الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقوفًا .. على سفح الكرمل .. !!

سَعْد اليَاسِري

2008 / 8 / 22
الادب والفن



لو جاز لنا – في تلك المناسبة القاسية – أن نعدّل موقف العارف النّفّري .. فسنقول :
كلّما اتّسعت المصيبة ضاقت العبارة .
لأنّ المتتبّع لسلسلة المصائب التي حلّت على رأس الحركة الفكرية و الأدبيّة – تحديدًا - في عقد من الزمان ؛ سيعلم تمامًا مقدار الخسارة ؛ الجواهري ثم قباني ثم عدوان ثم نيقولا زيادة ثم الماغوط ثم الملائكة ثم قصيري و فيما بينهم وغيرهم كثر .. و ها نحن نقف على حافّة سقف القصيدة بائسين .. محبطين من حجم الفراغ الناتج .
نطلّ اليوم على موت درويش – وليس على ما نريد - , نلعن أقدارنا بـ (هو أنت ثانية ؟ ألم أقتلك ؟ ) , ثم نصالحها بـ ( السروة انكسرت وهذا كلّ ما في الأمر ) , نعشق على طريقة ( كن حبيبي بين حربين على المرآة ) , و يحب واحدنا أخطاءه فيغني ( لا تعتذر عمّا فعلت .. لا تعتذر إلاّ لإمّك ) , نتفكّر بالأسئلة الكبرى تحت شعار ( لم يعد أحدٌ من الموتى ليخبرنا الحقيقة ) , و نوبّخ الموت بـ ( لا تجلس على العتبات كالشّحّاذ أو جابي الضرائب) , ثم بعد كلّ هذا نعود إلى حضن بساطتنا لنعلن براءتنا ( أنا يوسفُ يا أبي ) , ونؤمن بأنّ ( في كلّ ريح تعبث امرأةٌ بشاعرها) , و أنّ في الغد (سيجيء يومٌ آخرٌ ) .

نقف اليوم لنعلن بأنّنا لم نعد نقوى على الخسائر , و أنّ حطّاب الموت أتلف غصن القصيدة بوحشية . نقف اليوم على سفح الكرمل – حيث اللوز البريّ – لنقرأ تأريخ محمود درويش مجدّدًا ؛ هذا الذي نبت من رحم الجيل الثوري النظيف قبل أن يستولي عليه الظلاميّون , هذا الذي غيّر في ملامح القصيدة العربية الحديثة – التفعيلة أعني – بأن منحها الشارع والأرصفة . هذا الذي وهب ما كان يسمّى بقصائد المقاومة الشعرَ , و قد كانت قبله عبارة عن خطب عصماء . هذا الذي غنّى للنبيذ و فلسطين والحمام ونهد المراهقة وخِشف في الحديقة و الماعز الجبليّ بانسجام عجيب .
نقف – رغم الإحباط – متفائلين ببقاء النّص و إن رحل الشّاعر , و خلود الفكرة و إن أفل الحكيم . نقف – و لدينا كلّ الوقت - لنرصد منزلة القائل : ( لم أجد وقتًا لأعرف أين منزلتي ) .
نقف لنتذكّر بأنّ درويش لا يحتاج منّا لأكثر من أغنية تيسّر له الطريق , و باقة ورد بريّة - لا عهد لها بالمزهرية - لتعطّر ياقة طفولته , و أحدَ عشرَ كوكبًا تنير له العتبات .


إلى اللقاء ؛ أبانا المسجّى في رام الله .
إلى اللقاء ؛ أبانا الذي لا شيء يوجعه على باب القيامة .
إلى اللقاء ؛ أبانا الذي لم يخطئ المقبرةَ .. للأسف .


سَعْد اليَاسِري
آب – 2008
السويد .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب