الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبادئ لتنمية الديمقراطية العراقية

سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)

2008 / 8 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ما هي الديمقراطية؟ و هل للديمقراطية مقدسات و قواعد معينة؟
ليس من الهين أن نصف الديمقراطية بكلمة واحدة هي "حكم الشعب" و انتهى، فقد حكم الشيوعيون السوفييت و سائر الأنظمة الشيوعية من الصين و كوريا الشمالية و انتهاءا بكوبا آل كاسترو باسم الشعب في أقبح دكتاتورية لا يفوقها إلا نظام البعث الصدامي و سائر الأنظمة القومجية، إذا فإن للديمقراطية جملة آليات علينا كشعب و سياسيين و مثقفين أن نعمل وفقها حتى نستطيع دمج الضدين ،،الدولة المركزية الدكتاتورية,, مقابل ضدها و نقيضها ،،فوضى الأطراف و الدكتاتوريات المحلية,, لننتهي إلى خلق التوازن على أرض الواقع الذي يمنع المركز و الأطراف من التحول إلى السلطة القاهرة و الغاشمة، و هو ما يسود الشرق الأوسط مع استثناءات نادرة هنا أو هناك.
و لكن أحد أهم أسس النظام الديمقراطي يجب أن لا نغفلها و هي "حرية الفرد" التي تهددها دوما سلطة المجموع الذي يريد ابتلاع الفرد و جعله أداة من أدوات الجماعة المتسلطة، لكن حرية الفرد لا تكرس عبر الإعلام و الخطب الرنانة البليغة و التغني بهذه الحرية دون أن يكون هناك فعل قانوني و اجتماعي على أرض الواقع، و هو ما نشهده للأسف على الساحة العراقية، فكثيرا ما نرى الإعلام "الحزبي تحديدا" يملأ الآفاق بالتغني بالحرية و الديمقراطية و كرامة الفرد، لكن على أرض الواقع فإن هذه الأحزاب نفسها تستغل الحمية الدينية و القومية العرقية في سبيل هضم حقوق الآخرين و عدم السماح للفرد بأن يشم رائحة الحرية في التعبير عن رأيه و أخلاقه الشخصية.
الفرد في مجتمعاتنا الشرقية يمثل دوما دور الجاسوس الحكومي و الديني على الآخرين و كأنه مسؤول عن أخلاق الناس و إضافة إلى ذلك فهو يملك حق تنفيذ العقاب أيضا، لذلك نجد المجتمع العراقي العشائري مليئا بقصص الفضائح الأخلاقية ـ و أكثرها من صنع خيال مريض ـ كون كل شخص يحسب نفسه شرطيا و قاضيا و جلادا على أخلاق المجتمع، و هو ما يساهم بالتأكيد في ترسيخ الفوضى و انحلال المجتمع، و لو كان كل شخص منشغلا بأخلاقه الشخصية و بإصلاح نفسه دون أن يتدخل في حياة الآخرين و أخلاقهم، لرأينا أن مجتمعاتنا لا تختلف عن أي مجتمع آخر يسير بخطوات حثيثة نحو الديمقراطية و حقوق الإنسان.
تشكل ثقافة "العــــار" التي استعارتها مجتمعاتنا ـ المدنية ـ من المجتمع القبلي، أحد أهم أسباب التخلف الذي يعيشه المجتمع العراقي الذي هو ليس استثناءا من الشرق الأوسط بدلا من ثقافة الشعور بالذنب الشخصي و البحث عن أدوات لتكفير الذنوب كالعمل الخيري و الإنساني و أن الأجر يكون على قدر المشقة في أن يقوم الإنسان بالتطوع و خدمة الناس،ثقافة العار هذه تنطلق من نزعة سلبية ذكورية في عبادة الذات و أن ما يحيط بهذه الذات هو ملك لها، فالرجل يعتبر زوجته أو زوجاته و أخواته و بناته و كذلك الأمر بالنسبة إلى الأم و الأب و الإخوة متعلقات شخصية و على هؤلاء أن يراعوا نزعة الرجل نحو الامتلاك ،،امتلاك السمعة و المديح،، و إلا فإنهم دوما في خطر من أن ينالهم الأذى، و طوال التاريخ الإسلامي و باستثناء فترة قصيرة فإن هذه الطبيعة كانت دوما هي المهيمنة على الناس، إلا أن فترات معينة ساد فيها الحس الفردي، برزت ميول إسلامية نحو التحضر و التعددية إلا أن هذه النزعة الشيعية الصوفية الاعتزالية اندثرت مع المد السلفي الحنبلي الذي اكتسح الشارع.
مرة أخرى و قبل هيمنة البعث المجرم على السلطة عام 1968 فإن المجتمع العراقي كان سائرا نحو النزعة الفردية و إن لم يبلغ مرحلة راقية منها، لكن المنظرين السياسيين للبعث و من خلال ترويجهم ثقافة العنف و العشائرية القبلية التي تفتح أبواب النفوذ حسب معيار قبلي فج، هذه الأمور بالإضافة إلى أسباب أخرى اجتماعية و سياسية و ثقافية أدت إلى تنامي ظاهرة جرائم الشرف و مراقبة الآخرين و تنامي ثقافة السمعة و "العار" و أن مقياس الفرد ـ كونه خيّرا أو شريرا ـ إنما يتعلق بالآخرين و ليس بمدى اقتناعه الذاتي.
و أكبر عائق يقف الآن بوجه الديمقراطية العراقية هو ما يسمى بمجلس الأمن الوطني الذي جعل لزعماء الكتل سلطة تتجاوز النواب المنتخبين في البرلمان و تحول هذا المجلس اللا دستوري إلى ما يشبه دكتاتورية الأقلية "الأوليجاركية" التي تسللت عبر الأكثرية "المزعومة" و رغم أن هذا المجلس هو مجلس استشاري فقط "هذا ما هو معلن" إلى أن هذا المجلس الذي يذكرنا بمجلس الأمن القومي الإيراني الذي ابتلع الديمقراطية الإيرانية عبر قراراته التي تأتي من فوق، فعلى نواب البرلمان العراقي الآن أن ينمّوا لديهم الحس الفردي بمعنى أن يتبعوا قناعاتهم الشخصية التي يؤمنون بها و هذه المسؤولية السياسية هي أمانة وضعها الشعب في يد كل فرد "نائب" في هذا البرلمان و على النائب أن يتصدى لكل قضية بضمير وطني و أن لا يسمح لأحد، سواء كان زعيما سياسيا أو دينيا أو قوميا، أن يملي عليه أمرا و بالذات حينما تكون هذه الأوامر تقف بالضد من مصلحة المواطن و البلد، لذلك فإن ديمقراطيتنا المليئة بالألاعيب و المجاملات تعاني من كونها ديمقراطية لتصبح حكما توافقيا حينا و حكم أغلبية في أحيان أخرى، فنجد بعض الأحزاب في بغداد تطالب بما يسمونه "الديمقراطية التوافقية" و لكنهم بمجرد أن ينتقلوا إلى مجالس المحافظات نجدهم يسارعون إلى الاحتجاج بأن الديمقراطية تعني "حكم الأغلبية" مما يعني أن أحزابنا لا تبحث عن أي ديمقراطية بمقدر ما هي تبحث "للورثة المستقبليين و أبناء الزعماء" عن مزيد من المكاسب و الهيمنة و السلطة و المؤكد أن من لا يستطيع تطبيق الديمقراطية داخل تنظيمه السياسي و الحزبي لا يمكن أن ينتج لنا ديمقراطية سليمة و ناجحة.
على الشعب أيضا أن يساعد الدولة من جهة و مؤسساتها و يتحدى الحكومة و يعارض أي قرار من قراراتها إذا ما كان يناقض حقوق و حريات المواطنين أو يهدد حياتهم الاجتماعية و المادية، و من واجب العراقي كفرد أن يفرق بين الحكومة و الدولة حتى يستطيع المطالبة بحقوقه أو يعترض و يطالب بإسقاط الحكومة مثلا، و إسقاط الحكومة لا يعني بحال من الأحوال إسقاط الدولة، ففي الأنظمة الديمقراطية تسقط الحكومات و يتغير المسؤولون و تأتي وجوه جديدة بين فترة و أخرى، لكن الدولة تبقى قائمة بمؤسساتها و جيشها و شرطتها و موظفيها، لكن على أرض الواقع العراقي فإن الأحزاب المتنافسة تريد أن تطبق برنامجا شاملا بمجرد الوصول إلى الحكم، ففي سنوات قلائل قد يصبح العراق دولة إسلامية و ربما إذا فاز الشيوعيون بعد بضعة سنوات فإنهم سيلغون كل البرنامج الديني و بعدها يأتي القوميون و هكذا..
لكن الديمقراطية الحقيقية تتطلب بناءا ثابتا على أساس توفير الحرية للجميع ـ باستثناء حزب البعث الذي يعادي الديمقراطية و الشعب العراقي ـ و أن تكون كل مؤسسات الدولة حيادية لا تفرق بين عراقي و آخر لا على أساس الجنس أو العرق أو الطائفة و الدين، و بالتالي لا يكون للعراق لا صبغة دينية أو عرقية قومية "و لو كان الأمر بيدي لانسحب العراق من جامعة الدول العربية" و ذلك حتى يدرك العراقي أنه حضارة قائمة بذاتها لا تتبع هذا و ذاك، بدون هذه الحيادية و المساواة و فصل الديــن و القـــــــــــومــــــية عن الدولة ـ و هو ليس فصل الدين و القومية عن الحياة كون هذا مستحيلا ـ بدون ذلك سيستمر العراق يعاني من فقدان التوازن و الجدال السخيف و التافه حول هـوية العراق "الإسلامية و العربية" و تجاهل هويته "الإنسانية"، فيكون الشيعي العراقي أقرب إلى المسيحي العراقي منه للشيعي الإيراني أو الخليجي، و الكردي العراقي أقرب إلى العربي العراقي من عرب الدول الأخرى، و هكذا نقيس كل الانتماءات بمقياس عراقي دقيق و واضح و هو ليس بديلا للمعتقد الديني بقدر ما هو حل جذري لكـــــــــل مشاكل العراقيين.
Website: http://www.sohel-writer.i8.com
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تدخلت أمريكا عسكريًا في عملية إسرائيل لإعادة 4 رهائن؟


.. مراسلنا: قتلى وجرحى من جراء استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى سك




.. حزب الله يعلن استهداف مبنيين يتمركز فيهما جنود إسرائيليون في


.. الاتفاق الدفاعي بين الرياض وواشنطن يلزم السعودية بتطبيع العل




.. رئيس معهد أبحاث الأمن القومي: الضغط العسكري سيؤدي إلى مقتل ا