الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة اربيل والدور غير المباشر للاحزاب الحاكمة

توما حميد
كاتب وناشط سياسي

2004 / 2 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الجريمة البشعة التي استهدفت يوم الاحد المصادف الاول من شباط 2004 مقري الاتحاد الوطني الكردستاني و الحزب الديمقراطي الكردستاني في اربيل والتي ادت الى مقتل واصابة المئات من اعضاء الحزبين والمواطنين العاديين هو عمل بربري يذكرنا مرة اخرى بقدرة الحركات الاسلامية غيرالمحدودة على القتل والتدمير. كما تذكرنا هذه الجريمة من بين الاشياء الاخرى بالمصير الاسود الذي يلوح في الافق امام الجماهير في العراق وما تحمله الايام القادمة من مأسي لهذه الجماهير.

رغم انه لم تتوفر لحد الان معلومات دقيقة عن الطرف او الاطراف التي تقف مباشرة خلف هذه الجريمة الوحشية الا ان  كل التفاصيل المتوفرة لحد الان تدل على ان هذه الجريمة النكراء هي من عمل المجاميع الاسلامية. وجود شخصان على استعداد للانتحار وعلى استعداد لاستغلال مناسبة اجتماعية للقتل العشوائي لاكبر عدد من الناس الابرياء هو اسلوب الاسلام السياسي.

لم تفق الناس من صدمة هذه الجريمة البشعة حتى سارعت القوى البرجوازية المختلفة الى استغلالها وتوظيفيها لمصلحتها. فلم يمنع حجم الخسارة التي لحقت بالحزبين الكرديين الرئيسين من توظيف هذه الجريمة سياسيا،  فاستخدم اعلامهما هذه الحادثة من اجل الاقتراب الى الجماهير وردم الهوة بينهم وبين  الجماهير في كردستان. حيث  صور هذا الاعلام الجريمة على انها موجها ضد " الشعب الكردي" وان الحزبين وخاصة قياداتهما هما في الواجهة عندما يريد الاعداء ايذاء هذا "الشعب"، ولهذا طالبوا من الجميع الكف عن نقد الحزبين و التلاحم معهم من اجل صد هذه الهجمة التي تستهدف "الوجود الكردي" حسب وصفهم.  كما حاول هذا الاعلام التنصل عن الدور الذي لعبه هذان الحزبان فيما وصلت اليه الاوضاع في العراق. و وجدوا فيها فرصة للتاكيد على مطلبهم في اقامة نظام فيدرالي على اساس قومي  في العراق.
كما سارع التيار القومي الكردي الموجود رسميا خارج هذين الحزبين الى استغلال هذه الجريمة للتاكيد على صحة طرحه بالمطالبة بالاستقلال وليس الفدرالية. حيث حاول هذا التيار عرض هذه الجريمة على كونها مؤامرة من تركيا وايران والاطراف غير الكردية داخل مجلس الحكم ضد الاكراد وانتقاما للمطالبة بالفدرالية.  و استغل الحادثة من اجل زيادة الضغط على الاتحاد الوطني الكردستاني و الحزب الديمقراطي الكردستاني اللذان لايتجرأن على المطالبة بالاستقلال. فحسب هذا التيار فان الاعداء سيستهدفون الاكراد مهما كان مطلبهم تافها لذلك لابد من طلب شيئا يستحق كل هذه الخسائر اي طلب الاستقلال.
والتيار القومي العربي  شدد على ضرورة واهمية وحدة العراق من اجل مواجهة الارهاب اي ما معناه  ضرورة تأجيل مطلب الاحزاب القومية الكردية باقامة نظام فيدرالي قومي في العراق. اما بالنسبة لامريكا فان هذه الجريمة جاءت كتذكير لحجم المازق الذي وقعت فيه في العراق واستحالة الخروج منه بسهولة ودون المزيد من الخسائر على كل المستويات.
من الارجح ان تكون هذه الجريمة  حلقة من مسلسل العمليات التي تقوم بها الجماعات الاسلامية بالدرجة الاولى وفلول البعث ضد القوى المتعاونة مع التحالف في العراق. وهذه الجريمة لاتختلف جوهريا عن عمليات مماثلة  نفذت لحد الان ضد اطراف سياسية اخرى جمعتها امريكا فيما يسمى بمجلس الحكم كالعملية التي تفذت ضد مقر الحزب الشوعي العراقي وعملية كربلاء التي ادت بحياة باقر الحكيم و العشرات من اتباعه والناس العاديين. الاختلاف الوحيد هو ان هذه العملية كانت اكثر "نجاحا" من وجهة نظر منفذيها من حيث عدد الاشخاص وخاصة القياديين الذين قضوا فيها.

كما لم تكن هذه الجريمة الاولى فانها لن تكون الاخيرة ضد القوى العراقية المتحالفة مع امريكا وكذلك بالتاكيد ضد القوى التقدمية التي لايتفق وجودها ونضالها مع مخططات المجاميع الاسلامية و بقايا فلول البعث. وحتى افترضنا  صحة مايدعيه بعض اطراف التيار القومي الكردي من ان هذه العملية جاءت للانتقام من الاحزاب الكردية لمطالبتها بالفدرالية الا انها ستبقى نتيجة من نتائج الحرب الامريكية على العراق وهي تبين الى اي مستنقع قد دفعت الحرب الامريكية ومن ثم الاحتلال الامريكي للعراق الجماهير العراقية. كما لاتنفي دور الاحزاب القومية الكردية في خلق هذا الوضع وكل النتائج التي تتمخض عنه. لقد شاركت الاحزاب الكردية عن علم وقناعة وبدور قوي في خلق هذا الواقع وها هي الجماهيربالدرجة الاولى وتلك الاحزاب بالدرجة الثانية تحصد نتيجة من نتائج هذا الدور. فلايوجد اي ضمان ان تكون نتائج الحرب والتدخل الامريكي بالضرورة لصالح الاحزاب الكردية لمجرد انها اصطفت الى جانب امريكا.
 كما ان هذه الجريمة تبرهن خطا السياسة التي اتبعتها الاحزاب القومية الكردية ضد الاسلام السياسي.
 حتى اذا اكتشف ان مدبري هذه العملية هم من خارج كردستان فانها قد دقت ناقوس الخطر واكدت ضرورة اتخاذ اجراءات حاسمة للحد من تفوذ الاسلام السياسي في المجتمع. حتما ان الاسلام السياسي حركة عالمية ولايقتصر نشاطها على كردستان العراق ولكن للاحزاب الكردية نفسها دور مهم في نمو الاسلام السياسي في هذه المنطقة.

لقد اتبعت هذه الاحزاب نفس السياسة التي تتبعها امريكا مع الاسلام السياسي. ففي الوقت التي تستخدم امريكا اقصى قوتها لضرب بعض جماعات الاسلام السياسي تقوم بدعم وبتشجيع ومجاملة مجاميع اخرى. ان تزكية جماعات الاسلام السياسي الموالي لامريكا و شن الحرب على تلك التي تعادي المصالح الامريكية لن يودي الى تقليص خطر الارهاب الاسلام السياسي على البشرية. ان الطريقة الامريكية في مكافحة الارهاب الاسلامي هي عقيمة، لانها في الحقيقة لا تهدف الى القضاء عليه اذ انها  بحاجة الى الاسلام السياسي وارهابه.
 و كذلك بالنسبة للاحزاب القومية الكردية، ان ضرب جند الاسلام ودعم بقية تيارات الاسلام السياسي في كردستان او غض النظر عن ارهابها لن يزيل خطر ارهاب الاسلام السياسي عن الجماهير في كردستان.  رغم كل الجعجعة التي تطلقها هذه الاحزاب فهي لاتهدف الى القضاء على ارهاب الاسلام السياسي لانها بحاجة ماسة اليه. حيث كان الملالي هم الخطباء الاساسيين في المأتم التي اقيمت لضحايا هذه العملية الارهابية من قادة هذه الاحزاب.
 تقوم هذه الاحزاب  بتشجع وتقوية مجاميع الاسلام السياسي بحجة كونها تيارات "معتدلة" و" ديمقراطية"، حيث صرفت  خلال 13 سنة من حكمها ملايين الدولارات على الاسلام و الاسلام السياسي. ووقفت بجانب الاسلام السياسي في كل صراعاته ضد القوى التقدمية في المنطقة. وبينما يقومون بتمويل جماعات الاسلام السياسي بكل اشكال الدعم يمنعون الحزب الشيوعي العمالي العراقي وبقية القوى التقدمية من ممارسة النشاط السياسي في كردستان. كما غضت هذه الاحزاب النظر عن الجرائم التي ارتكبتها الحركات الاسلامية ضد القوى والشخصيات التقدمية وعن الفتاوى شبه اليومية ضد كل ماهو تقدمي داخل المجتمع. فعملية اغتيال لاثنين من ابرز قيادي الحزب الشوعي العمالي العراقي عام 1998 في اربيل تمت في وضح النهار دون ان يحرك الحزب الديمقراطي الكردستاني المسيطر على اربيل ساكنا ،لا بل  بتواطئ هذا الحزب  مع الاسلام السياسي.  وقد اطلق ادهم برزاني-عم مسعود برزاني فتوته التي دعت الى تصفية ريبوار احمد سكرتير الحزب الشوعي العمالي العراقي اضافة الى العشرات من الفتاوى الاخرى من ملالي وشخصيات اسلامية ضد الشخصيات والقوى التقدمية امام اعين هذه الاحزاب وفي ظل "حكمها الديمقراطي"!. اضافة الى فتح المجال امام القوى الاسلامية لفرض التقاليد وطريقة الحياة الاسلامية على الجماهير بالقوة او من خلال الاموال التي تغدق عليها من قبل الدول الرجعية في المنطقة مستغلة العوز التي فرضته الاحزاب القومية الكردية على الجماهير. كما يفرض الاسلام السياسي تراجع فظيع على المجتمع العراقي تحت حكم امريكا، فرض الاسلام السياسي ولايزال تراجع مادي ومعنوي فضيع على المجتمع في كردستان برضى  ومباركة الاحزاب القومية الكردية.

 فبروز انصار الاسلام وظهور اتباع للقاعدة في كردستان العراق والارهاب الاسلامي بشكل عام ليس وليد لحظة  بل جاء نتيجة 13 سنة من الدعم المباشر وغير المباشر والمجاملة والتواطئ من قبل الاحزاب القومية الكردية مع الاسلام السياسي.
ومن جهة اخرى، فكما ان القضاء على الجماعات الاسلامية المعادية لامريكا على مستوى العالم لم و لن يتم من خلال الجيوش والصواريخ والقنابل فقط فان وقف هذه العمليات الارهابية في كردستان العراق لان ياتي عن طريق توجيه ضربة عسكرية ضد هذا التنظيم او ذاك فقط او من خلال زيادة الاجراءات الامنية. القضاء على الارهاب الاسلامي يتطلب القضاء على الاسلام السياسي كتيار سياسي داخل المجتمع.
و كما لم ولن تتخذ امريكا الاجراءات الجذرية اللازمة لاستئصال الاسلام السياسي فان  الاحزاب القومية الكردية بدون ضغط قوي من الجماهير والقوى التقدمية لن تتجه نحوسبل القضاء التام على الاسلام السياسي بل ستكتفي ببعض الاجراءات التي ستبعد خطر الاسلام السياسي عن نفسها ولو لفترة.
 كتب برجنسكي، الذي عمل مستشارا لعدد من الرؤساء الامريكيين مرة في سياق حديثه عن السياسات الامريكية في افغانستان ودعمها للقوى الاسلامية الرجعية فيها متسائلا، وماذا سيحدث لو نتج عن كل هذا مجموعة من" المسلميين المهتاجين"؟ لقد جاءت احداث سيبتيمبر 11 لتعطي الجواب على سؤاله هذا . فقد كشف عدد من " المسلميين المهتاجين" ما يمكن ان يقوموا به.
لقد شككت قياداة الحزبين القوميين الكرديين دائما  بضرورة القيام بعمل جدي ضد الاسلام السياسي بحجة ان الاسلام السياسي الكردي  برئ ومسالم وهوغير الاسلام السياسي الذي يقوم بالجرائم التي نسمع بها بين الحين و الاخر في انحاء مختلفة من العالم.
كما لم يشترك الحزب الديمقراطي الكردستاني في اي من العمليات ضد جماعة جند الاسلام انطلاقا من هذه القناعة ومن قناعة ان خطر هذه الجماعة بعيد عن هذا الحزب. لقد تسائلوا  ماذا لو استولت مجموعة هائجة من اتباع الاسلام السياسي على بعض الصخور في منطقة حلبجة؟ لقد اثبتت الجرائم التي ارتكبتها هذه العصابة ضد اعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني من قتل الاسرى بطرق بشعة والتمثيل بالجثث ان الاسلام السياسي الكردي لايختلف عن الاسلام السياسي في الدول الاخرى،كما ان جريمة اربيل  تؤكد  ما بامكان مجموعة من عناصر الاسلام السياسي الهائجين القيام به حتى وان كانوا لايسيطرون على شبر واحد من الارض.
اليوم الاحزاب القومية الكردية مطالبة بوضع حد لدعمها لحركات الاسلام السياسي وعدم غض النظر عن الجرائم التي يقوم بها هذا التيار حتى تلك غير الموجهة ضدها ومطالبة باطلاق حرية القوى التقدمية وفي مقدمتها الحزب الشوعي العمالي العراقي لممارسة النشاط السياسي في كردستان. بدون محاولة استئصال الاسلام السياسي من المجتمع فان اي حديث عن محاربة الارهاب من قبل الاحزاب القومية الكردية سيبقى رياء لاغير.  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معبر رفح.. مصر تصر على انسحاب القوات الإسرائيلية| #غرفة_الأخ


.. توتر متصاعد على الحدود اللبنانية بين حزب الله وإسرائيل| #غرف




.. سماع دوي اشتباكات بعد اقتحام قوات الاحتلال طوباس بالضفة الغر


.. مسيرتان في سيدني وملبورن بأستراليا للمطالبة بوقف الحرب على غ




.. حزب المؤتمر الوطني في جنوب إفريقيا يتصدر رغم فقده الأغلبية ا