الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود درويش شاعر شيوعي متغير في زمن متغير ( 3 / 3 ) سجِّل أنا عربي

فراس عبد المجيد

2008 / 8 / 16
الادب والفن


لعل من برز قصائد الشاعر محمود درويش قصيدته المهمّة " بطاقة هوية " التي اشتهرت بمطلعها " سجّل أنا عربي " ، وقد شكّلت تحديا ً صريحا ً وصارخا ً للسلطات الصهيونية التي تضيق بعرب فلسطين ممن لم يقعوا في فخ اللجوء ، وتمسكوا بالأرض والوطن . فهي صريحة في تحديها ، صريحة في موقفها ، صريحة في انتمائها . إلا أن مثل هذه الصراحة ليست صالحة لكل زمان ومكان كما يبدو ..
تقول القصيدة :
سجِّل أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسون ألف ْ
وأطفالي ثمانية ٌ
وتاسعهم سيأتي بعد صيف ْ
فهل تغضب ْ ؟
ويستمر الشاعر في التعريف بهويته وأوضاعه الاجتماعية ، وحتى ذوقه في الطعام :
وأطيب ما أحب من الطعام الزيت والزعترْ
ثم يعلنها صريحة مدوية :
أنا من قرية عزلاء منسية
وكل رجالها ونسائها في الحقل والمعمل
يحبون الشيوعية
فهل تغضب ْ ؟
كانت مجلة " الطريق " اللبنانية أول مجلة عربية تنشر هذه القصيدة بعد حرب حزيران 67 ، بعد أن بشّرت " الآداب " بولادة الشاعر بنشرها " عاشق من فلسطين " قبل الحرب بقليل . إلا أن دار العودة حين نشرت " ديوان محمود درويش " غيّرت من معنى القصيدة حين اكتفت بتحديد مكان سكان القرية :
أنا من قرية عزلاء منسية
وكل رجالها ونسائها في الحقل و المعمل ..
فهل تغضب ؟
.. وكأن همّ الشاعر هنا أبراز المكان ، وليس التعبير عما يحب شاغلوه . ويبدو أن هذه الصيغة أقنعت الشاعر ذاته ، فكان يحجم عن إكمال قراءة المقطع " الشيوعي " حين يطالب بقراءة القصيدة في قراءاته المتعددة في العواصم العربية . فما سبب ذلك ؟
من التبسيط الإشارة إلى أن مناخ الحريات والتعبير عن الأفكار في إسرائيل أوسع منه في الأقطار العربية في تلك الفترة أو في سواها . فقد قوبلت قصيدته الشهيرة " عابرون في كلام عابر " بحملة عنصرية امتدت إلى الكنيست الإسرائيلي ذاته . القضية تتعلق إذن باليسار ، والموقف منه وفيه . وفي القصيدة المذكورة تتعلق بكلمة " مرعبة " هي الشيوعية . فكيف يكون الحال إذا " أحبها كل من في الحقل والمعمل " ؟ هل يمكن أن تتحمل دار نشر لبنانية أو عربية خسارة عدم توزيع ديوان شاعر المقاومة الفلسطينية ( وقد سمّته فدوى طوقان شاعر الشعراء " بسبب كلمة ؟ ومثلما التقط الناشر هذه الإشارة التقطها الشاعر بدوره .. فهل من اللياقة أن يحرج مستضيفيه من الحكام العرب الذين ترعبهم هذه الكلمة البسيطة ؟
ولكن يبدو أن للموضوع وجها ً آخر . فالمتشبث بأرضه تحت كل الظروف ، يكون بلا شك ، أكثر تشبثاً بالمبادئ التي تربى عليها . والذي يغادر وطنه ، تحت كل المبررات ، يكون على " أرضه " الجديدة أكبر قدرة على المجاملة . وحين لجأ محمود درويش إلى القاهرة معلناً عجزه عن الاستمرار في ازدواجية " مواطنته " في دولة لا تعترف بحقوقه ، وجد نفسه ( ويا للمفارقة ) يكتب قصيدة مديح لما سمي آنذاك " اتحاد الجمهوريات العربية " الذي تأسس بمبادرة من السادات ونميري لمحاصرة اليسار العربي .. ويتعرض لعتاب مرير من رفاقه الشيوعيين العراقيين حين جامل رمواً من رموز الجهل والقمع في العراق وسماه " وزير الشعراء " وحضر العديد من المهرجانات " الثقافية " التي كرست لتمجيد الطاغية وتبرير نهجه الشوفيني . والمؤسف انه حتى حين عزز انتماءه للواقع السياسي الفلسطيني ، وأصبح عضوا ً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وحرر بنفسه وثيقة قيام الدولة الفلسطينية في الجزائر ، لم يسلم من الانتقادات . وكلنا يتذكر رسوم الشهيد ناجي العلي القاسية الموجهة إلى الشاعر محمود درويش ، وكيف حرف لازمته الشعرية الشهيرة " بيروت خيمتنا الأخيرة " إلى " محمود خيبتنا الأخيرة "
لا تريد هذه المقالة الإساءة إلى رمز كبير من رموز الشعر العربي الحديث والثقافة العربية التقدمية ، فمكانته في الشعر العربي أكبر من أن تمس .. ودوره في إرساء أسس الثقافة التقدمية ذات المنحى الحداثي الذي كرسته مجلة " الكرمل " لا ينكر . وغيابه في هذا الزمن الصعب إلى جانب من سبقه من المبدعين العرب في شتى المجالات ( وقد ذكرهم سميح القاسم في مرثيته لمحمود درويش المنشورة في موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ) .. نقول غياب هؤلاء من شأنه أن يخلي الساحة أمام رموز الجهل و الظلام والتعصب الديني والطائفي البغيض .. وقد بدأنا نسمع عبارات الغل والتشفي الحاقدة التي تروج في بعض المنتديات والصحف الصفراء بعد رحيل الشاعر الكبير .كما لا تريد هذه المقالة التغاضي عن القيمة الفنية العالية التي بلغها محمود درويش و أوصل إليها الشعر العربي الحديث ( ولهذا مقال آخر ) .. فالغاية من ذلك ليست سوى تسليط بصيص من ضوء على أزمة الفكر التقدمي واليساري ، وانعكاساتها على المبدعين اليساريين ، وبخاصة الشيوعيين منهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_