الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احذروا التجهم

عدنان الدراجي

2008 / 8 / 22
الادب والفن



ببسملة متأنية أدرت مفتاح دكاني ثم تفقدت محتوياته التي غطاها غبار عاصفة الأمس, شمرت عن ساعدي وبدأت المع حاجاتي برتابة متطلعا إلى وصول الزبون الأول.
بوغت بصوت (الرفيق) الدميم خالد يلقي تحية الصباح, ندبت حظي العاثر الذي قذفني بهذا الشؤم وقدمت له كرسيا, بدأ ثرثرته بتأييد المجازر الصربية في البوسنة, تمالكت نفسي وتصنعت الإصغاء وفجأة سألني ماذا ستفعل لو مس احدهم كرامة السيد الرئيس حفظه الله؟ كدت اقفز كالملسوع فهذه تهمة تؤدي بمن تلصق به إلى حبل المشنقة.
مالي وهذه المزالق يا (رفيق) خالد!!, ضحك الخبيث وقال لماذا ارتعبت؟ أنا لم أتي لاتهمك بل جئت لاستدين منك بعض المال, قلت له باشمئزاز سوف ابذل جهدي, مد يده المكتنزة مودعا وهو يقول إني متأكد من ولائك وحبك (للحزب وللقائد)!!
أيقض هذا التافه هاجس الاعتقال الذي لازمني كظلي منذ أكثر من عقدين, طالما حاولت أن اخرج من غلالة التوجس دون جدوى فأنباء الاعتقالات المفاجئة التي طالت معارفي تعيدني إلى دائرة التوتر والترقب, ولما تزل ذكريات القمع الوحشي للانتفاضة التي تلت حرب الكويت عالقة كغصة في فمي, لذا اعتدت العوم في بحر العيون المتلصصة, كنت اعلم أن لهم قدرة على التقاط خفايا ذاكرتي المطمورة بل والتسلي بمراقبة نخاعي وتشريح مشاعري, فجاريتهم في لعبتهم وأخرست قلبي وألجمت لساني وأخفيت رائحتي, لقد عشت الشقاء وكأني جبلت عليه.
كنت في ضائقة مالية إذ أطبق علينا الحصار اللعين بشدة, لكن لابد من توفير مبلغ أغلق به نافذة الشر, وفي اليوم التالي سلمته ربع المبلغ الذي طلبه مني, فمضى من غير تعليق.
بعد أيام من أخر زيارة (للرفيق) خالد استشعرت الخطر إذ تنصل الأصدقاء عن زيارتي , وكثُر مرور (الرفاق) وأفراد (الأمن) من أمام محلي أو الجلوس في المقهى المجاور, كان واضحا أنني وضعت تحت المراقبة المركزة فعملت على إخفاء حركتي والتصرف بشكل طبيعي لأوهمهم بغفلتي عن المراقبة.
استغرقت في مساومة حادة مع احد الزبائن, وكنت على وشك إتمام الصفقة حين دخل الدكان أسوء (رفيقين) عرفتهما في حياتي, لم يحتاجا إلى مقدمة بل قالا بانشراح الرفيق فهمي أرسل بطلبك ولن يتطلب الأمر أكثر من عشرة دقائق.
قلت من هو (الرفيق فهمي)؟ ضحكا وقال احدهما (الرفيق) فهمي عضو (الشعبة الحزبية) كيف لا تعرفه؟

إن عدم اعتقالي الفوري جعلني أتيقن بأنهم لم يلتقطوا أدلة تكفي لإدانتي لذا تعاملت مع الرذيلين باستخفاف.
لم أستطع كبح نفسي عن التمعن في وجوه أطفالي الخمسة, انحنيت على مهد الصغرى ذات السبعة أيام وقبلتها وانأ أغالب دموعي فأسوء التوقعات محتملة جدا, ثم كتبت وصيتي سريعا وأخبرت والدتي وزوجتي بنبأ استدعائي.
تصنع الانشغال وتجاهل تحيتي ثم سألني بفضاضة ماذا تريد؟ قلت أنا عادل جئت بناءا على طلبك.
قال: لماذا لم أرك من قبل؟
قلت:نهاري في الدكان وليلي في البيت.
قال: كلا أنت تكره (الرفاق) وتتجنب لقاءهم!!
قلت: لا اكره أحدا وما يهمني إعالة عائلتي فقط.
فقال: لماذا لم يحد انشغالك من علاقتك بعوائل المعدومين أعداء الحزب والثورة.
قلت: يا أستاذ أنا اعمل في السوق ويأتي الناس للشراء أو للسؤال و الثرثرة ولا أستطيع اختيار زبائني.
فصرخ قائلا اصمت يا كاذب نحن نعرف عنك كل شيء, لا تتوهم فعيوننا وأذاننا نقبت في ثأليل دماغك وأحصت أنفاسك ووجيب قلبك.
قلت وقد انتفخت أوداجي غضبا اقسم إنني لم اقتل ولم اسرق ولم أخالف القانون كما أديت واجبي الوطني بشرف وأمضيت عقدا كاملا من عمري مقاتلا كجندي في جيش خاض غمار حربين هائلتين.
صرخ مرة أخرى وقال لا تتبجح بأداء الواجب, لن تعفيك خدماتك في الجيش عن تحمل وزر الخيانة.
سرت القشعريرة في جسدي وقلت له أي خيانة تتحدث عنها؟
فصرخ قائلا أنا الذي يسال وليس أنت!! اتبعني!!.
سار أمامي ثم امرني بالانتظار بإزاء باب مكتب (مسؤول الشعبة الحزبية), كان (الرفاق) الذين يحطون بالمكان ينظرون إلي شزرا, تجاهلت وجودهم وانشغلت بترديد الأذكار وبعض الآيات التي احفظها.
فتح الباب بعد نصف ساعة وامرني بالدخول, كانت سعة الغرفة تعادل نصف مساحة بيتي, جلس المسؤول خلف مكتب مهول وعلى يساره غطس ضابط شرطة مترهل في أريكة فخمة.
ألقيت التحية ووقفت صامتا انظر إلى السقف لأتجنب نظراتهم الغاضبة.
أنت عادل, قلت نعم, قال: لماذا تكره (الحزب والرفاق), قلت يا (رفيق) أنا رجل كادح لا شأن لي بالسياسة.
فقال وقد احمر وجهه غضبا, أتنكر التجهم الذي يجتاح وجهك حين تتجاوز جدارية (الرئيس القائد حفظه الله), أتنكر انك رفضت الانتساب (للحزب), أتنكر تجاهلك (للرفاق), أتنكر رفضك دفع التبرعات (للحزب), أتنكر عدم استجابتك لنداء (القائد) ومنع أبنائك من الانخراط في منظمة (الفتوة), أتنكر امتناعك من التطوع في (الجيش الشعبي وجيش النخوة وجيش القدس), ثم ما هذه الكتب التي لا تفارقك, وما سر تعلقك بذوي (الخونة).
وقبل أن ابلع ريقي عاد ليسألني ما هو اسم تنظيمك؟ ومن هو قائدكم؟ من هم أعضاء التنظيم. اجبني ولا تخفي عني شيئا أو أرسلك لمن يجبرك على الاعتراف!!
اجتاحتني مشاعر القرف المقرون بالغضب وصرخت به اقسم أني لست منتسبا لأي حركة سياسية, فانتفض كخنزير هائج وأطلق لسانه البذيء ينهش كرامتي ثم أمر الحرس بقذفي في السرداب لحين استكمال التحقيق.
د.عدنان الدراجي
28/7/2008
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو


.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق




.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب