الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان العربي ووعي الذات

حسام مطلق

2008 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الوعي النهائي للشعوب لا يقع نتيجة لكتاب, إلا أن يصبغ هذا الكتاب نفسه بالصفة الإلهية, ولعل هذا ما حذا ببعض المصلحين إلى المناداة بأنفسهم كأنبياء, التراكم هو ما يخلق الشعوب الواعية, فالاشتراكية العليمة تعود جذورها إلى فيتشه و كانط وهيغل قبل أن تتكون بصيغتها الأوضح على يد سيمون وفوريه وأوين.
السؤال الفرضي حين ينطق به الفيلسوف هو ليس سؤالا عبثيا لاستعراض العضلات المعرفية أو للتنبيه إلى قوة ذاتية, فلا يبلغ الشخص مرحلة التفلسف إلا وقد تجاوز حاجته النفسية إلى اعتراف الآخرين به, تلك حقيقة على مجتمعاتنا أن تعيها, وهي سوف تدفع ثمنا لها الكثير من المتفلسفين الزبديين ولكن لكل طريق مصاعبه .
كي نحدد ماذا نريد من الغرب فلا بد أولا وقبل كل شيء أن نحدد هويتنا, لأننا إن لم نحدد الموضوع لايمكن أن ننتقل إلى متطلبات التطوير.
سؤال من أنت؟. قد يجيب بجزء منه أو يعطي الطريق للإجابة على سؤال من نحن؟.
حين أقول أنا حسام مطلق, فمن أعني؟. لنقل أن هناك جملة حقوق يعترف لي بها المحيط جزئيا ومختلف معه على باقي التفاصيل, أو لنقل أنني اكتسبت بعض الحقوق المعنوية والمجتمع في حالة انقسام على حقي بها, فلا شك أن استدلالي سوف يقوم على إثبات أن من أنجز تلك المحددات " بفتح الحاء " هو أنا.
كيف يعترف المحيط بالأنا إن لم تكن تلك الأنا أصلا معروفة بالنسبة لي دون لبس.
فلو قلت أنني تلك الخلايا التي كانت تسهر وتقوم تأكل وتتعب وتتعرق وتقاتل ووو من أجل إنجاز هذا المشروع فلا شك أنني من الناحية الطبية مخطأ تماما. لأن كل تلك الخلايا قد تكون قد ماتت عبر سنوات الإنجاز غانيك عن سنوات المطالبة بالاستفادة المعنوية من العوائد والمكتسبات.
إن الشيء الوحيد الثابت الباقي في كياني هو الجهاز العصبي, أي تراكم الصور والخيالات والأفكار والآمال والطموح وباقي المكونات المعنوية فيما الخلايا ليست أكثر من مجال حيوي لإفراز تلك الدواخل إلى العالم الخارجي.
الأمم لا تبتع عن الأفراد من حيث الكينونة, فحين بدأ زكي الأرزوزي بالتنظير للقومية العربية كان حوله أفراد شكلوا فضائه الحيوي الذي أراد به تلك الأفكار, ولكن لا أخال اليوم أيا من هؤلاء ما يزال على قيد الحياة, وإن وجد منهم معمر فالأغلب أنه لا يعرف عن زكي الأرزوزي أو عفلق أي شيء.
من هذا التماثل بين حال الفرد وحال الأمة يمكننا أن نقول إن العرب هم تلك الصور التواريخ والآمال التي شكلت تمايز يسمى العرب, وتاليا, أن أكون كحسام مطلق احتجت إلى زرع كلية من خالد أو سمية فلا يعني أن الكلية لم تعد ضمن فضائي الحيوي وأيضا أن أكون قد تبركت برئة إلى منار أو حسن فهذا لا يجعل من تلك الرئة داخلة ضمن فضائي الحيوي.
من هنا حين أريد أن أحدد هويتي فلا يمكنني أن أتبرأ تماما من كل المخزون الثقافي الذي شكل كينونتي, لا يمكنني أن ألغي بقراءة كتاب كيف تشكلت, استطيع أن أعيد صياغة تصوراتي, أن أجد كلمات جديدة للتعبير عن دواخلي ولكنني لا أستطيع أبدا أن أقول أنني لم أعش تلك الحاثة. من هنا فإن أول عملية تصحيح في تحديد الأنا الجمعية لنا تنطلق من استعادة الذاكرة بكليتها والتغلب على حال الخوف من استحضار كامل الذكريات.
في الوعي الفردي هناك ما يعرف بالاصطفاء, حيث يقوم الدماغ بطمس ذكريات ما مؤلمة كي يتمكن الفرد من العيش بهدوء, ولكن تلك الذكريات ما تلبث أن تتفجر في لحظة بضغط وقائع لا تترك للوعي الباطني أن يستمر بالتفافاته إلى ما لا نهاية. عودة تلك الذكريات بدون دراسة منهجية يسبب خلل في الحالة النفسية غانيك أن طمسها أصلا لا يدلل على بناء نفسي قوي ومتمكن من تجاوز الصعاب.
الأمم التي تصر على الهروب من ماضيها هي أمم ضائع, الأمم ليست علاقة جينية, فلا شك أن الكلية المستعارة أو المعارة لم تعني أن الفضاء الحيوي قد فقد. لا شك أن كثرة الفقد تؤدي إلى ضعف البنية والوفاة ولكن المطالبة برئة انتقلت لشخص آخر وإن كان الانتقال قد تم عنوة يعني أن تستهلك الذات وكامل الجسد, الفضاء الحيوي, في غير المصلحة الفردية, وهذا محدد ثاني لكينونتنا.
نحن بحاجة للتخلي عن المشروع الإمبراطوري العربي, وبحاجة إلى تعميق مفهوم الهوية العربية لا إلى حشره بين مزدوجين زمنيين. أي نحن بحاجة إلى استحضار التاريخ العربي من أول ما أمكن لتسمية عربي أن تعطي دلالة لكينونة مرورا بالتاريخ الذي صار فيه أسم العربي يعكس الإمبراطورية المترامية الأطراف وصلا إلى إنساننا المنكسر المتقوقع, و من ثم التفكير أين هو الفضاء الحيوي لكل تلك الصور المستحضرة, لفعل ذلك نحن بحاجة إلى تحديد الجملة العصبية, أي دولة مركزية قوية تشكل كثافتها مصدر الصور وفضاء حيوي يخضع للمد والجزر وفقا لمتغيرات وضرورات الواقع ولا أقصد بالعصبية هنا التعصب بل الخازن الحضاري أو الدماغ المحرك.
الأمم ديالتيك, هي ككل الأشياء تخضع للمتغيرات, لأنها أساسا أفراد, والأفراد هم من ينشئون تلك الصور, أي أن صور الأمة متباينة كما تاريخ الفرد متنوع فيه القبيح والحسن وفيه القوي والضعيف, القول بالإنسان المثالي كذبة, والقول بالأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس كذبة أيضا, كما لا تقل عنها شعارات الخلود. الأمم كما الأفراد تفنى, وكي تبقى هي بحاجة للتجهز لصراعات البقاء والتطور, فلا استمرارية بدون تطور لأن قانون الطبيعة يسقط على الأمم, البقاء للأفضل قانون البيولوجيا والأمم شكل من أشكال تعبير المادة الحية عن ذاتها.
أي كما أن الفرد العادي معني بتحقيق مصادر البقاء وبناء استراتيجية للحفاظ على تلك المصادر وكما انه غير معني في لحظة الطوفان بالبحث عن وسام شرف حصل عليه أحد الأجداد مهما كان هذا الوسام عظيما فإن الأمم أيضا في اللحظات الحاسمة بحاجة إلى التمسك بما يحافظ على بقائها والقيام بمفاضلة لما هو أساسي للبقاء مقارنة مع ما يمكن التعويض عنه لاحقا.
إن الذود عن الشرف من خصائص النبلاء, ولكن الاتجاه نحو العدم هو فعل الأغبياء. يمكنك دائما أن تؤجل المعركة إلى لحظة تكون فيها المعطيات أكثر ملائمة لك. الصور التي تحرك المشاعر النهائية لا يمكن مغادرتها ولكن يمكن في حالة النضوج ضبط تلك الانفعالات كي تخدم الهدف الأهم للفرد ألا وهو البقاء وبتتالي الأولويات يكون الحفاظ على المكتسبات المعنوية جزء من شاغل العمل والجهد.
كي أكون أكثر دقة, أي كي الخص ما سبق من شرح بمطالب واضحة فنحن بحاجة إلى التالي :
1- الانتقال بالانتماء التاريخي إلى الحقب البعيدة عن الإسلام دون أن نحذف من التاريخ تجربة الإسلام ولا أن نعصمها عن الراجعة العلمية التحليلية.
2- أن نتوقف عن حشد الطاقات لأطراف أوطان في وقت قلوب الأوطان و عصبها في حالة خطر, إن لم نقل في لحظات قد لا يكون بعدها رجوع.
3- نحن بحاجة لتحقيق ذلك إلى تحرير الفرد من المقدسات, كل المقدسات, القومية كما الدينية, لأن ما نحن فيه من حال لا يعطي غلبة لجهة على أخرى, فكما أفرز الإسلام بعد كل تلك القرون أوطانا ممزقة, أفرزت التجربة القومية, وفقا لما هو مطروح, فردا تائها عاجزا أمام المتغيرات الإنسانية, وأرد الكلام هنا للمفكر أنطوان مقدسي " قتلوا الإنسان ", أي أن ما صح من إخضاع الإسلام للمراجعة والتحليل يصح على الدعوة القومية كما هي اليوم. وإن كنت أقول الإسلام بالمطلق والقومية بالمقيد فلأن الإسلام بكونه دين لا يقبل تغير التعريف فيما التجربة القومية لا تخرج عن مجال التراكم الفكري لذا هي قابلة للمراجعة والمعاودة أكثر مما يمكن أن تؤدي المراجعة بالإسلام إلى العودة. مراجعة الإسلام بداية الإسقاط ومراجعة التجربة القومية بداية تصحيح الاتجاه.
إن جزء غير قليل من حال الصراع التي يعيشها الفرد العربي في تحديده لهويته مرده ثقل الشعارات التي تجعل العربي أسطورة, أسطورة هو غير قادر على تمثلها في الواقع, ولا على الفرار من تقنين التاريخ لتحقيقها في وعيه. هذا النوع من الضغوط الأسطورية في محصلتها النهائية تنتج خللا نفسيا حين يستسلم لها الفرد, وينتج عنها حالة جمعية مريضة حين تعم الأفراد تصاب بها الأمم.
نحبك كما أنت,شعار رفع في تربية الطفل في الغرب, رفع قبل بضعة عقود ونتج عن ذلك أن الفرد لم يعد خجلا من سقطاته بل بات يعرف أنها, أي تلك السقطات, جزء من الهوية التي شكلته حين تحول إلى مبدع أو حتى عامل عادي منطوي تحت سقف القانون.
الفرد الذي ينتسب إلى عائلة عريقة يكون ذا حظوة, ولكنه من الناحية العملية يكون أقل جدوى, هذه حقيقة اجتماعية, تماما كالرجل القوي البنية غالبا ما يستعيض ببنيته فيقصر دور عقله في الإبداع, ومن النادر أن تكون المرأة الجميلة مهتمة بالتعمق الفكري, فحضورها الأنثوي الطاغي يغني عن الكثير, وطبعا لكل قاعدة شواذها.
إذن توصيف الحال انطلاقا من الصراحة التامة بداية الحل, والاستعجال في النتائج هو ما يقبر الحلول أيضا.
أول شريعة انطلقت من الفرد لا من المجتمع كأساس وضعت عام 1629م كتبها الماي فلوريين أسسوا بالاستناد إليها مستعمرة صغيرة في ولاية مساشوستس حكموا بمثالية أفلاطون. تطلب الأمر قرنا ونصف حتى تقتنع ولاية, أي دولة وحكومة, بصوابية عقدهم المؤسس لتعلن كل الولايات الأميركية اعترافها بذلك العقد عام 1789م.
أول محاسبة برلمانية وقعت 1376 في بريطانيا حين اجبر مجلس اللوردات الملك على محاسبة مختلسين لتسقط كل التجربة بعد قرون على يد كروميل وليعي الشعب البريطاني أهمية المؤسسات الدستورية كنتيجة لكل تلك التراكمات.
في اسكندنافيا اعترف قبل أكثر من خمس قرون بتمثل رابع للمجتمع هو فئة " الفلاحون الأحرار " لتضاف إلى مكونات سابقة للجمعية الدستورية التي كانت تتشكل من الكهنوت والنبلاء والبرجوازيين.
تاريخ اكتمال وعي الأمم أطول من تجربة فرد أو جيل ولذا لجأ المتعجلون إلى السلطة الإلهية لكي يروا نتائج عملهم وهذه برأي أنانية, كما أن التقوقع خلف شعار " هيك شعبنا " دليل عجز وفشل أحمله مسؤولية قرن من الاستقلال ضاعت أغلبها دون انجاز حضاري على مستوى الوعي الذاتي ودليل هذا الفشل تمكن التيارات الدينية من السيطرة على كل تجربة ديمقراطية طرحت نفسها في العالم العربي وفقط قبل أسبوع أشار تقرير إلى أن أكثر من ثلثي الشعب المصري وعدد أخر من الشعوب العربية تطالب بالشريعة الإسلامية مصدرا للتشريعات جميعها.
لاشك أن الغرب, وإحساسنا المؤكد بتفوقه, هو ما دفع إلى المقال الذي تناقشه هذه السطور, ومن هنا فإن القول باستقلال تجربتنا في استشراف الحل عن الغرب مغالطة كبيرة, نعم علينا أن ننطلق من ظروفنا ومن وقائع حياتنا ومن صورنا التي شكلت وعينا ولكننا حين نقرر أن نشيد مؤسسة اقتصادية لا نتبرأ من التجارب الأخرى بل نقيم البناء مستندين إلى آلياتها في دراسة السوق ونظامها المحاسبي في المال ونظامها الداخلي في تحديد المسؤوليات محتفظين خلال كل ذلك بهدفنا النهائي من المشروع هذا الهدف القادم من الكينونة والتصورات على أن نبقي مشروعنا الحضاري منسجم مع باقي المشاريع, فلا يقوم على حال تحدي نهائي تتطلب إلغاء الآخر حتى لا ندفعه إلى تحريك مشروعه لإلغائنا ولا أن نستسلم لمنافسة السوق. هناك دائما ذاتية تحقق تمايزك وتعطيك القدرة على إسقاطها على منتجك, فلا تعيد إنتاج الآخر, ولا تنتج ما يسهل على الآخر أن ينتجه فتصبح فريسة سهلة, ابحث دائما عن مساحات غائرة في الأعماق, وإن يكن من الصعب على الفرد المقيد الوصول إليها, ولذا تنطلق الأمم التي حررت أفرادها في سيرها الحضاري بسرعة أكبر من الأمم التي يقيد فيها الفرد.
إن كنت بحاجة إلى أن ألخص الملخص فأنا أدعو إلى إعادة بناء الإنسان, إلى تحريره, إلى تصحيحه, فشل مشروعنا الحضاري هو انعكاس لفشل الإنسان, فقد مرت على كل أوطاننا كل أشكال الأنظمة, الملكية المطلقة, الملكية الدستورية, الجهورية التوافقية, الجهورية الثورية, الاستعمار, الاحتلال, والنتيجة واحدة : الفشل. آن الأوان كي نقف بوضوح أمام القاسم المشترك في كل تلك التجارب, أي الإنسان ذو والوعي الناقص, فدون بناء فرد ذو سوية نفسية وثقافية مناسبة لن يكون بالإمكان, لن أقول النهوض, بل ربما حتى الاستمرار.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بزيادة الاحتجاجات في إسرائيل مع استقالة غانتس.. وخبرا


.. ضيافة حجاج عمان بالقهوة العربي فور وصولهم إلى مكة المكرمة




.. قتلى وجرحى في انهيار جدار -بئر ماء تاريخي- بجامع المهدي الأث


.. أخبار الصباح | صعود أقصى اليمين في الانتخابات الأوروبية سيؤث




.. أخطاء شائعة وتصرفات غريبة يفعلها المسافرون.. لا تفعلها!