الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب و بناء الدولة

علي جاسم

2008 / 8 / 22
حقوق الاطفال والشبيبة


مرت شريحة الشباب في العراق منذ ثلاثة عقود بمعاناة كبيرة احاطت بحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأثرت على قدرتهم في التمسك بموروثنا الثقافي والادبي الذي صنعته الذهنية العراقية على مدار القرون الماضية التي انتجت اجيالاً متعددة رفدت العالم بالمعرفة والثقافة عندما كان العراق مرتعا لطالبي العلم والمعرفة من كل حدب وصوب. والظروف السياسية التي مر بها العراق منذ تسلم نظام الطاغية الحكم العام 1979، ادت الى تغيير ملامح خارطة العراق الثقافية، واودت بأبنائها، وسيرتها نحو التسييس والمحاباة لصالح النظام البعثي الذي امسك بقبضة حديدية على جميع الاتجاهات الفكرية والادبية، وحصرها باطار قومي وحزبي ضيق لا يتعدى المديح والتبشير بأيديولوجية سياسية جديدة في العراق باستخدام القوة والعنف، ومن الطبيعي في ظل هذه الاجواء المشحونة بالافكار الشوفينية والشمولية ان ينحدر الفكر الثقافي والمعرفي لدى الشباب باتجاه الهاوية لأن عدم الخضوع لارادة النظام الدكتاتوري يؤدي الى السجن او الموت تحت اقدام جلاوزته. وقد حصلت شريحة الشباب نتيجة لتلك السياسة ”البهلوانية“ على اوسع مساحة في سجلات القهر والظلم والتعسف التي تبناها النظام خصوصا بعد العام 1980 الذي شهد نشوب الحرب العراقية-الايرانية التي كانت بداية النهاية للثقافة العراقية ولجيل كامل واكب تلك المرحلة العسيرة وتجرع مرارتها. كما ادت هذه الحرب وحسب الاحصاءات الدولية الى مقتل زهاء مليون شخص كان للشباب العراقي الحصة الاكبر منها وخلقت نوعا جديدا من الثقافة الطارئة على مجتمعنا العراقي، وسار الكتاب والشعراء والمثقفون باتجاه دعمها وتأييدها وبدأت الكتابات المخطوطة بالحبر الزيتوني تروج وتطبع بأحدث المطابع وترصد لها ميزانيات ضخمة لأنها تحاكي بطولة القائد الاسطوري الذي قتل كل اعدائه بضربة واحدة، وأخذت حناجر الشعراء تصدح بأحرف القصائد التعبوية والحماسية ضد اعداء النظام، لقد عاشت الثقافة العراقية في ظل ادب الحرب اتعس تجربة لها عبر التاريخ وشطبت انتاجنا الثقافي الزاخر الذي كان هوية العراق تلك الهوية التي نفتخر بحملها في كل المحافل الدولية، وبالرغم من انتهاء الحرب بعد ثماني سنوات من القتال غير المجدي الا ان الثقافة العراقية لم تستطع ان تنتزع ثوبها الخاكي وظلت تسير بطرق وعرة ابعدتها كثيرا عن نقطة البداية حتى دخول النظام في مغامرة طائشة جديدة لم تحسب نتائجها بدقة وتسيدت ثقافة الحصار الموقف وبدأت الثقافة العراقية تلفظ انفاسها الاخيرة. اليوم الثقافة العراقية في ظل الاجواء الديمقراطية تحتاج الى من يعيدها الى مكانتها الطبيعية وبنفس جديد غير ملوث بالحمى الحزبية التي كانت في الماضي.. ولا اعتقد ان المثقفين العراقيين داخل وخارج العراق قادرون على تلك المهمة بدون اشراك عنصر فعال يتمكن من خلق ثقافة فكرية جديدة، ثقافة قادرة على المحافظة عليها ونقلها الى الاجيال المقبلة وهذا العنصر يكمن في شريحة الشباب العراقي التي عاشت ومازالت تعيش اسوأ مراحل التهميش والظلم فمعظم الشباب تركوا مقاعدهم الدراسية في زمن النظام السابق بسبب لقمة العيش، وها هم اليوم يملؤون الشوارع والارصفة والمقاهي دون اية فرصة عمل وأصبحت البطالة عنوانهم الوظيفي فكيف نبني جيلا مثقفا ونحن لا نوفر لهم الحياة الكريمة التي يطمحون اليها؟. ان ترك الشباب العراقي تحت الضغط الاجتماعي من جانب والضغط الامني من جانب اخر سيخلق مناخاً ملائماً لاستدراجهم في اتجاهات وثقافات اخرى قد تكون اشد وطأة من ثقافة البعث عندما يتركون فريسة سهلة بيد الحركات الدينية والعقائدية المنحرفة والمتعصبة التي ظهرت بعد سقوط النظام لأن الجهل والفقر لا ينتجان الا الانحراف في جميع نواحي الحياة، فالدولة على مدار الخمسة اعوام الماضية تقريبا لم تعط هذه الشريحة مكانتها الحقيقية التي تمثل عصب المجتمع ولم توفر لهم فرص عمل حقيقية تنقذهم من واقعهم المزري ووقفت موقفا سلبيا من استيعابهم وكسبهم لصالحها. لذا فان مهمة بناء منظومة ثقافية جديدة تؤمن بالحداثة ويكون للشباب دور فعال فيها يستلزم من الجميع بحث هذه المشكلة وفق اسس علمية ومنطقية من اجل اعداد جيل قادر على المساهمة في بناء دولة القـانون والديمقراطية. وهذه المهمة لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، صحيح ان الحكومة ملزمة بتوفير متطلبات الشباب بتوفير فرص العمل المناسبة وتقـديم القروض والمساعدات المالية لهم واجراء دراسـة موسعة للنهوض بواقعهم، الا ان للبرلمان العراقي ومنظمات المجتمـع المدني الدور الاكبر في استيعاب هـذه الشريحة واشراكها بشكل حقيقي في بناء الدولة ،واعادة الثقة اليها من جديد وتوفير فرص العمل الحقيقية لهـم لاسيما خريجو الجامعات والمعاهد الذين يعتبرون طليعة الشباب العراقي المثقف لأن تركهم بهذا الشكل سيدخل البلاد في اتون صـراعات عديدة على المدى البعيد وقـد يؤسس لدولة الطـوائف والملل التي ستطلق رصاصة الرحمة على الثقافة العـراقية لأنها لن تجد من ينقلها الى الاجيال المقبلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين