الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار السيد والعبد

نصيف الناصري

2008 / 8 / 18
الادب والفن



{ يستلهم هذا النص روح وشكل النص البابلي القديم المسمى حوار السيد والعبد حيث عبث الحياة ولا جدواها ولا استقرار قيّمها عبر حوار سوفسطائي مثير للجدل بين سيد وعبده . كان جوزيف برودسكي قد صاغه على شكل قصيدة وقد قرأتها مترجمة الى اللغة العربية قبل 15 سنة }

السيد : اصغ إليّ أيها العبد
العبد : نعم سيدي . نعم
السيد : أعد لي المائدة بسرعة ، أريد أن أحتسي العسل العقيقي للخمر وآكلُ شواء
العبد : سأعد المائدة بسرعة ، سيدي ، سأعدها وأحضر لك أفضل خمورك
العقيقية وألذ الشواء
السيد : لا . لا تعد المائدة أيها العبد . لا أريد احتساء الخمر ، لا أريد الشواء
العبد : لن أعد المائدة سيدي . لن أعدها . لا تحتسي الخمر . لا تأكل الشواء . الخمر والشواء يهدمان نوافذ نومك . الشواء يصيبك بداء النقرس
السيد : أريد أن أذهب الى المدينة واحتسي الخمر في حانة
العبد : اذهب الى المدينة سيدي . الشراب في حانة أفضل من الشراب في البيت . الحانة مكان لطيف للتعارف بالناس ولقاء الأصدقاء
السيد : لا . لا أريد الذهاب الى المدينة أيها العبد ، ولا أريد الشراب في الحانة
العبد : يطبّك مرض . لا تذهب الى المدينة سيدي ولا الى الحانة .
السيد : اصغ إليّ يا عبد .
العبد : نعم سيدي . نعم
السيد : هيىء لي السيارة . أود الذهاب الى شاطىء البحر والشراب على الرمال
العبد : اذهب الى شاطىء البحر سيدي . اذهب واشرب على الرمال وعانق النسيم والأشجار
السيد : لن أذهب الى الشاطىء أيها العبد ولن أشرب على الرمال
العبد : لا تذهب الى الشاطىء ، سيدي ، لا تذهب . الرطوبة قوية الآن هناك والهواء مريض ويحتضر
السيد : اصغ إليّ أيها العبد
العبد : نعم سيدي . نعم
السيد : سأشرب الخمر الليلة في البيت
العبد : كس أختك سيدي . أشرب الخمر الليلة في البيت ، لكن تذكر ،
الكحولي هو من يشرب الخمر وحده
السيد : لا . لا أريد أن أشرب الخمر وحدي
العبد : لا تشرب الخمر الليلة في البيت ، سيدي . الشراب في البيت له تعقيداته ومضاره الصحية . بالاضافة الى ذلك فانه يعّجل السكر ويجعلك تشبه الديناصور

***

السيد : اصغ إليّ أيها العبد
العبد : نعم سيدي . نعم
السيد : سأسافر الى اسبانيا
العبد : سافر الى اسبانيا سيدي . ستعجبك الشواطىء والفتيات والحانات .
في السفر فوائد كثيرة . أنت بحاجة الى السفر سيدي ، لكي تتخلص من هذه الرتابة المقيتة والضجر المتعدد المناخات
السيد : لن أسافر الى اسبانيا
العبد : لا تسافر ، سيدي الى اسبانيا . ربما ينطحك ثور أو تسقط فوق رأسك قنبلة نووية
السفر متعب ويرهق أعصابك
السيد : سأسافر الى الهند
العبد : سافر سيدي الى الهند . انها بلاد السحر والغرائب
ستعجبك شموس وأقمار عاصمتها وسُمرة بشرة الناس ، ولطافاتهم وغناهم الروحي
السيد : لن أسافر الى الهند أيها العبد
العبد : لا تسافر الى الهند ، سيدي . لا تسافر . انها قارة كبيرة ولغات شعوبها المتعددة صعبة . صعبة جداً . ربما ستسرق القرود خصيتيك ومحفظتك
السيد : اصغ إليّ أيها العبد
العبد : نعم سيدي . نعم
السيد : سأسافر الى مصر
العبد : سافر يا سيدي الى مصر . مصر أم الدنيا . النيل والاهرامات والشمس الفرعونية الخضراء ، والجنائن العالية التي تحنو على سواد القطن
السيد : لن أسافر الى مصر
العبد : لا تسافر سيدي الى مصر . نهاراتها ملوثة ومياها متبخرة ولا شاعر فيها
السيد : سأسافر الى باريس
العبد : سافر الى باريس سيدي . ستدهشك الظلال والشوارع النظيفة والقناديل الذهبية للنور في وجوه الناس والليل وأشرعة الأطفال المعلقة فوق أبراج الطوابع والأسواق والمقاهي
السيد : لن أسافر الى باريس أيها العبد
العبد : لا تسافر الى باريس سيدي . لا تسافر . باريس امرأة ساحرة ، ستوبخك وتطهر أوساخك وسيوسع هواءها رئتيك وعافيتك .

***

السيد : اصغ إليّ أيها العبد
العبد : نعم سيدي . نعم
السيد : سأقدم أضحية الى إلهي
العبد : قدّم أضحية الى إلهك سيدي . سيزيد إلهك محاصيلك وينعم عليك بالصحة والعمر الطويل . سيجعل أيامك كلها منوّرة
السيد : لن أقدم أضحية الى إلهي أيها العبد
العبد : لا تقدم أضحية الى إلهك سيدي . لماذا تبدد مالك وتهدر وقتك في طقس تافه وحقير . لا يحتاج إلهك الأضاحي
السيد : سأشعل البخور في صلاتي
العبد : اشعل البخور في صلاتك سيدي . ستصعد صلاتك في المصباح الأخضر للظهيرة وسيحملها الملائكة الى السماء
السيد : لن اشعل البخور في صلاتي أيها العبد
العبد : لا تشعل البخور في صلاتك سيدي . ما جدوى اشعال البخور في الصلاة اذا كان معبودك الذي خلقته أوهامك لا يحس ولا يتنفس ؟
السيد : اصغ إليّ أيها العبد
العبد : نعم سيدي . نعم
السيد : سأدفع أموالي كلها الى الفقراء
العبد : ادفع أموالك سيدي كلها الى الفقراء . ستفعل مأثرة جميلة وسيخلّد ذكرك على مرّ العصور وسيباركك الإله ويمنحك المغفرة ، والرحمة العظيمة
السيد : لن أدفع أموالي أيها العبد الى الفقراء
العبد : لا تدفع أموالك سيدي الى الفقراء . لماذا تدفعها الى الكسالى الضغفاء الذين لا تحنو عليهم الآلهة ولا الطبيعة . احتفظ بأموالك الى ورثتك . ذالك أكثر جدوى .

***

السيد : اصغ إليّ أيها العبد
العبد : نعم سيدي . نعم
السيد : سأكتب الليلة قصيدة
العبد : اكتب قصيدة الليلة سيدي . اطلق احساساتك . أزح رعبك من الموت في الكتابة وصالح ظلام العالم . سيشيد بك قرّاء الشعر الأغبياء ، وستعجبهم طريقتك في التصعيدات المزدوجة لألم الحب ، والرطانة التافهة للحياة والوجود
السيد : لن أكتب الليلة قصيدة أيها العبد
العبد : إيري بكس أختك سيدي . لا تكتب الليلة قصيدة . ما تصير شاعر لو يجي الله الآن . لا تكتب الليلة قصيدة . لن يفهمها قرّاء الشعر البلهاء ، المحملون بروث معتقداتهم وثقافاتهم الآيديولوجية السخيفة . يعيشون في عصر العولمة ويرسّخون نفايات تراث البدو والاصولية في كل شيء .


15 / 8 / 2008 مالمو

* شاعر من العراق يقيم في السويد
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان


.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ




.. الفنان المغربي عبد الوهاب الدوكالي يتحدث عن الانتقادات التي


.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية




.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال