الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبناء الشمس

أسماء الطناني

2008 / 8 / 21
الادب والفن


كانت أمي تطلب من السيدة زبيدة حائكة الملابس أن تصنعها لنا من اللون الأبيض ليس إلا.. فكان قميصي أبيض وبنطالي أبيض وكذا ملابس إخواني وأخواتي وعباءة امي طويلة الكم في الناحية اليمني، ما إنفك هذا الإمر إلا أن بني حجرة غامضة في عقلي تتألف من سؤال واحد هو لماذا تخفي أمي يدها اليمني دائما ولا تستخدمها؟
كانت أمي تفعل كل شيء بيدها اليسري، تكتب بها.. تغسل بها.. تقرأ بها.. تصيء المصباح في الليالي المظلمة بها وكذا الشمعة في الأيام الحالكة بها أيضاً حتي ظننت أنها تسمع بها وتري بها وتتكلم بها، أما يدها اليمني فقد كانت نائمة في كهفها الأبيض مخبأة ومضاءة ببياض العباءة، لم نشاهدها يوماً، لم أر كفاً ولا أصابعاً.. لا سبابة ولا ابهام ولا وسطي ولا حتي خنصر أو بنصر انغمر الجميع داخل العباءة.
يوماً ما سألت أختي الكبري حول هذا الأمر فتوارت مني مجيبة: أعتقد أنها تريد تدفئتها من برد الشتاء، أما أخي الأوسط فيربت علي كتفي قائلاً: أيها الصغير لا تفكر فيما لا يعنيك، أما هي فقالت ضاحكة: مازلت صغيراً يا عزيزي.
شعرت بالغضب فالجميع يتهمونني بالصغير والأصغر كنايات تنم عن الضعف لكني لست صغيفاً.. ألا يتذكرون ما قاله عني معلم التاريخ أنني أقوي في هذه المادة.. وكلمات خالتي عطاء عني أنني قوي البنيان رغم صغر سني، وأصدقائي في الأحلام الليلة الماضية قالوا لي في صوت واحد إيها القوي المقدام عندما انتصرت عليهم في مباراة كرة القدم بالأمس.
ومرت الأيام متزحلقة فوق نهر الزمن وأصبحت صبياً، ضاق بي ذرعاً عدم درايتي بسر أمي، وكررت سؤالي عليها.. سؤالي الأبدي فربتت علي كتفي وهمت بالقول: مازلت.. ، فقاطعتها علي الفور قائلا في تمرد: ستقولين أنني مازلت صغيراً..، فقالت: أجل يا بني، رددت بصوت جلل: لا لقد كبرت ويجب أن أعرف السر، وأمام تمردي غير المتوقع همت بالهروب من أمامي لكن يداي سبقتها وكشفت عن يدها، فإذا بي أري يدها جرداء لا زرع فيها ولا حياة، لا بيوت ولا أنهار، سوداء من الأطراف محفوفة بجلد سميك يغلق خمسة نهايات تنم عن أصابع مفقودة دامعة يرتدي جلدها القتامة بعكس ما ترتديه أمي .
جعلت أمي تبكي بشدة وبكيت أنا الآخر فانسدلت منها الكلمات وجعلت تحكي السبب فيما أصابها.
عند نهايات المدينة كان يعيش..كان الجميع يعرفونه جيداً اقتربت من بيته بخطوات قوية، طرقت الباب بطرقات قوية، فتح لي الباب بنفسه، كانت ملابسه تنم عن استعداده للعمل بكفاءة في اليوم الجديد، كان غطاء رأسه ثقيلاً وحذاءه كان أثقل ويده تحمل أشياء أثقل وأثقل، وعلي الفور حضر صاحبه المستنسخ منه مدلدل اللسان ثاقب العينين لاهث الأنفاس، كان ملتصقاً بصاحبه وقال لي فاتح الباب: من أنت وماذا تريد؟
نظرت إليهما بنظرة قوية مع فارق الطول بينهما، أخرجت السكين المخبأة خلفي وطعنت صاحبه فانزلق لسانه داخلاً حجر فمه إلي الأبد وصرخ بأصوات غير مفهومة ووقع علي الأرض جثة هامدة مستسلماً للموت، وبعد دقيقة رأيتني من أعلي نائماً بجواره بجسدي النازف، ساكن الحركة و أناس كثيرين حولي وأنا أنادي عليهم من أعلي.. أنا هنا أنا هنا، لكن أحدهم همس في أذني غير المرئية قائلا: هم لن يسمعونك وأخذني وذهبنا لأعلي وأعلي وهنا تذكرت ما قالته أمي كاشفة لي سر يدها اليمني: في يوم من الأيام أراد أحد الأعداء أن يسلب بيتي عنوة فوقفت أمام الباب صادة له فلما لم يقدر عليّ سلط علي كلبه المدرب علي القتل فالتهم أصابعي إلتهاماً، وهنا رأيتني من اعلي تقبلني أمي ثم رأيتني أتواري خلف غطاء أبيض .. ناصع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا