الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنويم غير مغناطيسي لسرقة الجيوب

رابحة الزيرة

2008 / 8 / 21
الادارة و الاقتصاد


أفادت إحصائيات منظمة السياحة العالمية أن السياح الخليجيين ينفقون أكثر من 12 مليار دولار في عطلاتهم خارج المنطقة سنويا، وينفق السعوديون وحدهم نحو 7 مليارات دولار سنوياً، وبحسب الإحصائيات ذاتها، ينفق السائح الخليجي ما قيمته 135 دولاراً في الليلة الواحدة متجاوزاً إنفاق نظيره الأوروبي الذي يبلغ 88 دولاراً في الليلة، كما يُذكر أن مائة وثمانين ألف إماراتيّ أنفقوا مائة وتسعين مليون دولاراً في بريطانيا وحدها هذا العام!

وتذكر بعض الدراسات البيئية أنه في أمريكا تم استهلاك ثُلث موارد الأرض الطبيعية في العقود الثلاثة الأخيرة، ومع أن عدد سكان أمريكا يشكّلون 5% من سكان العالم فقط إلاّ أنهم يستهلكون 30% من مواردها الطبيعية، وأنّ الفرد بات يتعرّض إلى عدد من الإعلانات التجارية في السنة الواحدة أكثر مما كان يتعرّض له الفرد الواحد في عمره كله قبل خمسين عاماً، كما يتمّ الترويج بقوة لمقولة: "من لا يستهلك كثيراً، فلا قيمة له".

منظومة واحدة، تبدأ بربط قيمة الإنسان بمقدار ما يستهلك، وتنتهي باستعباده بما يملك، ليستهلك بيئته، وعمره، وماله، وطاقته، وقيَمه، وإنسانيته، فيتحول إلى أداة دعائية متجوّلة تبيع الوهم الذي سُوّق لها في حالة من غياب الوعي، وبعد أن اختُرعت لها الحاجات قبل المنتجات، فاخترعوا ما أسموه بـ(الموضة)، وما يرادفها من حاجات مختلقة، مثل (الحاجة) إلى التغيير المستمر، و(ضرورة) مواكبة العصر، حتى ليوسم من لا يتابع (آخر موضة) بأنه شاذّ ومتخلّف يستحقّ الضحك!، فانتقلت أنماط الاستهلاك الجنونيّة إلينا وسُرقت منّا أبناؤنا، وأفسدت قيمنا.

منذ عقود والشركات التجارية الغربية (تُصدّر) لنا (ثقافتها الاستهلاكية)، مصحوبة بمنتجاتها الاستهلاكية، ومغلّفة بأنماط السلوك الاستهلاكي العشوائي الذي لا يمتّ إلى ثقافتنا ولا إلى أعرافنا ولا إلى قيمنا بصلة، ولم يعترض عليها معترض، بل يُسّرت لها كل السبل لتدخل إلينا بسلام، فبتنا نستلهم منهم طريقة لبسنا، وأكلنا، وتحيتنا، وتعبيرنا عن علاقاتنا الاجتماعية الحميمة، بل ونستورد احتفالاتهم وأعيادهم بمزيد من المبالغات والغباء في تقليد أعمى يجعل من البعض (أراجوزاً) يثير الضحك والشفقة في آنٍ، فترى محجّبة مثلاً ترتدي ملابسَ تشبه ثياب الراقصات، أو مذيعة تلفزيونية تلبس ثياباً هي لغرفة النوم أنسب.
فمن السذاجة أن نظنّ أنّ الشاب المراهق الذي يرى صورة رجل مكتمل الرجولة وفي كامل صحته وهو ممسك باحتراف وثقة تامة بطرف من السيجارة أن يقتنع بأنّ للتدخين مضاعفات صحية كتلك المكتوبة بخط صغير في أدنى العلبة، فالصورة المنتقاة توصل رسالة مناقضة تماماً لما تقوله تلك الجملة التحذيرية.

تسلّلت إلينا أنماط السلوك الاستهلاكي فتبنّيناها لجهلنا بفنون التسويق وخدعه، وأثر الدعاية على عاداتنا الشرائية، فتحويل مجمّعات التسوّق مثلاً إلى أماكن للفسحة والمتعة لم تكن فكرة بريئة، بل استندت إلى استحواذ سحر التسوّق على الناس الذي يعتبر ثاني أهم نشاط لوقت الفراغ في أمريكا بعد مشاهدة التلفزيون، فإذا كانت أكثر الدعايات التي يعرضها التلفزيون تروّج للتسوّق، فتلك نتيجة حتمية ومدروسة بخبث تجاري.

من أسف أنّ مجتمعاتنا تفتقر كثيراً إلى دراسات ميدانية تفسّر وتحلّل أنماط السلوك الشرائية لدى فئات المجتمع المختلفة، وتفتقد إلى البرامج التثقيفية من قبل جمعيات حماية المستهلك وأصدقاء البيئة لتبين الآثار السلبية المترتبة على الاستهلاك العشوائي غير الواعي، وتُعرّف بالأساليب الملتوية التي يستخدمها التجّار للترويج لبضاعتهم، أو تقترح طرق مناهضة هذه الأساليب.

قيل أنّ عدد الأقواس الصفراء (علامة ماكدونالد) يفوق عدد الصلبان في العالم الغربي، ويكاد الزمام يفلت من يد الحكومات بعد أن أصبحت بعض المنتجات التجارية تنافس الدولة ومن يمثّلها، ففي طرفة حول تفوّق شعبية (ماكدونالد) على الحكومة الأمريكية، أن سفيراً أمريكياً في بلد ما ذهب لافتتاح أوّل فرع لماكدونالد في ذلك البلد وكان يرتدي قبعة البيسبول المزيّنة بشعار ماكدونالد الذهبي، ففوجئ بمراهق يحمل قبعة شبيهة بالقبعة التي يرتديها السفير وسأله: هل أنت السفير؟ فرد بالإيجاب، فقدّم له المراهق قبعته طالباً من السفير أن يوقع عليها! سرّ السفير بذلك، وقال مندهشاً: هذه هي المرة الأولى التي يطلب أحد توقيعي، فرد عليه الشاب: لابد أنها مهنة جميلة أن تكون سفيراً لماكدونالد، تجول العالم وتفتتح فروعاً؟ فبهت السفير وقال: أنا سفير أمريكا، وليس سفيراً لماكدونالد، فارتسمت علامات الخيبة على ملامح الشاب وتراجع، فسأله السفير: هل مازلت تريد التوقيع؟ فسحب الشاب قبعته قائلاً: لا، شكراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 17-5-2024 بعد آخر انخف


.. لأول مرة طارق الشناوي يتخلى عن النقد.. مش جاي عشان يجلد حد ب




.. بوتين يغير القيادات: استراتيجية جديدة لاقتصاد الحرب؟ | بتوق


.. رشا عبد العال رئيس مصلحة الضرائب: لا زيادة في شرائح الضرائب




.. مستقبل الطاقة | هل يمكن أن يشكل تحول الطاقة فرصة اقتصادية لم