الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبعد من جورجيا ومن أوسيتيا

نبيل يعقوب

2008 / 8 / 20
السياسة والعلاقات الدولية


حملت صفحة الغلاف لعدد "در شبيجل" كبرى المجلات السياسية في المانيا لهذا الاسبوع صورة بوتين ودبابات روسية وعبارة "الجار الخطر- فلاديمير بوتين وعجز الغرب" وعبرت المجلة بهذا عن الجو العام في الاعلام الالماني النافذ. ومعظم المنشور من تقارير في الاعلام الالماني الاليكتروني والمطبوع عن النزاع الروسي الجورجي يذكر بالحرب الباردة حيث يغلب التفسير الايديولوجي للاحداث. واختفى فجأة الحديث عن "الشراكة الاستراتيجية الروسية مع الغرب" وبدا كأننا نقرأ صحف الثمانينيات حيث كانت المواجهة مع الاتحاد السوفييتي نهجا غالبا في وسائل الاعلام الكبرى.

صراع روسيا ضد الحصار الغربي وضد تفتت الدولة

روسيا رغم انها قطعت مع تاريخها الاشتراكي، ورغم انها اصبحت دولة رأسمالية عادية، لا زالت مشكلة كبرى لصناع الاستراتيجيات في الغرب. ليس لانها لم تنجح في صياغة استراتيجية وطنية تعيد البناء الاقتصادي الاجتماعي والثقافي في ظل نظام سياسي يحترم التعددية القومية والاثنية والديمقراطية وحقوق الانسان، بل لانها تسعى للبقاء دولة موحدة، وتسعى لشيئ من الاستقلال.
فشل الدولة الروسية في بعد انهيار الاشتراكية في اقامة نظام ديمقراطي حديث متماسك يتحمل مسؤوليته بالطبع قادة روسيا، ولكن لعبت فيه المتغيرات الهائلة في موازين القوى العالمية دورا يخطئ من يتجاهله. ومع الفارق يمكن تشبيه الوضع الروسي باوضاع عدد من بلدان العالم الثالث. فالتدخل الغربي اصبح عاملا سياسيا رئيسيا مؤثرا على مجمل سياسات روسيا الخارجية والداخلية منذ ان فتحت قيادة يلسن الفاسدة البلاد الي حد لا يمكن ان تقبل به اي دولة راسمالية في اوروبا مثلا. ورغم الجهود التي تبذلها قيادة الدولة الآن لانقاذ البلاد من التفكك ، وتحقيقها لقدر ملحوظ من التماسك والاستقراروالتقدم الاقتصادي، الا ان روسيا ادركت انها تظل مقبولة من الغرب فقط في حدود بقائها كمورد للطاقة ومستورد للسلع وعضو في مجلس الامن لا ينازع الولايات المتحدة في خططها للهيمنة على العالم ولا تثير مشاكل حقيقية في ميدان السياسة العالمية.
السمة الاكثر تاثيرا على علاقات روسيا العالمية حاليا هي تعرضها للحصار المتزايد، حلفائها السابقين في حلف وارسو اصبحوا اعضاء في الناتو الذي يحيط الآن بالبيت الروسي. الفجوة في التقدم العلمي- التكنولوجي التي تفصل بين روسيا وبلدان الغرب المتقدمة، وعمق وامتداد التناقضات الاجتماعية والسياسية والاثنية هي اساس ضعف روسيا السياسي. وما تبقي من بأس القوة العسكرية الروسية تتضائل اهميته مع اكتمال الحصار العسكري الذي يفرضه حلف شمال الاطلسي والحصار السياسي المتمثل في تغذية الخوف من روسيا في دول الجوار الاوروبي التي كانت حليفا سابقا.
نظرة الامريكيين الي روسيا باعتبارها دولة ممتدة جغرافيا باكثر مما يحتمل وجهودهم المحمومة في التسعينيات لدعم الاتجاهات الانفصالية انذرت بان تكون روسيا الرأسمالية دولة محكوم عليها بالتفتت والتقسيم مع وقف التنفيذ مؤقتا. زبيجنييف برجنسكي (حاليا مستشار اوباما) صاغ في كتابه "القوة العالمية الوحيدة" ان على روسيا ان تتخلى عن السعي لصياغة سياسة مستقلة في العالم وكتب بالحرف ان عليها أن "تخضع" في سياساتها الامنية لحلف الناتو، وان "تخضع" في سياساتها الاقتصادية لصندوق النقد الدولي. كما اقترح تقسيم روسيا لثلاث دول احداها روسيا الاوروبية ودولة سيبيرية واخرى في الشرق الاقصى.

اهم ما جلبه بوتين في ظل رئاسته هو اليقظة ضد عوامل تفتت الدولة والسعي لصحوة قومية روسية بتعزيز الهوية الروسية الجمعية عبر اصلاحات اجتماعية ومواقف استقلالية مثل تحذيره الشهير من الهيمنة الامريكية امام مؤتمر ميونيخ للامن الدولي سنة 2007 والتي اعتبرها المحافظون الجدد بمثابة اعلان الحرب الباردة من جديد.
لا شك ان عزم الرئيس الجورجي على الانضمام لحلف الناتو كان وراء هجومه على اقليم اوسيتيا لترتيب اوضاع توحي بان السلام والامن مستتب في اوسيتيا لتبديد مخاوف اعضاء الناتو من الاوضاع الاثنية القلقة في جورجيا. حسابات ساكاشفيلي بأن روسيا "ستبلع" هذا الاجراء بسبب "عجزها" عن الدخول في مواجهة مع حليف مخلص للولايات المتحدة اثبتت خطأها ولم يخف الناتو لانتشاله من ورطته. هذه المغامرة كلفت ألاف القتلى وانتهاكات واسعة لحقوق الانسان من الطرفين المتحاربين واحدثت دمارا كبيرا في منطقة من العالم يسودها الفقر والتخلف الاقتصادي، كما اكدت تداعياتها ان الحرب الباردة لم تنتهي ابدا. ولم يحصد ساكاشفيلي اي نجاح يذكر بل ان الحامي الامريكي ترك لساركوزي ان يجد مخرجا يوقف تردي الوضع. هل كان الرد الروسي متناسبا ام مبالغا فيه .. هذا السؤال ستجيب عليه الحلقات القادمة من الصراع الذي لن ينتهي باتفاقات سلام مؤقتة.

لا تبحثوا عن الاسباب

يحاول الاعلام الالماني والغربي عموما تفادي او التقليل من اهمية السؤال عمن اطلق الرصاصة الاولي ضد اوسيتيا التي توجد بها قوات حفظ سلام روسية بمقتضى اتفاقات دولية. والاتهام جاهز لروسيا بدعوى نزعتها التوسعية تجاه البلدان التي خرجت من الاتحاد السوفييتي وبخاصة جورجيا التي توشك الانضمام لحلف الناتو واتهام روسيا بتنفيذ خطط للسيطرة على انابيب البترول التي تمر في جيورجيا. مصير سكان اوسيتيا الجنوبية الذين ماتوا وهدمت بيوتهم بفعل الهجوم الجيورجي لا يلعب سوى دورا ثانويا. الاعلام يركز على ضحايا الرد الروسي في صور وقصص تتكرر مع كل نشرة اخبار. حاولت مديرة احدى اهم الندوات التليفزيونية الاسبوعية "نادي الصحافة" والذي يدعى له عدد من ابرز الصحافيين الالمان والاجانب بعصبية رد صحفي روسي اراد ان يبدأ النقاش بهذا السؤال. والمستشارة الالمانية دعت الجميع لكيلا "يراوحوا الي الابد في البحث عن الاسباب" ونصحت بان يمدوا انظارهم الي الامام (صحيفة دي فيلت).
شذ عن هذه المواقف المستشار الالماني السابق شرودر حمل ساكاشفيلي المؤولية ووصفه بالمغامر وحذر من الاضرار بالعلاقات الالمانية الروسية.
هناك عامل لتفجير النزاع لم يشير اليه الاعلام وهو قضية "ناجورني كاراباخ" الاقليم الاذربيجاني الذي تقطنه اغلبية من الارمن والذي فجر مع نهاية الاتحاد السوفييتي حربا بين ارمينيا واذربيجان. في النزاع المستمر والذي تدور حاليا مفاوضات من اجل تسويته دخل الامريكان على الخط ناصحين صديقهم رئيس اذربيجان باستفتاء سكان كاراباخ عن اختيارهم. الاستفتاء ان جرى سيؤدي لفصل الاقليم عن اذربيجان وضمه الي ارمينيا. من هنا رعب ساكاشفيلي من تكرار هذا السيناريو في اوسيتيا وابخازيا.

مناورة دبلوماسية ام ان الموقف الالماني قد تغير؟

توقعت المصادر الاعلامية (شبيجل اونلاين) بمناسبة زيارة المستشارة الالمانية الي تبليسي ان "تؤنب السيدة ميركل رئيس جورجيا على مغامرته العسكرية في اوسيتيا وان تشرح له انه قد اخطأ في تقدير الموقف الروسي". ويبدوا ان هذا التوقع استند الي تصريحات هادئة ادلى بها وزير الخارجية الالماني تدعوا للمساهمة بجهد لحل النزاع وجلوس الطرفين الي مائدة المفاوضاتـ وهي التصريحات التي تميزت عن لغة الادانة والتهديد الامريكي الموجه لروسيا. ولكن المستشارة الالمانية فاجئت الجميع بتصريحها في تبليسي بان "جورجيا ستصبح عضوا في الناتو ان ارادت، وهي تريد ذلك". وجاء هذا التصريح مفاجئا لان الموقف الالماني الرسمي بدا حتى يوم الاحد متعقلا ساعيا للتهدئة والبحث عن حل للازمة يراعي توازن المصالح بين الاطراف المتنازعة. وقد حال هذا الموقف المشترك لالمانيا وفرنسا دون تمرير مشروع القرار الامريكي بضم جيورجيا واوكرانيا الى الناتو في قمة الحلف في بوخارست. تشير الصحافة الي احتمال ان تكون المستشارة الالمانية في مواجهة المشاعر الملتهبة في العاصمة الجيورجية اضطرت لاطلاق هذه العبارة التي لا تحدد موعدا للانضمام والمصاغة في ثوب فضفاض. ولكن الطرف الروسي الذي لا تريد وليس من مصلحة المانيا ان تخسره بسبب النزاع الحالي لن يفوته الاقتراب الملحوظ بين الموقف الالماني الجديد وموقف ادارة بوش.

التطورات في القوقاز تحمل مؤشرات تتجاوز جورجيا واوسيتيا. وتوسع الناتو شرقا وجنوبا ليس هدفه جلب السلام والامن للشعوب بل استكمال الهيمنة الامريكية على مناطق شاسعة من العالم سيرا في مخطط الهيمنة العسكرية والاقتصادية والثقافية على العالم كله. تصاعد حدة الحرب الباردة سيزيد من سباق التسلح ويجعلنا نتوقع المزيد من الحروب ساخنة.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا