الإنتاجية المختلفة عادة لا يملكون فوائضا يضاربون بها في البورصة.

ولأن البورصة سوق للورق تحكمه معايير العرض والطلب، فإن الأسهم ترتفع أسعارها، أو بالأحرى تنتفخ، إذا تدفقت عليها أموال كثيرة ترفع الطلب على الأوراق المحدودة المعروضة فيها – أي عندما يزيد الطلب على الأوراق عن المعروض منها – ويهلل المسثمرون المضاربون لذلك كما تهلل حكومة السماسرة له باعتباره دليلا على الثقة في أداء الاقتصاد، وتهلل شركات السمسرة كذلك لهذا الازدهار الطفيلي لأنه يدر عليها أرباحا طائلة من أعمال الوساطة وتنتشر التوصيات والتحليلات المتكررة دائما حول فرص النمو غير المحدود.

بعدها بطبيعة الحال يأتي الهبوط عندما يقرر من حققوا أرباحا كبيرة الخروج من السوق والبحث عن فرص أخرى أو أسواق أخرى يحققون منها مزيدا من الأرباح، وتأتي التوصيات والتحليلات أيضا متكررة، فتبدأ بأن ما يحدث في السوق مجرد "تصحيح مؤقت" بعد موجة الارتفاع الكبيرة وأن هناك "نقطة دعم" قريبة عندها سيرتد المؤشر إلى الارتفاع ويوصى المستثمرون بالشراء أو الاحتفاظ بالأسهم لتحقيق أرباح بعد نهاية الحركة "التصحيحية". وفي كل ذلك دجل لأن أحدا منهم لا يعرف حقيقة القرار الذي اتخذه كبار المضاربين وهل قرروا الخروج نهائيا أم أنهم قرروا "جني الأرباح" بعد ارتفاع الأسعار في هذه الموجة ثم الاستعداد لموجة جديدة.

المهم أن عملية الارتفاع والهبوط – سواء كانت موجات قصيرة من الارتفاع والهبوط أو اتجاها طويل الأجل نسبيا – يصاحبها رابحون وخاسرون، وتلك طبيعة ملازمة لساحة القمار، التي يحرك المضاربين فيها دائما غرائز الخوف والطمع والمصالح الفردية التي تختبئ وراء مصطلحات المخاطرة والعائد ودجل المحلل الفني والرصانة الزائفة للمحلل المالي. إنها تعبير عن طبيعة وفوضى النظام الرأسمالي في صورته الخالصة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا