الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواجهة مع حزب الله

عاصم بدرالدين

2008 / 8 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لا بد لنا بادئ ذي بدء أن نثني على الثقافة البرلمانية التي يتميز بها ممثلينا الكرام في المجلس النيابي، والتي برزت في شكل جلي في الجلسات الخمس المخصصة لمناقشة البيان الوزاري للحكومة العتيدة، حكومة الصراع الوطني المفتوح. وإذا إعتبرنا أن حزب الله اليوم هو الأول تراتبياً على الساحة اللبنانية، والأكثر نفوذاً وتأثيراً على مجريات الأحداث، فلا بد لنا ساعتذاك أن نلتفت أولاً إلى أدائه، بما فيه خطابه، في الجلسات المذكورة أعلاه، وخاصة أنه ظاهرة صاعدة منتفخة، هو والجماعة-الطائفة التي يمثل طبعاً، نتيجة لتغير موازين القوى في المنطقة والعالم و"الإنتصارات" التي حققها.
من هنا نرى أن أداء النائب علي عمار، الموكل من قبل حزب الله الإشراف على جلسات المجلس النيابي، لمكافحة ومعارضة وضرب "شتامي" الحزب، يؤدي أداءً تمثيلياً ناجعاً وشعبوياً حتى حدود الصلافة والسخافة والسخرية. فاللهجة فقط، وطريقة التعبير وحدهما، دون معنى وقيمة الكلام، يدلان على تدني المستوى، وإستهزاء حزب الله بالجميع. فالمعروف أن السيد عمار، إنفعالي وشعبوي -نقصد خطابه المعتمد- جداً، وتجيشي ومتطرف علناً أكثر من بقية زملائه في الحزب. ولا نريد هنا أن نستعمل تعبير النائب مصطفى علوش، نائب تيار المستقبل، البلطجة، ولكنه حقاً يليق وينفع، حتى أننا نستطيع التمادي أكثر في التوصيف لنقول أن هذه التصرفات تعيدنا، وتعيد السيد عمار، إلى زمن الميليشيات الإغتيالية والقاتلة الغابر، التي إستباحت الجنوب مرات ومرات، بشعبه ومثقفيه، والتي كان هو نفسه شاهداً أصيلاً عليها، إن لم نقل مشاركاً فيها!

وللإنصاف فقط نذكر أن جل النواب الحاليين، كانوا من أساطرة الحرب الأهلية والميليشيات المعتدية، لكنهم بأغلبهم قد لبسوا الأقنعة المدنية فغطوا تاريخهم الدموي، مع ذلك فإن هذا القناع، يخذلهم أحياناً كثيرة، فيسقط كاشفاً عن وجوههم الحقيقية. لكن حزب الله بخطابه وإنفعاله يمارس العسكرية السياسية القمعية علنية دون خوف أو تورية.. وممن يخاف؟ ولما التورية؟ طالما أنه وجماعته: من أشرف وأنقى وأنزه الناس، وطالما أنهم قدموا على مذبح القضية (ونورد تعبير القضية في شكل عام دون تسميتها، لإلتباس لدينا حول القضية التي يناضل حزب الله لأجلها: تحرير لبنان؟ إقامة دولة المستضعفين على الأرض؟ إحياء الإسلام وإقامة الحكومة الإسلامية؟ قهر الإستكبار؟ القتال مع المهدي عند ظهوره؟) ألاف الشهداء والضحايا، وطالما أهالي هؤلاء الشهداء والجرحى لا يزالوا على تأييدهم لحزب الله المقاوم العفيف الطاهر الموجود قبل موسى وعيسى ومحمد وسيظل حياً حتى نهاية العالم، وهذه الألفاظ والتعابير مستوحاة، من كلمات وخطابات السيد عمار نفسه وأمين عام حزب الله.

يعترض النائب عمار، دوماً على ذكر إسم حزب الله من قبل النواب "ناقلي أفكار كوندليسا رايس"، ويحيلنا مباشرة إلى المقاومة. وهذا التماهي الذي يجبرنا حزب الله على تبنيه محرج للغاية، بمعنى آخر: حزب الله يساوي المقاومة، فأي تناول لسياسة ومشروع حزب الله وأدائه يعتبر تطاولاً على المقاومة وشهدائها وتضحياتها وإنجازاتها. فنحن ككل الشعوب نقدر المقاومة كوسيلة تحرير وتحرر (لا بد من التنبه إلى اللفظتين والتوصيف: وسيلة!)، لكن هذا التماهي في المقابل، يؤكد لنا إدعاءنا أن المقاومة في الحالة هذه ليست إلا ضرباً من ضروب الإصطفاف العصبي الطائفي والتحشيد المذهبي، لأن حزب الله المقاوم، يقوم على عصبية طائفية مزمنه متزمتة، حتى لو إستنكر الشيخ نعيم قاسم هذا التوصيف في كتابه "حزب الله" الصادر عن دار الهادي (حتى أنه يدعو في الكتاب ذاته إلى إلغاء الطائفية السياسية في فعل أقرب إلى المجون! وينفع هنا ربما تعبير سمير قصير الوارد في كتابه "حرب لبنان" توصيفاً لمشروع الحركة الوطنية التي كان يقودها الشهيد كمال جنبلاط: تطييف العلمنة!). فخطاب حزب الله الشعبوي، أي خارج دائرة الإعلام المفضوح، يدلل على ذلك، كذلك الأمر بالنسبة لأحاديث مريديه وتوجهاتهم الذهنية، فإذا لم يكن الشعب، أي شعب وهنا شعب حزب الله، هو الذي يجسد السياسة الحقيقية والعقيدة المتبناة، فمن يجسمها؟ إلا إذا كان حزب الله يتصرف بمنأى عن أراء وأفكار مؤيديه ضمن سياسية تسلطية فرضية جبرية؟

وإن عدنا إلى خطاب السيد نصرالله، قبل ساعات قليلة جداً، من بداية الحملة التأديبية التي قادها حزب الله وعاونته فيها ميليشيا دولة الرئيس وبعض الأحزاب العلمانية (وقيل فضلا عن الحزب القومي أن الحزب الشيوعي قد شارك في حملات التأديب!)، رداً على قراري الحكومة السابقة، فيما يتعلق بعزل رئيس جهاز أمن المطار عن منصبه وشبكة الإتصالات الخاصة. قال السيد نصرالله وقتذاك رداً على إشارة بيان الحكومة إلى عزمها معاقبة كل من شارك في إنشاء هذه الشبكة (ليست الجملة هنا بحرفيتها) أنه هو المسؤول في حزب الله، وإن كان يجب مقاضاة أحد فليحاسب هو أولاً، بدلاً أن يحاسب الشهداء (1) وأهالي الشهداء (2) والجرحى (3) وأهالي الجرحى (4) الذين قدموا الكثير لأجل المقاومة والوطن. بهذا المعنى يحيلنا السيد نصرالله، ويحيل خصمه، إلى مواجهة ماورائية ميتافيزقية، صعبة وثقلية. فنحن، ونشير هنا أن النائب عمار إستخدم الأسلوب نفسه في المجلس النيابي في محاولة منه إلى منع ذكر اسم حزب الله لأنه قدم شهداء وضحايا.. إلخ. فنحن إذاً لا نواجه حزب الله الآدمي فقط، مادي الوجود والأوجه حيث السلاح والعصبية، لا بل أن هذا الأخير يفرض علينا صراعاً آخر مع الأموات ولعمري فإن هذا لصراع مستحيل وقاس!

لا تخفى الطبيعة الغيبية للحزب المذكور عن أحد، لكنه أحياناً يتمادى إلى ما فوق الغيب، وما فوق الغيب هذا، يقوم على عملية دمج الأحياء والأموات معاً في بوتقة واحدة. رغم أن قرار الحكومة كان موجهاً إلى المدنيين الأحياء، والذي من نافل القول أن تنفيذه صعب ومستحيل حفاظاً على توازنات تقوم عليها الدولة اللبنانية "المعلقة". فلماذا يلجأ حزب الله إلى الموت ويختبأ في ظله؟ من البديهي القول، قبل الإجابة على السؤال، أن قوة حزب الله، وقدراته في شتى المجالات تغنيه عن كل الأقنعة والملاجئ، مع ذلك فهو يمعن في إستخدام هذا النوع من "الأفشات التعبيرية" دفعاً وتكتيلاً لمزيد من العصبية والشعبوية إلى جانبه، وخاصة أن الشعب اللبناني غرائزي وعاطفي، أكثر منه عقلاني ونقدي.

لكن ما يغيب عن حزب الله، عندما يفرض علينا التلاصق بين المقاومة -كمفهوم عام ورمز للتحرير والتحرر- وحزبه وعندما يجبرنا على خوض صراع ميتافيزيقي مع الشهداء، أن لكل منا مقاومة، ولكل منا، نحن سكان "الكرة الأرضية اللبنانية" نظرة إلى فعل المقاومة والنضال والكفاح، لذا يسهل علينا الإنعتاق من تماهيه هذا. فما كان يسمى أيام ما قبل الطائف بـ"الإنعزاليين المسيحيين" (أو الجبهة اللبنانية كتعبير أدق) كانوا يملكون أيضاً مقاومة، ويقدسونها كما يفعل حزب الله نفسه الآن، ولا يقبلون النقد أو التعرض لها أو إلى أحد رموزها، حتى لو لم يعجب هذا الأخير بأدائها ومقاومتها، فهذا ليس شأنه، بطريقة أو بأخرى ورأيه ليس ذو جدوى تذكر، فهم حين قاومو مرة الفلسطينين ومرة الجيش السوري، كانوا معجبين بتصرفاتهم ويستقطبون تأييداً شعبياً واسعاً، وحتى الساعة ما زالوا يتذكرون نضالهم ويمجدونه. وأحزاب اليسار أطلقوا أيضاً "جبهة المقاومة اللبنانية-جمول"... إلخ من تاريخ المقاومات اللبنانية الكثيرة. وما يتجاهله حزب الله أيضاً، أن لكل منا شهداؤه، ونقدسهم أيضاً ونرفع من شأنهم حتى درجات التأليه ونسعى للتماثل بنهجهم وخطباتهم وأقوالهم ورأي الآخر-المختلف بهم لا يهمنا، ونسميهم شهداء، ونعتبر الأخرين من القتلى مجرد ضحايا (تعبير "مسروق" من الأمين العام للحزب).

لكن كل هذه الأحزاب قد ولت إلى غير رجعة، ورسخت فقط في كتب التأريخ. لكن حزب الله الآن موجود، ويستعمل الأسلحة ذاتها، متمادياً أكثر من غيره، لأن القوة التي يتمتع بها هو، لم يمتلكها أحد قبله. ونستطيع أن نقول أنه اليوم يعامل اللبنانيين بفوقية، ويمارس الإرهاب الفكري والتكفيري أحياناً كثيرة، ليمنعنا من أن نشير إليه مجرد إشارة. وهذا ما يشي به خطاب نائبه في البرلمان، ودعوته لتطهير النيع قبل ذكره! وأبعد من ذلك، ليس من العبث أن نشير أن المرحلة اللاحقة قد تشهد حملات تصفية إلهية لبعض المعارضين من الداخل الطائفي وخارجه (وهنا سينبري بعض المقدسين لأداء حزب الله فيقولو، تبعاً للنظرة التي يصبغونه على شاكلتها: أن حزب الله أشرف من القيام بهذا! وكأن كل ما حصل لم يثبت لنا أنه يشبه كل الملل والأحزاب الأخرى، لا بل أكثر فتكاً وتجبراً!)، فهذا النفوذ المنتفخ يعمي البصيرة حتى حدود "الإستكبار" والتسلط على الأخر ورفضه. ولعل بعض الشائعات التي رافقت الأحداث الأخيرة تدل على ذلك.


المقاومة: بين التحرير والتحرر
هناك فرق بين اللفظتين، وإذ نقر بأن حزب الله نجح في عملية التحرير، نسأل: ماذا عن التحرر؟
المراقب لحراك الإجتماع الشيعي اليوم، والذي يسيطر عليه حزب الله وحده، بمرفقيه الإجتماعي والثقافي يستنتج سريعاً، أن حزب الله بعيد تماماً عن التحرر والتقدم الإنساني. فالذهنية الشيعية اليوم مقارنةً بما كانت عليها قبل ظهور "الصدرية" -نسبة إلى موسى الصدر- إلى حد ما، وقبل ظهور "الخمينية" بشكل خاصة، كانت أكثر تطوراً وحداثية. فكان المجتمتع الشيعي وقتذاك بعيداً عن فكرة الإنغلاق والتقوقع والإنتماءات العصبية الأولية. فيما اليوم يفتخر بعضهم أن الشيعة إستحالو إلى كتلة واحدة لا تتجزأ! وما يجمعهم عصبية الإنتماء المذهبي طبعاً.

وبما أن وضع المرأة، اليوم، ومن بعدها مدى إحترام حقوق الإنسان وإنسانيته، يدللان على مستوى تقدم أي مجتمع من المجتمعات أو تخلفه. فإننا ببساطة، ودون أي مجهود فكري أو تردد، نستطيع أن نعلن تخلف مجتمع حزب الله. فيكفي "الشادور" المنتشر بكثافة في الأوساط والمناطق الشيعية عقب إنتصار الثورة الخمينية ووصولها إلى لبنان. ففكرة هذا الشكل من الحجاب، أن يغطي كل "عورات" الأنثى فيجلعلها مغطاة ومغلفة كأي سلعة. ونحن لا نعترض على الحجاب، إستباقاً لمدعي الحرية الفردية، فالحجاب مختلف تماماً عن "الشادور" من خلال الفكرة التي يمثلها عن المرأة في أي مجتمع كانت. كذلك فرض الحجاب منذ الصغر -في سن التاسعة، وهي فكرة إسلامية عامة- في المؤسسات التربوية الحزب الإلهية، ومعاملة هؤلاء الفتيات على أنهن راشدات وواعيات للقرار الذي أتخذن! مع أن الحزب وناشري دعوته هم من قرر وأقام حفلة "التحجيب" الإجبارية هذه!

كذلك "ضرورات الفصل الجنسي" تشي بالأمر نفسه. بحيث ينفصل الإناث عن الذكور في كل اللقاءات الإجتماعية، في المهرجانات الخطابية وفي المدارس والنوادي.. وحزب الله كظاهرة إجتماعية بحتة، لا ينفك عن توليد ظواهر إجتماعية أكثر صدماً وتعصباً وتخلفاً، حتى أن رجاله مع الوقت يزدادون، أشبه بالتطور الطبيعي العكسي أو السلبي، إنغلاقاً وتعصباً وتزمتاً.

إذاً حزب الله لا يولي أي إهتمام يذكر لفكرة التحرر، فالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، في عرفه، مثله مثل زملاءه من الأصوليات الدينية، مصطلحات غريبة وغربية، ولا تمت لثقافتنا بشيء، فهو يتحالف، أو ينضوي (أو يأتمر لأجل الدقة) تحت جناحي أكبر الدول قمعاً وديكتاتورية. ولا نسمعه مرة يعترض على حملات الإعتقال السياسي بحق المعارضين في سوريا أو إيران أو حتى في الدول العربية "المعتدلة" كمصر والسعودية وتونس والمغرب، بينما يسارع ليتضامن مع البشير ونضاله في إهلاك شعبه في السودان بذريعة انه يقف ضد الولايات المتحدة الاميركية... ولكن ماذا عن الناس؟ ونحن نقول هذا، لأننا نعرف الوزن الذي يشغله الحزب "المقاوم" في المحيط العربي، حتى لو إعترض المناكفون له وأعلنوا أن شعبيته تخف وتهبط، فهذا محض كلام صحف وجرائد، فالشعب العربي المكبوت يحب ويبجل ويؤيد تلاقائياً ولا إرادياً هذه الحركات المقاومة النقية حسبما يراها، وهو البعيد عنها وعن أفعالها، وهو المتقاعس الراضي والغارق في ويلات القمع المنظم الذي تمارسه الدولة التي ينتمي إليها، وغير المستعد أصلاً للدخول في أي حرب مع العدو المشترك إسرائيل، سوى أنه يناضل وينفس عن كبته ومرضه التاريخي ويعوض عن مجده التائه لأساطير الإسلام والعرب عبر سماع بعض الأغاني الوطنية وترداد الشعارات القومية الفاقعة.. لا نريد الدخول في شرح الفكر الشعبي العربي الوضيع لأنه يحتاج لإختصاصين في علم المكبوت اللاوعي!

فلماذا يستنكف حزب الله عن الإعتراض على القمع وخنق الحريات؟ وأليس هذا من أحد أهداف حركات المقاومة التحررية؟ وكيف يعترض -ويا له من سؤال غبي- وهو الإبن الشرعي الأول لأحد أكبر ديكتاتوريات المنطقة وأكثرها ضرباً وخنقاً وإعتقالاً؟
"الشعوب العربية"، وهو التعبير الذي يتغنى به الكثير من "الممانعين الللبنانيين" ليظهروا لنا حجم التأييد الذي يلقاه مشروعهم النضالي ضد الإستكبار والإستعمار والإمبريالية، هذه الشعوب شبه الميتة مغشوشة بحزب الله، فهذا الأخير ليس إلا شكلاً منمطاً لكل أحزاب العالم العربي، من حيث الإستتباع والتسلط والبراغماتية والتفرد في القرار والشمولية.


وهذه إحدى محاضرات الشيخ نعيم قاسم الخاصة التي ألقاها في حفل التكليف، والتي تساعدنا على فهم المنطق الغريب في التعامل مع الفتيات الصغار!
http://www.naimkassem.net/_mohadarat2008.php?filename=20080414112859








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس